ما كان لخطوة التطبيع الإماراتي البحريني مع الكيان الصهيوني أن تأخذ هذا المنحى من الإثارة والضجيج لو جرت بهدوء كممارسة سيادية لدولة من حقها اقامة علاقات دبلوماسية مع من تشاء من الدول، ودون تحميلها كل ما رافقها من تهويل ومبالغات أظهرتها وكأنها خطوة ستغير وجه المنطقة بل وتاريخ البشرية وهي في حقيقة الأمر أبعد ما يكون عن ذلك.
كان من الممكن للإمارات والبحرين أو أية دولة عربية أن تعلن عن إقامة علاقات دبلوماسية بينها وبين الكيان الصهيوني من خلال بيان رسمي تصدره وزارة الخارجية أو أية جهة أخرى دون الإساءة للفلسطينيين وتاريخهم وحقوقهم ودون تمجيد دولة الاحتلال وتاريخها بل والاستعانة بآيات قرآنية لشرعنة وجودها في المنطقة وتبرير السلام معها. صحيح أنه في جميع الحالات سيجد التطبيع رفضاً وإدانة من الفلسطينيين وغيرهم ممن لهم موقف مبدأي ضد الكيان الصهيوني والتطبيع معه ولكنها لن تكون ردود فعل بنفس الدرجة والقوة، وفي اعتقادي أن جزءاً كبيراً من الغصب على ما جرى سببه التخريج السيئ لإعلان هذه العلاقة، دون التقليل من خطورتها بطبيعة الحال.
ما جرى من حيث الشكل وطريقة الإخراج والبيانات الصادرة من واشنطن وتل أبيب وطريقة تعامل الإعلام الصهيوني مع الموضوع كان استدراجاً من واشنطن وتل أبيب لهاتين الدولتين ليبدو الأمر وكأنه تحوُّل جوهري في المنطقة يتم على يد ترامب ونتنياهو، وليس قراراً سيادياً لهاتين الدولتين يحقق مصالح قومية لهما، بل بدأ الأمر وكأنه امتداد للحملة الانتخابية لترامب ونتنياهو بما يصاحب الحملات الانتخابية عادة من صخب وتهريج وشعارات مُبالغ فيها.
أكثر ما يثير الغضب انجرار الإعلام الإماراتي والبحريني ومن يؤيدهما إلى تبني الخطاب الأمريكي الإسرائيلي حول السلام. فأن يُعلن ترامب ونتياهو أن التطبيع مع العرب سيجلب السلام إلى المنطقة معناه أن العرب هم الذين يعيقون السلام وهم سبب استمرار الحرب والصراع في الشرق الأوسط، وهذه مغالطة خطيرة والتساوق معها يبرئ إسرائيل وامريكا من المسؤولية عن الصراع في المنطقة ويُحمِّل العرب والفلسطينيين المسؤولية، بينما الحقيقة أن العرب توقفوا عن الحرب منذ 1973 وهي الحرب التي كان عنوانها استعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عدوان حزيران 1967 ورفض الكيان الصهيوني تنفيذ القرار الأممي 242 الذي يطالبه بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، كما وقعوا أكثر من اتفاقية سلام – مع مصر والأردن ومنظمة التحرير-، وكل الحروب والتوترات العسكرية في العقود الثلاثة الأخيرة يقوم بها الكيان الصهيوني سواء ضد دول عربية كلبنان وسوريا وقبلها قصف مواقع في العراق والسودان واغتيال فلسطينيين ومناصرين للشعب الفلسطيني في الإمارات وسوريا وماليزيا وتونس وعيرها، أو في مواجهة الفلسطينيين من خلال استمرار الاحتلال والاستيطان ومواصلة الحرب في غزة والضفة حيث التزمت السلطة والرئيس أبو مازن بالحل السلمي وندد بالعنف والإرهاب بل وعمل تنسيقاً أمنياً مع إسرائيل حول هذا الموضوع، كما أن حركة حماس وقَّعت أكثر من اتفاقية هدنة مع إسرائيل خرقتها هذه الأخيرة.
والغريب في الأمر أن تتحدث الإمارات عن السلام في المنطقة وتتغنى به وتند بالحرب والعدوان بينما هي ودول خليجية أخرى من ممولي فوضى الربيع العربي وجماعاته المتصارعة وبعضها إرهابية كما أنهم طرف رئيس في اليمن حيث تحدث جرائم حرب، فهل حربهم في اليمن ودعمهم لجماعات مقاتلة في بلدان أخرى يصب في مصلحة السلام؟ وهل قتال جماعات المعارضة ضد بعضها البعض أو ضد الأنظمة العربية القائمة وما تتلقاه من دعم عسكري ومالي وسياسي من عديد دول العالم يخدم السلام العالمي؟ بينما إذا ما قاتل الفلسطينيون من أجل الحرية والاستقلال يصبح قتالهم منافي للسلام؟!!!!!
Ibrahemibrach1@gmail.com