القدس/المنـار/ المؤكد ولا جدال في ذلك أن حركتي حماس وفتح تستخفان بوعي الشارع الفلسطيني.. فلا يعقل أن يستمر الانقسام في الساحة الفلسطينية لأكثر من ثلاثة عشر عاما، دون أن تنجز وتتحقق المصالحة،في وقت تتعرض فيه القضية الفلسطينية لخطر التصفية، وتتسارع عملية نهب الاراضي واستيطانها.
الوقائع ووالممارسات والمواقف تؤكد على أن الحركتين معنيتان ببقاء الانقسام ومستفيدتان من هذا الوضع الذي تتعمق وتتجذر فيه هذه الحالة من التردي والانهيار، ويبدو أن حلم كل حركة منهما أن تتمسك بدفة السيطرة والحكم، احداها في رام الله والثانية في غزة، وهكذا تبقيان في منأى عن السقوط والاقصاء.
القضية الفلسطينية في دائرة التصفية، والحركتان تتبادلان الاتهام، أسلول اعتادتا عليه ما دام ببعدهما عن المصالحة الفلسطينية، ومن فترة الى اخرى ترتفع أصوات الحرص الكاذب، بالاتفاق على اجراء لقاءات وحوارات، ليس على تراب الوطن، وانما في هذه العاصمة وتلك، ويرتفع مقياس الامل في الشارع ثم سرعان ما يتبدد، لتعود من جديد اسطوانة الاتهام تشغيلا تغذيها الاتهامات.
ومن الادلة على عدم رغبتهما في تحقيق المصالحة، هو لجوء الحركتين في حواراتهما ولقاءاتهما الى عواصم، هي الاخرى ليس في صالح سياساتها وارتباطاتها أن ينتهي الانقسام، فهذه العواصم تنفذ أدوارا ومخططات أمريكية، وما يجري هو مجرد ادارة هذا الانقسام لا أكثر في وقت تتآكل فيه الثوابت ويتواصل الانهيار والانحدار وتشتد قبضة المتنفذين في الحركتين، انها ملهاة مؤلمة ومحزنة، شعراات كثيرة رنانة ترتفع كذبا وهراء، من توافق ووحدة واجراء انتخابات ورفع مظالم وتبييض معتقلات، وتمضي اياما يرتفع فيها سقف الامنيات والتمنيات، ثم تخبو "اللعبة" والحركتان لا تتمتعان بالصدقية، وتخشيان الصراحة والجرأة ، وكل منهما ترى في مناطق نفوذها مزرعة احنكار تعج بالتقصير والاهمال والمظالم وسوء الاداء، ونهب المال، وتعميق التجاوزات وهي نقاط ضعف تصب في صالح القوى المعادية.. والرد على ما يجري من تآمر على هذا الشعب لا يتعدى تصريحات اعتدنا على سماعها تبدأ بـ "يجب وعلى" وباتت تصدع الرؤوس وتبعث على التقيؤ، فالأرض امتلأت اعمالا استيطانية، وأبواب التطبيع العربي مع اسرائيل مكتظة والقيادات "لا شغلة أو عملة لها" الا الاسترخاء على شاشات التلفزة، تخرج من استديوهاتها منفوخة متباهية، تسأل المقربين منها.. "هل أبدعت" فتسمع عبارات المدح الكاذب والتزلف الرخيص.
حركتان، تتمتعان بهذه "البهلوانية" لن تحقق مصالحة، فالمصالحة، لن تتحقق الا اذا انتفضت جماهير هذا الشعب لتعاقب وتحاسب، وبالتالي انها مسؤولية الشعب، الذي تستخف بعقله ووعيه هاتان الحركتان.
ملف المصالحة، تنقل بين الدوحة والقاهرة واسطنبول والرياض وهي عواصم تعمل ضد المصالحة، والحركتان تدركان ذلك، وارتمت كلتاهما في الحضن نفسه، حضن سيء متآمر، وهذه العواصم هي الممسكة بالحركتين، وتتلاقى على ضرورة تعميق الانقسام لا انهائه، تتصرف وفق اجندات امريكية اسرائيلية مرسومة، فالصفات الجاري تنفيذها على الارض تستغل هذا الانقسام ولا تريد انهاءه، وبالتالي، هذا التنقل بملف المصالحة ذر للرماد في العيون.
مؤخرا، التقت الحركتان في الدوحة واسطنبول، وتتوسلان القاهرة لعقد الحوارات الثنائية في مصر، وتوقف تحركهما عند هذه المحطة، توقف كشف زيف الحرص، وكذب الاداعات حتى وان افترضنا جدلا "الرغبة الفجائية" لهما بانهاء الانقسام، فان الحوارات توقفت الان عند محطة تبادل الاتهامات، والعرقلة "ووضع الارجل" داخل كل حركة، في مركزية فتح خلافات، هذا يتهم ذلك وآخر يضع رجلا في طريق آخر لافشاله، وهذا اسلوب متبع في الحركة منذ قديم الزمان، حيث تتغلب المنافع الذاتية والمصالح الشخصية على المصلحة العامة. وفي حركة حماس الأسلوب نفسه هو المتبع.. قسم من القيادات معني والاخر يعرقل، مع أن القسمين في النهاية ليسا مع المصالحة، ولكن انها "الغيرة المواقعية" بفعل "لعبة وضع الأرجل" والعراقيل.
ما نراه اليوم من الاعيب، وبهلوانيات وتدفق لسيل التصريحات لا يبشر بالخير.. فلا مصلحة ولا انتخابات.. فاليد الممسكة بالحركتين لا تريد مصالحة في الساحة الفلسطينية، بل اضعافا للقيادات وتسييرا لها، الى أن تلقى بها، على طاولة التفاوض والتوقيع على حلول عرجاء، باتت جاهزة، بل العديد من بنودها تم تطبيقه.. ما قامت به الحركتان في الفترة الاخيرة مجرد اشغال والهاء، وتخدير لشارع كفر بهما، والحركتان لو انهما معنيتان بالمصالحة وانهاء الانقسام لما تنقلتا بهذا الملف بين العواصم، فالساحة نفسها أفضل مكان لانجازها، حوارات ولقاءات الحركتين لا تتعدى كونها "هبات" سرعان ما تخمد وتتلاشى..
كان الله في عون هذا الشعب!!!