تعكس أسماء وخلفيات مستشاري مرشح الرئاسة الأمريكية عن الحزب الديمقراطي، جو بايدن، صورة رئيسية لسياسات وتصورات الرجل المحتملة تجاه قضايا بلاده في الداخل والخارج، مع اقتراب انعقاد الانتخابات الرئاسية المُقرر لها في فبراير (شباط) المُقبل.
ويلعب المستشارون في البيت الأبيض دورًا رئيسًا في صياغة سياسة واشنطن خارجيا، بما يجعل التعرف إليهم والمهام التي شغلوها في الماضي أولوية لفهم سياسة أمريكا في المرحلة المُقبلة، خصوصًا أن استطلاعات الرأي ترجح كفة بايدن أمام منافسه مُرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب.
يحاول التقرير التالي التعرف إلى أبرز أسماء مستشاري بايدن للسياسة الخارجية، وخلفياتهم السياسية تجاه أبرز القضايا التي تنتظر الحاكم الجديد للبيت الأبيض للبت فيها.
بايدن على خطى أوباما
ينحدر مستشارو المُرشح الرئاسي، جو بايدن، من خلفية تتشابه سياسيا مع الأخير؛ فغالبية الأسماء من الحزب الديمقراطي الذي رشح بايدن، كما تتقاطع مسيرتهم المهنية مع المرشح الرئاسي المُحتمل؛ إذ إن أغلبهم شغل مناصب نافذة خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، التي كان بايدن نائبًا له فيها.
وأعلن أوباما في مقطع فيديو تأييده لنائبه السابق، جو بايدن، في السباق الرئاسي ضد الرئيس ترامب، قائلًا: «أعلم أنه سيحيط نفسه بأشخاص جيدين».
ويعزز من دور مستشاري بايدن المُحتملين وأهميتهم، التقديرات التي ترجح منحهم صلاحيات أكبر لرسم السياسات العامة لواشنطن تحديدًا في الخارج، وذلك في ظل كبر عمر بايدن.
وتوسع عدد مستشاري السياسة الخارجية والأمن القومي غير الرسميين في حملة بايدن لنحو أكثر من ألفي شخص، بما في ذلك 20 مجموعة عمل تغطي قضايا، من الأمن القومي، إلى الحد من التسلح، والدفاع، والاستخبارات، والأمن الداخلي. من بين ألفي شخص، تعمل المجموعات الاستشارية «سرا» وبطريقة «غير رسمية» لتقديم المشورة لبايدن في السياسة الخارجية والأمن القومي.
وتشرف كل مجموعة من مجموعات العمل على مجموعات فرعية متعددة، تتناول قضايا مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والإغاثة الإنسانية، واللاجئين، والتي ترسل الأفكار والنصائح نتائج نقاشاتها للدائرة الأولى حول بايدن، والتي تتكون من بضعة أشخاص، والمُقرر لهم الانتقال معه إلى البيت الأبيض حال فوزه في الانتخابات.
في السطور التالية، نذكر أبرز الأسماء من مستشاري بايدن الذين ربما يشكلون فريقه الرئاسي في البيت الأبيض حال فوزه على ترامب، ونتعرف إلى خبراتهم ومسيرتهم السياسية.
1. جيك سوليفان.. مهندس الاتفاق النووي وكبير مستشاري بايدن
نال جيك سوليفان شهادة البكالوريوس في القانون من جامعة ييل، ودرجة الماجيستير من جامعة أكسفورد، وكانت أولى وظائفه كاتبًا في المحكمة العليا الأمريكية، قبل أن ينتقل للعمل مستشارًا سياسيًّا للسناتور، إيمي كلوبوشار، من ولايته مينيسوتا، وباحثًا بعدد من المراكز البحثية.
بعد هذه المحطات، انتقل سوليفان للعمل في منصب نائب مدير السياسة في حملة هيلاري كلينتون التمهيدية الرئاسية لعام 2008م، وعضوًا في فريق التحضير للمناظرة لحملة باراك أوباما للانتخابات العامة، والتي صعد منها لدوائر الحكم في البيت الأبيض بعدما نجح أوباما.
خدم سوليفان في إدارة أوباما مستشارًا للأمن القومي لنائب الرئيس آنذاك، جو بايدن، من عام 2013م إلى 2014م. وعمل مديرًا لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية من 2011م إلى 2013م، ولعب خلال هذه السنوات أدوارًا مؤثرة في إنجاز كثير من الاتفاقات السياسية، كان أبرزها الاتفاق النووي الإيراني.
عمل سوليفان كبير مستشاري السياسات لحملة هيلاري كلينتون الرئاسية عام 2016م، وظهر أكثر من مرة أمام وسائل الإعلام مدافعًا عنها أمام اتهامات ترامب لها، مثل دورها في تأسيس داعش، أو استخدامها لبريدها الإلكتروني الخاص عندما كانت وزيرة للخارجية.
يتبنى سوليفان سياسات التصنيع أولوية في كافة القطاعات، الصحة، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المالية، للنهوض باقتصاد بلاده، بينما يرى أن سياسة بلاده الخارجية ينبغي أن تتبع خطًّا متوازنًا في كافة الملفات، وأن تتجنب سياسة الصدام التي اتبعها ترامب، كما فعل مع إيران.
يرى المستشار السابق لأوباما، على سبيل المثال، أن سياسة «الضغط الأقصى» لن تجعل طهران تكف عن سياستها التصعيدية، وأن البديل هو إعادة الدبلوماسية النووية مع إيران، والتطلع لإنشاء شيء ما على غرار خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة بالاتفاق النووي.
على خلاف تصور إدارة ترامب، يعتقد سوليفان أن تدفق معدلات الهجرة أشبه بتدفق رأس المال، فهو يعتقد أن سياسة ترامب نحو الهجرة عائق كبير للنمو الاقتصادي الأمريكي، وله تأثير ضار في نموه. ويرى مستشار بايدن المحتمل أن قصة صعود الصين هو الحدث الجيوسياسي الأكثر أهمية في حياته؛ معتقدًا في الوقت ذاته أن التفكير في قضية الصين بوصفها حربًا وجودية مع واشنطن ينبغي أن يخرج منها واحد مهزوم وآخر منتصر، مثل حال الحرب الباردة.
بحسب سوليفان، فخلق مواقف كافية من القوة تؤهل واشنطن للتعامل بشكل فعال مع الصينيين لتحمي مصالح الأمريكيين وقيمهم، وهي الوسيلة الأكثر واقعية.
ووفقًا لرؤيته، ينبغي أن يحدث هذا عبر أكثر من محور، أبرزها رفع مستوى مشاركة واشنطن عبر كل بُعد في آسيا والمحيط الهادئ، ويجب أن يحتوي على عنصر عسكري، ومكون اقتصادي ودبلوماسي.
أيضًا، تشمل المحاور جانبًا يتعلق بتعزيز الديمقراطية والدفاع عن التجربة الأمريكية، إضافة إلى جانب يتعلق برفع درجة التنافس الاقتصادي من خلال التوسع في الاستثمارات في البنية التحتية، والابتكار، والتعليم، ورأس المال البشري، والأشياء التي ستجعل الولايات المتحدة على المدى الطويل أكثر قدرة على المنافسة بفعالية.
2. تونى بلينكن.. مستشار بايدن للسياسة الخارجية
درس توني بلينكن، مستشار بايدن للسياسة الخارجية، بجامعة هارفارد، كما تخصص في القانون بجامعة كولومبيا، ليبدأ أولى محطاته المهنية بممارسة القانون بين باريس وواشنطن.
انطلق بلينكن من هذه المحطة بعد ذلك إلى العمل الحكومي في وزارة الخارجية في عام 1993م، ليترقى سريعًا ويشغل مناصب رفيعة على مدار الثلاثة عقود الماضية، حتى عمل نائبًا لوزير خارجية بلاده خلال ولاية أوباما، ويُنسب له أدوار كبير في عدد من الملفات بين عامي 2015م إلى 2017م، مثل محاربة داعش وإعادة التوازن إلى آسيا وأزمة اللاجئين العالمية.
قبل هذا المنصب الأخير له في دوائر الحكم، شغل بلينكن منصب مساعد أوباما في البيت الأبيض، وكان نائبًا لمستشار الأمن القومي. ويتمتع مستشار أوباما السابق بنفوذ واسع داخل وزارة الخارجية، بفعل نجاحه في قيادة نقلة نوعية لبيئة العمل داخل الخارجية الأمريكية؛ إذ بنى جسورًا لمجتمع الابتكار، وخلق وجودًا لوزارة الخارجية بدوام كامل في وادي السيليكون، وأطلق منتدى وزارة الخارجية للابتكار، الذي يحشد المبتكرين والتقنيين في حل مشكلات السياسة الخارجية المعقدة.
يدعم بلينكن سياسة واشنطن في بقاء قواتها بعدد من مناطق النزاع الحالية في الشرق الأوسط، فهو يرى أن انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا «خطأ كبير» انتهي بمحو نفوذ واشنطن في سوريا. كما يعتقد أن التخلي عن الأكراد أحد نقاط الضعف الكبرى في سياسة إدارة ترامب نحو سوريا.
يمتد الخط على استقامته بالنسبة لبلينكن في تعزيز دور بلاده بالمؤسسات والمنظمات الدولية، ورفع قيمة المساهمة المالية لها، خلافًا لما فعله ترامب من الانسحاب من منظمة الصحة العالمية.
يتبنى بلينكن هذه القناعة، بمزيد من الانخراط في القضايا أو النزاعات أو حتى في المؤسسات الدولية، لاعتقاده أن الانسحاب سيؤدي لفراغ ستملأه دول منافسة، كما فعلت الصين مع منظمة الصحة العالمية. ويشمل أحد مظاهر زيادة الانخراط الأمريكي، من وجهة نظره، الإصرار على التمسك بالقانون الدولي وحل النزاعات القائمة دبلوماسيًّا وفقًا للقانون.
ويتفق مستشار بايدن مع رؤية زميله سوليفان، في أن مواجهة الصين تتمثل في تطبيق سياسة إعادة توازن لنفوذ واشنطن في المحيط الهادي، والحال كذلك مع إيران، التي يرى أن الانسحاب من الاتفاق النووي معها «فشل كبير». ويستدل على هذا الفشل بأن سياسة ترامب أدت لنتائج عكسية من خلال ارتفاع الأعمال الاستفزازية ضد حلفاء واشنطن، وإعادة تشغيل بعض الجوانب الخطيرة في برنامجها النووي.
وفي القضية الفلسطينية، يعارض مستشار بايدن ضم إسرائيل للضفة الغربية، ويرى فيه تهديدًا لأمن تل أبيب واستقرارها، معتقدًا أن الطريقة الوحيدة لتأمين مستقبل إسرائيل لتكون دولة يهودية ديمقراطية، والتأكد من تحقيق تطلعات الفلسطينيين في إقامة دولة، هي من خلال حل الدولتين واتفاق الطرفين على أي خطوة يتخذها أحدهما.
3. فيليب جوردون.. منسق قضايا الشرق الأوسط الذي يميل إلى أوروبا
يعمل فيليب جوردن، مستشارًا خارجيًّا غير رسمي لحملة بايدن الرئاسية، وهو الحائز على درجة البكالوريوس من جامعة أوهايو، والدكتوراة في العلاقات الدولية والاقتصاد الدولي من كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز. عمل جوردن في السابق مساعدًا خاصًّا للرئيس السابق باراك أوباما، ومنسق البيت الأبيض في قضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج من 2013م إلى 2015م.
أيضًا، كان مهندس تصميم العلاقات في قضايا البرنامج النووي الإيراني، ومفاوضات السلام في الشرق الأوسط، والصراع في سوريا، والأمن في العراق، والعلاقات الأمريكية مع دول الخليج، والتحولات الديمقراطية في شمال أفريقيا، والعلاقات الثنائية مع إسرائيل، والأردن، ومصر، والمغرب، وتونس، ولبنان.
يرى جوردون أن التعاون مع أوروبا في القضايا العالمية مسألة ملحة لواشنطن بما في ذلك الأزمات في ليبيا، سوريا، وإيران، مؤمنًا بأن الجانبين يشتركان في هوية تاريخية وثقافية واحدة تعزز من هذا التعاون في كثير من النزاعات.
ويتبنى جوردون استراتيجية لتطوير التعاون الثنائي مع روسيا وتركيا لدعم أمن أمريكا وأولوياتها الدولية. وتتأثر تصورات جوردون الأمريكية بالنظرة الأوروبية إلى مشكلات الشرق الأوسط؛ فهو يرى أن التنسيق مع أوروبا حل فاعل، كما وظف هذه السياسة خلال عمله في إدارة أوباما لحل كثير من النزاعات.
4. أفريل هاينز.. أول نائبة لمدير الاستخبارات الأمريكية
حازت أفريل هاينز على درجة البكالوريوس في الفيزياء من جامعة شيكاغو، وشهادة في القانون من مركز القانون بجامعة جورج تاون، وتشغل عضوية العديد من المجالس والمراكز البحثية، والمجموعات الاستشارية، بما في ذلك المجموعة الاستشارية الحيوية التابعة لمبادرة التهديد النووي، ومجلس أمناء منظمة فودافون، والمجلس الاستشاري الدولي للاجئين.
خدمت هينز في إدارة أوباما مساعدة للرئيس، ونائبة لمستشار الأمن القومي، والمستشار القانوني لمجلس الأمن القومي، وكانت أول امرأة تشغل منصب نائب مدير وكالة المخابرات المركزية. وتكرر اسمها في مخاطباتها الدائمة للحكومات في الشرق الأوسط بالإفراج عن النشطاء السياسيين، والدفع بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما فعلت حين طالبت السلطات المصرية بإطلاق سراح الناشطة المصرية آية حجازي.
5. جولي سميث .. مستشارة بايدن للأمن القومي السابق
نالت جولي سميث درجة البكالوريوس من جامعة إكزافير، وشهادة الماجستير من الجامعة الأمريكية في واشنطن، وتعمل مديرة لبرنامج آسيا، وبرنامج الجغرافيا السياسية في صندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة.
شغلت منصب نائب مستشار الأمن القومي لبايدن عندما كان نائبًا لأوباما، وقدمت له المشورة في مجموعة واسعة من قضايا السياسة الخارجية والدفاعية، فقد مثلته في الاجتماعات المشتركة بين الوكالات على مستوى مجلس الوزراء والنواب.
قبل منصبها في البيت الأبيض، عملت لمدة ثلاث سنوات مديرة رئيسة لسياسة أوروبا وحلف شمال الأطلسي، في مكتب وزير الدفاع في البنتاجون. في عام 2012م، حصلت على وسام مكتب وزير الدفاع للخدمة العامة الاستثنائية.
وتتلخص تصورات جولي سميث العامة لسياسة بلادها في ضرورة وحتمية عقد شراكة قوية مع الحلفاء الأوروبيين، والانخراط بصورة أكثر فاعلة في حلف الناتو، وترى كذلك أن هناك أولوية ملحة للإدارة المُقبلة إلى المزيد من الخريجين من ذوي الخلفيات في السياسة والتكنولوجيا، في ظل اعتماد العديد من خصوم الولايات المتحدة على التكتيكات غير المتكافئة المصممة لتقويض التفوق التكنولوجي لأمريكا.
(ساسة بوست)