2024-11-25 12:35 م

الإنفاق العسكري وسياسات التسليح في ظل كورونا

2020-10-23
في ظل احتدام الصراع بين القوى الدولية والإقليمية في العديد من الملفات كما في حال التوتر بين الصين وأميركا، وإيران وأميركا، وتدهور العلاقات الأوروبية الروسية، فضلا عن الحروب في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، بلغ الإنفاق العسكري عالميا ذروته في عام 2019 حيث وصل إلى 1.73 تريليون دولار أمريكي مقابل 1.67 تريليون دولار أمريكي في عام 2018[1].

وفي بداية عام 2020 توقع تقرير صادر عن البنك الدولي ارتفاع النمو العالمي بنسبة 2.5% بدلا من 2.4% في عام 2019 لكن سرعان ما جاءت أزمة انتشار فيروس كورونا لتلقي بظلالها على صحة البشر، وهو ما دفع الحكومات المختلفة إلى تدشين خطط طوارئ وتخصيص حزم انعاش لمواجهة ما يحدث من انكماش اقتصادي وإغلاق للشركات وتعطل لسلاسل التوريد المحلية والعالمية مما ألقى بأعباء كبيرة على الموازنات المالية السنوية، وسط توقعات بألا يحدث تعافي اقتصادي من الأزمة سوى بعد عدة سنوات. وهو ما جعل البنك الدولي يعلن في يونيو 2020 أنه يتوقع حدوث انكماش في الاقتصاد العالمي بنسبة 5.2% خلال العام الحالي في أكبر ركود اقتصادي متوقع منذ الحرب العالمية الثانية[2].

يمكن تقييم تأثير كورونا على الصناعات العسكرية والدفاع عبر ثلاثة مواضيع رئيسية تشمل الموارد البشرية، وشبكات التصنيع والإمداد، والبرامج والميزانيات. فقد تمثل الخطر الأبرز لكورونا في تهديد حياة البشر. حيث انتشر المرض بسرعة في جميع أنحاء العالم ليصيب عشرات الملايين عقب ظهوره الصين في أواخر عام 2019 مما أدى إلى توقف الحياة الاجتماعية والتجارية لعدة أشهر، وأدى إلى خسارة في القوى العاملة بسبب الوفيات أو العجز المؤقت الناتج عن تأثيرات المرض على المصابين. وبرز هذا التأثير بشكل خاص في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي عادة ما يكون لديها عدد قليل من الموظفين. وبالتوازي مع عمليات الإغلاق والحجر الصحي والإجازات أصبحت الشركات غير قادرة على مواصلة عملها بالشكل المعتاد في ظل التدابير اللازمة لحماية الموظفين وبيئة العمل[3].

وفي ظل تعامل الصناعات العسكرية مع معلومات حساسة متعلقة بالأمن القومي والتكنولوجيا المتقدمة فيجري تخزين ومعالجة البيانات والمعلومات المتعلقة ببرامج التصنيع تحت رقابة مشددة مما يجعل من الصعب على العاملين بتلك المجالات القيام بأعمالهم من المنزل. وفي ظل اعتماد العديد من الصناعات العسكرية على سلاسل توريد عالمية حيث يشتري المقاولون أنظمة فرعية ومكونات من دول أخرى حدث تعطل في سير سلسلة التوريد واللوجستيات عموما وبالأخص في المواد التي تنتجها الصين في ظل تفشي الوباء بها. وبالتالي واجهت العديد من الشركات خطر عدم الوفاء بالتزاماتها التعاقدية.

تلك التطورات أثارت مطالبات بخفض مستويات الإنفاق العسكري وتوجيه المبالغ المقتطعة نحو تطوير أنظمة الرعاية الصحية استعدادا لمواجهة الأوبئة المستقبلية، وبالأخص في ظل انكشاف ضعف منظومات الأمن الصحي في دول كبرى مثل أمريكا وبريطانيا، ومتذرعين بأن أوجه القصور في الموارد الصحية نشأت بسبب الإنفاق الحكومي المفرط في الجوانب العسكرية والأمنية، وبأن تداعيات المرض من خسائر في الأرواح البشرية وفقدان للوظائف وغيرها من الأضرار الاقتصادية الخطيرة لا تقل خطورتها عن الدمار الذي تحدثه الحروب بين الدول.

تحت ضغط الأزمات الاقتصادية الناتجة عن كورونا أعلنت بعض الدول الأسيوية مثل إندونيسيا وتايلاند تخفيض إنفاقهما العسكري بنحو 588 مليون دولار أمريكي للأولى، و555 مليون دولار للثانية[4]، فيما أوقفت تايلاند إكمال صفقة شراء غواصات صينية الصنع، وحجبت الهند 15-20 % من الأموال المخصصة لوزارة الدفاع في الربع الثاني (أبريل- يونيو) من عام 2020. وأعلن وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ إلغاء 9300 وظيفة في مجال الهندسة العسكرية[5].

ومن جهة أخرى طالب العديد من الخبراء الأمريكيين بالحفاظ على مستويات الإنفاق العسكري الأميركي المحلي بحجة أن صناعة الأسلحة تتكامل مع القطاعات الاقتصادية الحيوية الأخرى حيث تأتي المدخلات المستخدمة فيه من الصناعات التحويلية الأخرى مثل الصلب والإلكترونيات والمواد الكيميائية وهو ما يساهم في تحفيز الاقتصاد الوطني في مواجهة الانكماش حيث تنعكس زيادة الإنفاق العسكري إيجابا على كافة الأنشطة الاقتصادية بداية من العقارات إلى مبيعات السيارات والطائرات المدنية والسفن، فصناعة الأسلحة في أميركا تجري عادة عبر استخدام المنتجات الأمريكية والعاملين الأمريكيين والبنية التحتية الأمريكية. كما يوفر البحث في تقنيات القتال والتكنولوجيا تمويلًا كبيرًا للجامعات من طرف الجيش الأميركي الذي يعتني بالبحوث في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والفضاءين السيبراني والجوي، وأجهزة الاستشعار الدقيقة وأنظمة التوجيه المتطورة. وعزز المطالبين بعدم تخفيض الإنفاق العسكري مطالبهم خلف التشديد على تخوفهم من استخدام الدول المنافسة مثل الصين لأزمة كورونا في تعزيز نفوذها في الشؤون العالمية.

فيما طالب خبراء أوروبيون في دراسة أصدرها المعهد الهولندي للعلاقات الدولية باستخدام أزمة كورونا لتعزيز دور القوات المسلحة من أجل ضمان قدرتها على تقديم مساعدة مماثلة في مواجهة الأوبئة والكوارث الإنسانية الأخرى المستقبلية، ولتعزيز القدرات العسكرية حتى تتمكن أوروبا من تحمل المزيد من المسؤولية عن أمنها فظل تنامي احتمال تصاعد انعدام الأمن في إفريقيا والشرق الأوسط في أعقاب أزمة كورونا[6].

وجدير بالذكر أن التخفيضات في الإنفاق العسكري الناتجة عن أزمات مفاجئة عادة ما تظهر آثاره بعد عدة سنوات. ففي أثناء الأزمة المالية العالمية التي حدثت في عامي 2007- 2008، لم ينكمش الناتج المحلي الإجمالي العالمي سوى عام 2009، ولم تنخفض النفقات العسكرية سوى في عامي 2012 و 2013 قبل أن ترتفع مجددا في عام 2016 عقب زيادة دول الخليج لعربي لإنفاقها العسكري مع زيادة إيراداتها عقب تجاوز أسعار النفط لعتبة 100 دولار للبرميل وانخراط السعودية في حرب اليمن فضلا عن زيادة الإنفاق العسكري الصيني والهندي والروسي مع تصاعد التوترات الدولية والإقليمية[7].

ما المقصود بالإنفاق العسكري؟

يوجد جدل بين المختصين حول أساليب حساب الإنفاق العسكري، مما يؤدي إلى اختلاف تقييم حجم الإنفاق من جهة إلى أخرى. فرغم أن الأمين العام للأمم المتحدة يدعو جميع الدول الأعضاء بالجمعية كل عام للتبليغ بحلول 30 إبريل عن نفقاتها العسكرية في آخر سنة مالية تتوافر عنها بيانات من أجل تضمينها في تقرير الأمم المتحدة السنوي بشان الإنفاق العسكري، والذي يشرف عليه مكتب الأمم المتحدة لنزع السلاح (UNODA)[8]. إلا أن العديد من الدول لا تقدم تلك البيانات حيث تعتبرها من قضايا الأمن القومي. ومن ثم لا يتاح سوى الاعتماد على تقديرات الإنفاق العسكري التي تصدرها المراكز البحثية المتخصصة مثل تقارير التوازن العسكري السنوية الصادرة عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، والكتاب السنوي الخاص بالسلاح ونزع السلاح والأمن الدولي الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري SIPRI). ولإعطاء صورة تقريبية عن مفهوم الإنفاق العسكري نتناول التعريف المعتمد للإنفاق العسكري لدى معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، والذي ينص على أن الإنفاق العسكري يشمل التالي:

– مخصصات ومدفوعات أفراد القوات المسلحة.

– مخصصات المدنيين الذين يعملون في مؤسسات عسكرية.

– نفقات العمليات العسكرية والصيانة.

– نفقات شراء السلاح والمعدات العسكرية والذخائر.

– نفقات أعمال البحث والتطوير.

– نفقات الإنشاءات العسكرية أو تلك التي تخدم الأغراض العسكرية.

– معاشات التقاعد والضمان الاجتماعي لأفراد القوات المسلحة المتقاعدين.

– المعونات العسكرية.

– الدفاع المدني.

– نفقات القوات شبه العسكرية المدربة لتنفيذ عمليات عسكرية.

– الأوجه العسكرية للأنشطة المشتركة بين القطاعين العسكري والمدني مثل بحوث وعمليات الفضاء، والبحوث والتجارب الطبية التي لها استخدامات عسكرية، والصناعات التي تخدم كلا القطاعين..)[9].

تداعيات كورونا على الإنفاق العسكري وشركات الأسلحة الأمريكية

جاءت أزمة كورونا في ظل مساعي واشنطن لضبط إنفاقها، ومن الملفت أن خفض الموازنة العامة قبل ظهور كورونا طال وزارة الخارجية التي انخفض المبلغ المخصص لها في موازنة عام 2021 إلى 40.8 مليار دولار أي أقل من ميزانية 2020 بمقدار11.7 مليار دولار أي أقل بنسبة 22 %. وسبق في مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية في عامي 2007 و2008 أن سنت أمريكا قانون مراقبة الميزانية لعام 2011، والذي دُشن كجزء من استجابة الكونجرس للعجز المتضخم الناتج عن الركود الاقتصادي، وبموجبه بلغ إجمالي التخفيضات في نفقات وزارة الدفاع الأمريكية قرابة 500 مليار دولار على مدى عشر سنوات، وفي ضوء ذلك كان من المتوقع أن يستمر تخفيض ميزانية وزارة الدفاع كحصة من الناتج المحلي الإجمالي من 3.2% في عام 2019 إلى 2.8% في عام2030[10]. وبلغ الإنفاق العسكري الأميركي 732 مليار دولار بحلول عام 2020. فيما من المفترض أن يبلغ في عام 2021 مبلغ 716.2 مليار دولار بانخفاض بنسبة 2.2%[11]. وتتضمن الموازنة الجديدة لعام 2021:

9 مليار دولار ميزانية المشتريات، أي أقل بمقدار 6.2 مليار دولار عن موازنة العام السابق.

6 مليار دولار للبحث والتطوير والاختبار والتقييم، أي أكثر من العام السابق بمقدار 2.3 مليار دولار.

105 مليار دولار لإدارة شؤون المحاربين القدامى، بزيادة قدرها 14% عن المبلغ المقرر لعام 2020.

3 مليار دولار للدفاع الصاروخي[12].

تلك الأرقام المخصصة لموازنة عام 2021 أعلنت قبل تعرض الاقتصاد الأميركي الذي بلغ حجمه الإجمالي 21.4 تريليون دولار إلى ضربة اقتصادية قوية في ظل أزمة كورونا وسط تقديرات بأن يصل إجمالي الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الوباء إلى 19 تريليون دولار موزعة على مدى 10 سنوات[13].

في ظل تلك الأجواء ازدادت احتمالية ارتفاع تكاليف شراء وصيانة الأسلحة في ظل السعي لتوطين العديد من صناعات المواد الداخلة في صناعات الأسلحة بأمريكا بدلا من صناعتها حاليا في الصين بتكاليف منخفضة. ومن ثم ظهرت أصوات تطالب بتخفيض الإنفاق العسكري بحجج مثل أن (من الأفضل إنفاق بعض الأموال التي تُنفق على الجيش الأمريكي على أشياء مفيدة أكثر لأميركا، حيث يمكن لبضعة ملايين من أقنعة N-95 الإضافية أن تحمي عددًا أكبر من الأمريكيين أكثر من تطوير عدد قليل من دبابات إبرامز، ويمكن للأموال المخصصة لشراء طائرة مقاتلة واحدة من طراز F-35 أن تنقذ المزيد من الأرواح في حال استخدامها لشراء بضعة آلاف من أجهزة التنفس، فتكلفة الطائرة الواحدة يمكنها شراء 2800 جهاز تنفس على الأقل.. ووردت تلك الأمثلة في ظل تضمن الموازنة العسكرية المطلوبة لعام 2021 طلبات بمبلغ 11.4 مليار دولار لشراء 79 طائرة مقاتلة من طراز F-35، ومليار دولار لتحديث 89 دبابة M-1 Abrams)[14].

 وعلى جانب آخر ظهرت أصوات تطالب بتحديد أولويات الإنفاق لتجنب الإضرار بتفوق أميركا التقني والعسكري في حال إجراء تخفيضات غير مدروسة جيدا. وذلك باعتبار أن التفوق العسكري الأمريكي يمثل العمود الفقري لنفوذها العالمي[15]. وهو ما يتسق مع توصيات لجنة استراتيجية الدفاع الوطني (NDS) المشكلة من مجموعة من خبراء الأمن القومي من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، والتي أوصت في عام 2018 بأن “يزيد الكونجرس موازنة الدفاع الأساسية بمعدل يتراوح بين 3 إلى 5% زيادة عن معدل التضخم في السنوات التالية لتجنب تآكل التفوق العسكري الأمريكي[16].

 وواجهت الأصوات المشجعة على تخفيض الإنفاق العسكري اعتراضات موضوعية وأخرى سياسية. فمن حيث الموضوع جادل مؤيدو زيادة الإنفاق العسكري الأميركي بأنه نسبته من إجمالي الناتج المحلي تقترب من أدنى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية، وبأنه يساهم في تحفيز مجمل النشاط الاقتصادي محتجين بأن خفضه يخاطر بجعل التفوق العسكري الأمريكي ضحية أخرى لفيروس كورونا[17]. أما من حيث الجانب السياسي الداخلي فشركات الأسلحة الكبرى توفر آلاف الوظائف في الولايات الأمريكية، مما يجعل هؤلاء الموظفين يمثلون كتل تصويتية كبيرة مؤثرة على قرارات أعضاء الكونجرس الذين يخشون من الإطاحة بهم في حال إقرارهم لتخفيضات كبيرة في الإنفاق العسكري تؤدي إلى فقدان الكثير من الوظائف في دوائرهم الانتخابية[18].

التنافس الأميركي مع الصين له دور في صياغة مقترحات الخبراء الأمريكيين بخصوص إدارة أولويات الإنفاق العسكري الأميركي في ظل زيادة الصين في عام 2019 لإنفاقها العسكري بنسبة 6.6% مما يعزز من قدرة الصين على فرض مطالبها الإقليمية في بحر الصين الجنوبي وزيادة وجودها العسكري في غرب المحيط الهادئ والمحيط الهندي[19]. فيقول المحلل العسكري في معهد أمريكان إنتربرايز ماكنزي إيجلن (إذا كانت هناك قيود على الميزانية، وظلت المنافسة طويلة الأمد مع بكين هي الأولوية القصوى، فحينئذٍ ينبغي إعطاء الأولوية لجهود ردع الصين من خلال تعزيز توازن القوى في آسيا مع ضمان اقتصاد القوة في مناطق أخرى. ونظرًا لأن شرق آسيا هو مسرح بحري، فمن المفترض أن يتحول تركيز البنتاغون إلى القدرات الجوية والبحرية والصواريخ بعيدة المدى مع قبول المخاطر على المدى القريب عبر خفض حجم القوات البرية وجاهزيتها)[20]. وفي نفس السياق اقترحت دراسة لمعهد بروكنجز إجراء تعديلات محسوبة على عدد عناصر الجيش الأميركي الذي يضم 2.1 مليون من الأفراد النظاميين يشملون 1.3 مليون في الخدمة، و 800,000 عنصر احتياطي (بما في ذلك الحرس الوطني  وأفراد الاحتياط). وذلك عبر زيادة عدد عناصر الحرس الوطني والاحتياط من 800,000 إلى مليون فرد، مع إجراء تخفيضات في عدد العاملين في قوات الخدمة الفعلية، وهو ما قد يوفر30 مليار دولار سنويا[21].

الشركات الأمريكية: التحديات والدعم الحكومي

واجهت العديد من شركات صناعة الأسلحة الأمريكية تحديات بخصوص الالتزام بمواعيد تسليم منتجاتها في المواعيد المقررة وتباطؤ مستويات العمل في ظل تدابير التباعد الاجتماعي، وتباطؤ مستويات العمل، وتعطل سلاسل التوريد فضلا عن تحمل أعباء مالية إضافية لتوفير أدوات الحماية الشخصية والتنظيف والتعقيم، مما أدى إلى إغلاق بعض منشآت التصنيع العسكري بشكل مؤقت. وقد أشارت وكيلة وزارة الدفاع لشؤون المشتريات والاستدامة إلين لورد، في شهادتها أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب في جلسة استماع في يونيو2020 إلى أنه من بين 10,509 شركة تابعتها وكالة إدارة عقود الدفاع، أغلقت شركتان فقط بشكل دائم، في حين أغلقت 267 شركة بشكل مؤقت وأعيد فتحها مجددا. بينما من بين 11,413 شركة تابعتها وكالة الدفاع اللوجستية، أغلقت 31 شركة بشكل دائم في حين أغلقت 661 شركة بشكل مؤقت وأعيد فتحها.[22] وتلك الأرقام تشير إلى تمكن شركات صناعة الأسلحة الأمريكية من امتصاص الأثار الآنية لانتشار كورونا. ويعود ذلك إلى عدة إجراءات قام بها البنتاجون دعما لتلك الشركات. ففي ظل قرار حكومات الولايات بإغلاق جميع الشركات غير الأساسية لإبطاء انتشار الفيروس، واجه البنتاغون احتمال عدم السماح لصانعي الأسلحة وغيرهم من العاملين في سلسلة التوريد العسكرية بالذهاب إلى العمل كما جرى رصد تسجيل مخالفات لبعض من حاولوا الحضور إلى مصانعهم. وتركزت الخطورة على شركات التوريد الصغرى التي سرعان ما تغلق أبوابها لمدة أسبوعين مع إصابة أحد موظفيها بالفيروس مما يؤثر على إنتاجيتها وقدراتها المالية المحدودة.

 كما واجهت بعض الشركات الكبيرة تحديات دفعتها لإغلاق بعض مصانعها حيث أغلقت شركة بوينج مصانعها في ولاية واشنطن التي تصنع طائرات النقل (KC-46)، وطائرات المراقبة البحرية (P-8)، كما توقفت بشكل مؤقت بعض خطوط الإنتاج الرئيسة في شركتي (BAE) للأنظمة ولوكهيد مارتن، لكن سرعان ما عادت للعمل في شهر مايو 2020[23]. وكشف رئيس المكتب التنفيذي لبرنامج الطيران بالجيش بأن الجدول الزمني لتسليم المحرك المستقبلي للطائرات طراز أباتشي (AH-64E) وبلاك هوك (UH-60) سيتأخر قليلا في ظل تأجيل مرحلة مراجعة تصميم المحرك من الربع الثاني للسنة المالية الحالية إلى الربع الثالث نظرا لوجود عراقيل في سلسلة التوريد تؤخر إنتاج بعض مكونات المحرك بسبب كورونا[24]. كما كشف جيمس جورتس مساعد وزير البحرية للبحث والتطوير والتسليح بأنه لفترة قصيرة انخفض حضور العمال إلى 50% من قوة العمل في أحواض بناء السفن كما عانت 250 شركة من بين 10,000 شركة يتعامل معها مكتبه من الإغلاق المؤقت[25]. في حين صرح جيمس سميث المدير التنفيذي لقيادة العمليات الخاصة في 13 مايو بأن برامج الأسلحة المرتبطة بالقوات الخاصة ستتأخر بضعة أسابيع[26].

وفي 17 يونيو 2020 قامت الجمعية الصناعية للدفاع الوطني(NDIA) وهي جمعية تهتم بالصناعات العسكرية الأمريكية بنشر استبيان شمل 770 شركة صغيرة تعمل في الصناعات العسكرية بناء على طلب من مكتب المشتريات والاستدامة التابع لوزارة الدفاع، كشف أن 60% من المستطلعين تعرضوا لمشاكل في التدفق النقدي، ودفع أجور الموظفين، وتلبية متطلبات الفواتير مثل الإيجار، والقدرة على شراء الإمدادات والمواد الخام. وتبين أن الشركات التي تضم أقل من 50 موظفًا تعرضت لاضطراب في تدفقها النقدي بمعدل 63.45% مقارنة بـ 38% في الشركات التي تضم أكثر من 500 موظف. كما توقعت العديد من الشركات أن تفقد موظفين مهرة تقنيًا لصالح شركات تجارية تتيح لهم فرص عمل جذابة من المنزل، لا سيما في مجالات تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات[27]. وفي ضوء تلك المستجدات برزت تحذيرات بأن الأضرار التي لحقت بقطاع الطيران التجاري والصناعات غير العسكرية الأخرى بسبب فيروس كورونا الجديد قد تؤثر على قطاع الصناعات العسكرية في ظل التداخل العميق بين سلاسل التوريد التي تدعم أنشطة الصناعات المدنية والعسكرية.

وفي مواجهة ذلك أقر مجلس النواب الأميركي قانون في 27 مارس 2020 باسم قانون المساعدة والإغاثة والتعافي الاقتصادي لفيروس كورونا يختص بإنفاق 2.2 تريليون دولار لتحفيز الاقتصاد ومساعدة المتضررين من كورونا. وشملت الحزمة 500 مليار دولار للصناعات المتضررة و290 مليار دولار لتمويل مدفوعات لملايين الأسر فضلا عن 350 مليار دولار كقروض للشركات الصغيرة و250 مليار دولار للتوسع في إعانة البطالة و100 مليار دولار للمستشفيات والأنظمة الصحية ذات الصلة[28]. كما تم تخصيص 10 مليارات دولار لوزارة الدفاع. كما أعاد ترامب في 27 مارس 2020 تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي، وهو قانون صدر في عام 1950 أثناء الحرب الكورية يتيح للحكومة الأمريكية التحكم في الإنتاج الصناعي بما يساعد على تسريع وتوسيع إمدادات الموارد من القاعدة الصناعية الأمريكية اللازمة للدفاع الوطني مثل برامج الجيش والطاقة والفضاء والأمن الداخلي، وبموجب هذا القانون تعاقدت وزارة الدفاع مع العديد من الشركات الصناعية حسب البيانات المنشورة على موقع الوزارة وفق المبلغ المخصص لذلك والمقدر ب 2.9 مليار دولار، ومن بين تلك التعاقدات:

عقد في 11 إبريل بقيمة 133 مليون دولار لزيادة الطاقة الإنتاجية المحلية لأقنعة N95 إلى أكثر من 39 مليونًا قطعة خلال التسعين يومًا التالية. وهو أول عقد تجريه الوزارة بموجب قانون الإنتاج الدفاعي الثالث.

عقد في يونيو بقيمة 56 مليون دولار مع شركة (ArcelorMittal) لزيادة إنتاج الألواح الفولاذية المسبوكة الداخلة في صناعة السفن.

عقد في يوليو بقيمة 22 مليون دولار مع شركة رولز رويس لبناء محركات لصالح برامج بناء السفن لحساب سلاح البحرية.

عقد في يوليو بقيمة 13.4 مليون دولار مع شركة (DPA) لتوفير الدعم الهندسي للمساعدة في دمج قدرات المنظومات الخاصة بالطائرات بدون طيار في برامج وزارة الدفاع.

عقد في سبتمبر بقيمة 1.9 مليون دولار مع شركة (فيشن كونترول) لتحسين أجهزة الاستشعار البصرية في مجال الطيران.

كما أعلنت الحكومة الفيدرالية الأمريكية أن القاعدة الصناعية الدفاعية تمثل قطاعا حيويا، وهو ما يستثني العاملين بها من قرارات حظر التجوال، وكذلك عمل البنتاجون على تسريع وتيرة مدفوعاته لشركات الأسلحة مقابل أعمالها الجارية بغرض تعزيز السيولة في القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية وتسريع نشاطها. فرفع معدلات السداد المرحلي للعقود من 80% من التكلفة إلى 90% للشركات الكبيرة، ومن 90% إلى 95% للشركات الصغيرة. كما سرع معدل المدفوعات المقدمة للمقاولين الرئيسيين، ووجههم لتسريع مدفوعاتهم إلى المقاولين من الباطن. كما أنشأ البنتاجون فرق عمل لمراقبة المشاكل التي تواجه شركات الأسلحة ولتلبية الاحتياجات في سلاسل التوريد، حيث أشار مساعد سكرتير الجيش للمقتنيات واللوجستيات والتكنولوجيا “بروس جيت” إلى أن فريق العمل في مكتبه يراقب جميع البرامج الخاصة بتسلم الأسلحة، والتي يزيد عددها عن 800 برنامج، ويتلقى قائمة طويلة كل يوم لتوثيق المشكلات المحتملة. وجدير بالذكر أن عقود البنتاغون مع شركات الأسلحة تتضمن بنودا تبرر التأخير في تسليم المنتجات وزيادة التكلفة إذا كان الإخفاق في الالتزام خارج نطاق السيطرة وبدون خطأ أو إهمال من المقاول. حيث يحق للمقاول المطالبة بتعديل عادل لجدول العقد، وكذلك لسعر العقد.[29]

وفي مواجهة احتمال تأثر إنتاج طائرة (إف 35) بانتشار كورونا، أعلنت شركة لوكهيد مارتن المصنعة للطائرة عن جدول عمل بديل لموظفي خط إنتاج الطائرة، وأضافت أن هذا سيقلص الإنتاج لمدة ثلاثة أشهر فقط، وسيؤثر على تصنيع عدد يتراوح من 18 إلى 24 طائرة[30]، كما أعلنت الشركة في منتصف مايو أنها ضمن مساعيها لتعزيز سلسلة التوريد الخاصة بها قامت بتسريع دفع 300 مليون دولار للشركات الصغيرة التي تعمل معها، علاوة على 450 مليون دولار دفعتها في السابق. كما أعلنت الشركة أنها وظفت خلال الجائحة أكثر من 3,400 موظفا جديدا وستضم 12,000 موظفًا جديدًا بحلول نهاية العام[31].

ومن جهته قال كلارك كوبر مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الخارجية، إن تجارة الدفاع لم تتأثر بشكل كبير بعد كورونا قائلا في مايو 2020 أنه (حتى الآن، لم يسع أي من شركائنا في التعاون الأمني