2024-11-24 02:11 م

بعد 27 عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو

2020-09-16
بقلم: ابراهيم ابراش
مقدمة بعد مرور سبعة وعشرين عاماً على توقيع اتفاق أوسلو والمعروف رسمياً باسم "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي يوم 13 من سبتمبر 1993فإن حالة من الغموض واللُبس تكتنف الحالة السياسية الفلسطينية الرسمية، سواء من حيث التحولات التي طرأت على النظام السياسي ومكوناته ووظائفه، أو من حيث طبيعة العلاقة التي تربط الفلسطينيين بالإسرائيليين، خصوصاً بعد وصول المفاوضات الرسمية لطريق مسدود وانتقال راعي التسوية –الولايات المتحدة الامريكية- من دور الوسيط إلى الشريك للإسرائيليين وانقلابه على حل الدولتين من خلال طرح الرئيس ترامب صفقة القرن، ثم إعلان القيادة الفلسطينية بأنها في حل من الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل. الواقع الفلسطيني الراهن والذي وصل إلى طريق مسدود إن لم يكن الفشل سواء بالنسبة لمشروع السلام الفلسطيني أو مشروع المقاومة، يرجع في جزء كبير منه لاتفاقات أوسلو التي استطاع الكيان الصهيوني توظفيها لفرض وقائع على الأرض لا تتطابق مع نصوصها. إشكالية البحث تدور حول التساؤلات التالية: هل ما زالت العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين محكومة بهذه الاتفاقيات، أم أن الكيان الصهيوني فرض واقعاً على الأرض يتجاوز كل الاتفاقات الموقعة؟ وأين الخلل في تسوية أوسلو؟ وما هي البدائل المتاحة أمام الفلسطينيين للخروج من تبعات أوسلو؟ وسبب التردد الرسمي الفلسطيني في اتخاذ خطوات عملية جريئة إما باتجاه الانتقال فعلياً نحو الدولة ووضع حد لاتفاقية أوسلو وملحقاتها وما أفرزت من وقائع ميدانية، أو العودة لمرحلة التحرر الوطني بجعل العلاقة التي تربط الفلسطينيين بإسرائيل علاقة شعب خاضع للاحتلال بدولة احتلال؟. مقاربة التساؤلات أعلاه تتطلب بداية قراءة موضوعية للاتفاقات الموقعة مع إسرائيل من حيث معرفة ملابسات توقيع اتفاقات التسوية وحقيقة الموقف الإسرائيلي من وراء دخول عملية التسوية، وهل أن السلوك الإسرائيلي الحالي يُعتبر خرقاً لنصوص الاتفاقية ومتعارضاً مع منطلقات التسوية؟ أم أنه سلوك منسجم مع الرؤية الإسرائيلية الأولى للتسوية ومع قراءة إسرائيلية لنصوص الاتفاقات الموقعة وهي نصوص على درجة من الغموض مما أتاح للكيان الصهيوني تفسيرها بما يحلو لها؟ أيضا أين أخطأ الفلسطينيون سواء في توقيع الاتفاقية أو في كيفية تعاملهم مع التطبيق؟ وهل كان للفلسطينيين – السلطة والمعارضة -دور فيما وصلت إليه الأمور من انغلاق أفق التسوية؟. سنحاول مقاربة هذه الإشكالات من خلال المحاور التالية: المحور الأول: تسوية اتفاقية أوسلو: مراهنات متعارضة المحور الثاني: هل فشلت تسوية أوسلو بالفعل؟ المحور الثالث: الاستراتيجية الوطنية البديلة المحور الأول اتفاقية أوسلو وملحقاتها: مراهنات متعارضة لم يكن الدخول بعملية التسوية تعبيراً عن قناعة حقيقية لمختلف الأطراف بالتوصل للسلام، فما جرى كان مشروعاً لتسوية سياسية وإن كان البعض يأمل أن تؤدي العملية في نهاية المطاف إلى سلام. كان لكل طرف – الفلسطينيون والإسرائيليون – مبرراته وأهدافه الخاصة، وإن كنا نعتقد أن الرغبة الفلسطينية بالسلام وخصوصا لدى الرئيس أبو عمار وحركة فتح كانت حاضرة أكثر مما هي عند الإسرائيليين. ربما كان رئيس وزراء إسرائيل اسحق رابين جادا في التوصل إلى صيغة ما لتسوية النزاع العربي الإسرائيلي إلا أن أغلبية النخب السياسية والمجتمع الإسرائيلي لم يكونوا مهيئين للسلام الحقيقي . أولا: المراهنة الإسرائيلية من وراء توقيع اتفاقية أوسلو ما ألت إليه أمور التسوية التي انطلقت مع اتفاق أوسلو تؤكد أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية لم يكونا جادين في التوصل إلى سلام يقوم على أساس تمكين الفلسطينيين من دولة مستقلة في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، بل كانت لهما منطلقات وأهداف مغايرة وهي: 1- تغيير طبيعة الصراع. ذلك أن نجاح إسرائيل في أن تكون اتفاقات التسوية على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338 فقط معناه تغيير الرواية الفلسطينية وفرض الرواية الصهيونية بأن الصراع بدأ مع حرب 1967 وليس مع حرب 1948، وهذا معناه تكريس شريعة الاحتلال الإسرائيلي لـ 78% من فلسطين. 2- محاولة إغلاق ملف القضية الفلسطينية نهائياً بإضفاء صفة شرعية على الوجود الصهيوني في فلسطين وفي المنطقة العربية، وذلك باستدراج الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات للتوقيع على وثيقة تعترف بحق الصهاينة بالوجود وباعتماد نهج التسوية السياسية الثنائية. 3- المراهنة دخول منظمة التحرير في عملية التسوية سيلزمها بمواقف يصعب التخلي عنها لاحقا، منها: إنهاء الصراع ووقف النشاط الثوري الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني والتخلي عن أي مطالب أو حقوق مستقبلية سواء بالنسبة لسكان الأرض المحتلة أو فلسطينيي الخارج. 4- الكيان الصهيوني ومعه الولايات المتحدة الأمريكية كانا يراهنان بأن الوضع العربي والدولي السائد آنذاك يمثل فرصة سانحة لترتيب الأوضاع في المنطقة بما يخدم أهدافهما وتغيير طبيعة الصراع وإدارته. 5- محاولة إثارة الشقاق داخل الصف الفلسطيني، وتأليب الشعب الفلسطيني وخصوصا خارج الأرض المحتلة على منظمة التحرير. 6- المراهنة بأن التسوية ضمن شروطهما قد تؤدي إلى اندلاع حرب أهلية وانهيار النظام السياسي الفلسطيني سواء كان السلطة المُزمع قيامها أو منظمة التحرير. 7- تكريس إقليمية القضية الفلسطينية من خلال المراهنة بأن الرابطة بين الفلسطينيين ومحيطهم العربي والإسلامي ستتزعزع ولن يصبح لها محل إذا رأى العرب والمسلمون أن أصحاب القضية أنفسهم انعزلوا بقضيتهم عن الأمة العربية والإسلامية وقبلوا بالشروط الصهيونية الأمريكية واقفلوا ملف قضيتهم، في هذه الحالة ستصبح أي مطالب عربية مستقبلية، رسمية أو جماهيرية، بتحرير فلسطين، وكأنها تدَخُل في شؤون الغير. 8- تعزيز مقولة حياد الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع العربي –الصهيوني، وتحسين صورتها لدى المواطن وإضفاء صفة الحياد على سياستها وإظهارها بأنها أوفت بوعودها إبان حرب الخليج بفرض الشرعية الدولية على الكيان الصهيوني كما فرضتها على العراق !. 9- تطبيع العلاقات مع الدول العربية، اعتقادا منهم أن تسوية الخلاف مع الفلسطينيين أو مجرد الدخول في عملية سياسية معهم سيكسر المقاطعة العربية والإسلامية لإسرائيل، وهو ما جرى بالفعل. ثانيا: المراهنة الفلسطينية في تقييمنا للموقف الرسمي الفلسطيني من عملية التسوية وللاتفاقات الموقعة مع إسرائيل يجب التفريق بين مرحلتين أو نوعين من التقييم، الأول تقييم موقف منظمة التحرير من الدخول بعملية التسوية، وما إن كان الدخول بعملية التسوية والتوقيع على الاتفاقات الموقعة أمراً صائباً أم لا؟ والتقييم الثاني لآلية إدارة المفاوضات قُبَيل التوقيع على الاتفاقية، والممارسة الفلسطينية مع الاتفاقات الموقعة وكيفية تصرُف السلطة والمعارضة بعد التوقيع على الاتفاقات. 1-بالنسبة لملابسات التوقيع على اتفاقات التسوية كما سبق الذكر لم يكن ولوج منظمة التحرير لعملية التسوية خياراً مريحاً أو تتويجا لانتصارات حاسمة، دون تجاهل دور الانتفاضة 1978 في استنهاض الحالة الوطنية ولفت أنظار العالم إلى ما يجري في فلسطين، بل كان ممراً إجبارياً أو محاولة لوقف الانهيار والتراجع الذي أصاب القضية الفلسطينية بسبب الاختلال في النظامين العربي والدولي مما أثر سلبا على القضية الفلسطينية. المشروع الوطني كما تمت صياغته في الميثاق الوطني وفي أدبيات فصائل منظمة التحرير كان متأثرا ومعبرا عن طبيعة مرحلة الستينيات، من حيث وجود حالة وطنية صاعدة ومد قومي ثوري عربي ووجود معسكر اشتراكي ومنظومة دول عدم الانحياز. عليه كان المشروع الوطني الأول سواء من حيث الهدف – تحرير كل فلسطين – أو وسيلة تحقيقه – الكفاح المسلح – محصلة مشاريع في مشروع واحد: المشروع الوطني، المشروع القومي العربي، المشروع التحرري العالمي، وكانت مراهنة الفلسطينيين على الحلفاء أكثر من مراهنتهم على أنفسهم. ما بين تأسيس المشروع الوطني مع منظمة التحرير وتوقيع اتفاقات التسوية مع إسرائيل حدثت انهيارات زعزعت مرتكزات ومكونات المشروع الوطني من أهمها: - 1- تفكك البعد القومي العربي بداية مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل 1979، حرب الخليج الثانية بحيث لم تعد القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى بالنسبة للأنظمة العربية على أقل تقدير. 2- انهيار المعسكر الاشتراكي – الحليف الاستراتيجي للثورة الفلسطينية – ومعه تراجعت منظومة دول عدم الانحياز. 3- انزلاق الثورة الفلسطينية كطرف مباشر أو غير مباشر في عدة حروب ومواجهات مع أنظمة عربية: كأحداث الأردن 1970 والحرب الأهلية في لبنان 1975-1982، وحرب الخليج الثانية 1991. 4- محاصرة الثورة الفلسطينية بعد حرب الخليج الثانية بسبب اتهام الرئيس أبو عمار بدعم الموقف العراقي، وكان حصاراً مالياً وسياسياً شديداً. 5- ظهور حركة حماس من خارج منظمة التحرير الفلسطينية وبداية تعامل دول وحركات عربية وإسلامية معها دون الرجوع لمنظمة التحرير. 6- تغلغل فكر التسوية عند غالبية الدول العربية ورغبتها في إيجاد تسوية سياسية للصراع مع إسرائيل وخصوصا بعد حرب الخليج الثانية وتداعياتها، وهنا نلاحظ أن مؤتمر مدريد للسلام 1991 سبق توقيع اتفاقية أوسلو، ولو لم يكن مؤتمر مدريد ما كانت اتفاقية أوسلو. كل ذلك أضعف من قوة الثورة الفلسطينية، وبقي الفلسطينيون وحيدين في الميدان، الأمر الذي كشف الهوة الواسعة بين أهداف المشروع الوطني الأول والممكنات الفلسطينية، وكان مطلوب تدفيع الثورة الفلسطينية الثمن على سياسات وممارسات لم تكن خاطئة تماما بقدر ما كانت محصلة لتحالفات وتوازنات تلك المرحلة. وقد حاولت القيادة الفلسطينية التكيف مع هذه الاختلالات مع الحفاظ على استقلالية القرار الفلسطيني من خلال نهج الواقعية السياسية وإعادة النظر في أهداف النضال الفلسطيني وطرق تحقيقها. لا نعتقد أن القيادة الفلسطينية في تلك المرحلة ارتكبت أخطاء استراتيجية كبيرة كان عدم ارتكابها سيغير من مسار الأحداث بشكل جذري، فما جرى كان نتيجة متغيرات عربية ودولية وليس نتيجة تقصير فلسطيني. إلا أن ذلك لا يمنع من القول بوجود خلل وأوجه تقصير في الجانب الفلسطيني جعلت قدرة النظام السياسي الفلسطيني ضعيفة في مواجهة المتغيرات المحيطة به، مثل تغلغل المال السياسي مما أوجد أشكالا من الفساد، وغياب المحاسبة للفاسدين، وترهل بنية الفصائل، بالإضافة إلى عدم حدوث مراجعات استراتيجية بعد كل أزمة مرت بها الثورة الفلسطينية. ومع ذلك كانت لتلك المرحلة حصيلة مهمة وهي استنهاض الحالة الوطنية والاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني في قمة الرباط 1974 والاعتراف بها مراقبا في الأمم المتحدة. 2-خلل في عملية المفاوضات وفي إدارة السلطة ما بعد توقيع اتفاقات التسوية في الوقت الذي كان فيه فريق فلسطيني من الداخل بقيادة الدكتور حيدر عبد الشافي يقود مفاوضات علنية كانت منظمة التحرير تجري مفاوضات سرية في أوسلو، كان مهندساها محمود عباس واحمد قريع مع عدد محدود من السياسيين. بسبب خشية قيادة منظمة التحرير من التوصل لتفاهمات مع قيادات الداخل وتهميش منظمة التحرير الفلسطينية، تحركت القيادة بسرعة لتلوِّح للأمريكيين والإسرائيليين بالاستعداد لتقديم تنازلات كان من الصعب على فلسطينيي الداخل تقديمها، ومن جانب آخر كانت واشنطن وإسرائيل تريدان أن تكون منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني هي الجهة التي توقع على أية اتفاقية تسوية سواء لإنهاء الصراع أو تغيير طبيعته ونهج إدارته. لم يكن الخلل في سرية المفاوضات فقط بل أيضا في تفرد أشخاص معينين بعملية المفاوضات وفي البحث بقضايا مصيرية دون توافق فلسطيني حتى داخل منظمة التحرير بل حتى داخل حركة فتح نفسها، ودون خبرة لهؤلاء بكثير من الملفات التي تم التفاوض عليها. بينما كان الوفد الإسرائيلي مدعوما بلجان متخصصة في كل المجالات. الأمر الذي أنتج اتفاقية أوسلو ولواحقها بصياغات مبهمة وتقبل أكثر من تفسير وغالباً ما كانت إسرائيل تفسرها لصالحها لأنه كان لها اليد الطولى في وضع هذه النصوص. بسبب سرية المفاوضات والخوف من تهميش المنظمة أُسنِد أمر المفاوضات لسياسيين من حركة فتح وقلة من خارجها، وغالبية هؤلاء كانوا يعيشون خارج فلسطين وليس لهم أية خبرة أو معلومات حول جغرافيا الأرضي المحتلة وأسماء المناطق والقرى ، وتجمعات المياه الجوفية الخ ، وقد تسربت بعض المعلومات المثيرة للسخرية والألم معا، تدل على الجهل الكبير لهؤلاء السياسيين بالأمور التي كانوا يتفاوضون عليها، مع حسن نية في تعاملهم مع الإسرائيليين الذين كانوا يعيشون في فلسطين ويملكون الجغرافيا ويعرفون كل صغيرة وكبيرة من جغرافيا فلسطين ما فوق الأرض وما تحتها. ما بعد توقيع اتفاقية أوسلو سادت حالة من الإرباك وعدم الوضوح في كيفية التصرف والتعامل مع الواقع الجديد في ظل وجود سلطة فلسطينية وما عليها من استحقاقات بمقتضى الاتفاقات الموقعة. كانت أهم مظاهر هذا الإرباك انقسام الساحة الفلسطينية انقساماً حاداً ما بين من يؤيد عملية التسوية ويراهن عليها كفرصة ومنعطف مصيري يمكن المراهنة عليها للوصول للدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا الطرف الفلسطيني تعامل مع اتفاقات الحكم الذاتي المؤقت أو ترتيبات المرحلة الانتقالية وكأنها اتفاقات سلام، الأمر الذي دفع بكثير من الفلسطينيين والعرب إلى التعامل مع إسرائيل وكأنها شريك سلام والتعامل مع الصراع برمته وكأنه حُسم وأصبح من مخلفات الماضي. في المقابل رفض آخرون – حركة حماس والجهاد الإسلامي وقوى أخرى وشخصيات من داخل منظمة التحرير -هذه المراهنة واعتبروا الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل وقيام السلطة الفلسطينية خروجاً عن الثوابت الوطنية ونهجا استسلامياً، ولم يقتصر الأمر على خلافات سياسية ونظرية بل تعدى ذلك إلى ما يشبه الانشقاق داخل منظمة التحرير وتشكيل جبهة وطنية معارضة لـ (نهج أوسلو) وقيام قوى المعارضة وخصوصا حركة حماس بعمليات عسكرية في عمق إسرائيل في أوقات دقيقة كانت تمر فيها المفاوضات. بالإضافة التي التحديات التي واجهت السلطة من معارضيها ظهرت أشكال من الفساد وسوء الإدارة في السلطة فاقمت من مشاكلها. صحيح أنه لم يكن فساداً كبيراً، إلا أن واشنطن والغرب وظفوا الحديث عن فساد السلطة للتضييق على الرئيس أبو عمار وإجباره على إدخال تعديلات دستورية تحد من صلاحياته. بشكل عام يمكن الإشارة إلى أوجه الخلل في التعامل الفلسطيني الرسمي مع عملية التسوية منذ بداياتها وكذلك التداعيات السلبية لاتفاقية أوسلو وتطبيقاتها، وهي تتراوح ما بين الأخطاء الاستراتيجية والخلل في الإدارة، وعدم وضوح الرؤية والموقف: 1- القبول بدخول عملية التسوية على أساس قراري مجلس الأمن 224 و338 فقط وتجاهل بقية قرارات الشرعية الدولية، كقرار التقسيم 181 وقرار حق العودة 194 وعديد القرارات التي تتحدث عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحقه بمقاومة الاحتلال الخ. وهذا يتعارض مع إعلان قيام الدولة في الجزائر 1988 الذي قَبِل الدخول بعملية التسوية على أساس كل قرارات الشرعية الدولية. 2- القبول بأن تكون المفاوضات تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية فقط دون إشراف دولي أو محاولة تشريع الاتفاقية بقرار دولي من مجلس الأمن، الأمر الذي أسقط عن اتفاقية أوسلو صفة الاتفاقية الدولية. 3- تأجيل قضايا الوضع النهائي وهي قضايا استراتيجية، مما جعل المفاوضات تشكل غطاء للاستيطان والتهويد في الضفة والقدس. 4- الاعتراف المتبادل كان بين دولة الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير، فيما كان يُفترض أن يكون الاعتراف بعد نهاية المفاوضات مقابل اعتراف الكيان الصهيوني بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967. 5- القبول بالمفاوضات واستمرارها لسنوات مع استمرار الاستيطان والتهويد. 6- استمرار المفاوضات دون مرجعية واضحة أو هدف واضح. 7- استمرار نفس الفريق المفاوض تقريباً واقتصاره على حركة فتح. 8- عدم تحيين فكرة الدولة مباشرة بعد نهاية المرحلة الانتقالية مايو 1999. 9- رهن الاقتصاد الفلسطيني كليا بالاحتلال من خلال بروتوكول باريس الاقتصادي. 10- المراهنة كليا على الخارج سواء تعلق الأمر بالشرعية الدولية أو الأمم المتحدة أو محكمة الجنايات الدولية، مع غياب استراتيجية واضحة في التعامل مع الشرعية الدولية، وماذا بعد الذهاب لمحكمة الجنايات الدولية ؟. 11- إهمال القيادة في عهد الرئيس أبو مازن للعمل الشعبي بل وعدم الثقة بقدرات الشعب ولو من خلال أشكال من المقاومة السلمية. هذا ما خلق فجوة ما بين القيادة والشعب لم تستطع الرواتب والإغراءات المالية أن تملأها. 12- تهميش منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها سياسياً ومالياً لحساب السلطة الوطنية لدرجة أن منظمة التحرير بكل فصائلها أصبحت تعتاش من ميزانية السلطة الفلسطينية. 13- إضعاف حركة فتح سواء كحركة تحرر وطني أو كحزب سلطة ودولة، وجعل سقفها السياسي نفس السقف السياسي للسلطة. 14- غياب أو ضعف مؤسسة القيادة وتمركز كل شيء بيد الرئيس أبو عمار ثم أبو مازن. 15- تمركز الرئاسات بيد واحدة – رئاسة الدولة ورئاسة منظمة التحرير ورئاسة السلطة ورئاسة حركة فتح. 16- قوة تأثير نخبة سياسية اقتصادية من خارج المدرسة الوطنية على عملية اتخاذ القرار. 17- استمرار التنسيق الأمني بنفس الوتيرة والضوابط التي كانت في بداية التسوية بالرغم من تنصل إسرائيل من عملية التسوية. 18- الصراع على السلطة بدلا من الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال. 19- كسر حالة العداء أو تمييعها بين الشعب ومغتصبي أرضه. هذا أمر خطير لأن استمرار حالة العداء للخصم وتعبئة الشعب ضده يعتبر أحد أدوات المواجهة وحصانة للشعب من الاختراق الفكري والثقافي ومنع التطبيع مع الاحتلال. 20- بسبب التحولات التي طرأت على النخبة السياسية وبسبب تعثر عملية التسوية وتراجع خيار المقاومة، فقد سادت قناعات عند كثيرين من النخب السياسية بأن السلطة هي نهاية المطاف، لذا تعاملوا مع السلطة ليس كأداة نضالية بل كمصدر للرزق ومراكمة الثروة وتشكلت نخب سياسية اقتصادية في الضفة وغزة راكمت الثروات وأصبحت مستعدة للقتال من أجل السلطة حفاظا على مصالحها الشخصية. 21- تحويل الفدائيين والثوار إلى موظفين وكَتَبة يتقاضون رواتب من سلطة تموَّلَ من الخارج، وتحت إشراف ورقابة الاحتلال !. بدأ الأمر مع منتسبي حركة فتح وفصائل منظمة التحرير ثم انتقل لمنتسبي حركة حماس. 22- قطع طريق العودة إلى نهج المقاومة. لأن السلطة حلت محل حالة التحرر الوطني ولأن حركة فتح تحولت لحزب سلطة في الضفة الغربية وحركة حماس تحولت لسلطة في قطاع غزة، فإن المقاومة حتى السلمية منها باتت تتعارض وتهدد مصالح السلطتين الحاكمتين، لأن المقاومة تستدعي تدخل جيش الاحتلال مما قد يؤدي لإنهاء السلطتين، وبالتالي أصبحت السلطة والحفاظ عليها عائقا أمام مهمة المقاومة والتحرير. 23- إهمال فلسطينيي الخارج. 24- سوء إدارة ملف الانقسام. 25- تزاوج السلطة والثروة سواء في غزة أو الضفة.