نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالًا تحدث فيه الصحفي “رادلي بالكو” عما اعتبره أدلة دامغة تثبت عنصرية نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة.
وبدأ الكاتب مقاله بحادثة تعرض لها عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري تيم سكوت الذي أوقفته الشرطة في عام 2016 لمجرد اشتباهها في أن رجلًا أسود البشرة يقود سيارة جميلة.
وبحسب الكاتب فقد روى السيناتور سكوت كلمة قوية في قاعة مجلس الشيوخ الأميركي، عن ضباط الشرطة الذين قاموا على إيقافه لارتيابهم في أن رجلًا من أصل أفريقي يقود سيارة يعتبرونها “جميلة”.
وأضاف في كلمته أن أحد كبار الموظفين من ذوي البشرة السوداء تعرض لموقف مماثل حتى أنه اضطر لتغيير سيارته بأخرى أقل قيمة لعله يتفادى المشاكل مع الشرطة، ولأن تيم سكوت من الساسة المحافظين جدًا، لم تصادف روايته أي اعتراض أو احتجاج من قبل اليمين، إذ لم ينبرِ أحد من أتباع ذلك التيار ليقول له إنك تكذب بكلامك عن إيقاف الشرطة لك.
ويرى بالكو في مقاله أن معظم الملونين في أميركا لهم قصص شبيهة أو يعرفون أحدا تعرض لمواقف مماثلة لتلك التي صادفها سكوت، ومع ذلك فإن ثمة شكًا عميقًا حول مدى صحة المزاعم التي تؤكد أن نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة “متحيز عنصريًا”.
وكان ريتش لوري رئيس تحرير مجلة ناشيونال ريفيو الأميركية، قد كتب في شهر آب الفائت، مقالًا اعترض فيه على الفكرة القائلة إن نظام العدالة الجنائية في البلاد عنصري، كما كتب الصحفي والمدون أندرو سوليفان مقالًا مماثلًا في مجلة نيويورك.
عنصرية منهجية
يرى كاتب المقال أن مصطلح “العنصرية المنهجية”، يفسر خطأ في أغلب الأحيان على أنه اتهام لكل من يعمل في نظام العدالة الجنائية بالعنصرية، وبحسب تعريفه، فإن العنصرية المنهجية تعني في الغالب عكس ذلك، فهي تعني أن في الولايات المتحدة أنظمة ومؤسسات تتسم مخرجات أدائها بأنها متباينة عنصريًا، بغض النظر عن نوايا من يعملون بها.
وساعد نظام العدالة الجنائية الحديث في الحفاظ على النظام العنصري الذي يحول دون تقدم السود في المكانة، ففي أغلب السنوات الأولى من القرن العشرين، كانت تلك هي المهمة الأساسية التي اضطلعت بها بعض المناطق في الولايات المتحدة، ولا ينبغي أن يكون مفاجئًا لأحد قط إذا كان هذا هو حال تلك المناطق اليوم.
ويمضي الكاتب إلى أنه بعد أكثر من عقد من الزمان قضاها في تغطية مثل تلك قضايا، يبدو له جليا تماما أن الدلائل على وجود تحيز عنصري في نظام العدالة الجنائية الأميركي ليست مقنعة فحسب بل دامغة أيضًا.
شكوك وأدلة
يؤكد بالكو في مقاله أن الدلائل على وجود تحيز عنصري في نظام العدالة الجنائية الأميركي ليست مقنعة فحسب بل دامغة أيضًا، محاولًا استعراض تلك الأدلة، إذ لا تزال هناك شكوك على ما يبدو تعتري هذه القضية، على حد قوله.
وقال الكاتب أن العنصرية ليست الشيء الوحيد الذي ينبغي أن يؤرق الأميركيين بشأن نظام العدالة الاجتماعية، مؤكدًا أن هناك كثيرًا من الأميركيين البيض يُتهمون زورًا ويتعرضون للاعتقال وتوجه ضدهم التهم، ويُعاملون معاملة ظالمة ويُضربون بل يُقتلون برصاص الشرطة على نحو غير مبرر.
في عرضه للأدلة التي تثبت التحيز العنصري من جانب نظام العدالة الجنائية الأميركي، تطرق الكاتب إلى سلوك أفراد الشرطة تجاه السود والمواطنين الناطقين بالإسبانية، زاعمًا أن تلك الأقليات تتعرض للتنميط، أي تحديد نمط سلوكي بعينه لفئة من الناس.
ويقول إن محاولة الأجهزة المنوط بها إنفاذ القانون إنكار أنها تمارس تنميطًا إزاء تلك الأقليات وأن بعض تلك الجماعات ترتكب جرائم بعينها بمعدلات كبيرة، ادعاء يجافي الحقيقة التي تؤكد أن نسبًا مئوية هائلة منهم يتم إيقافهم ويسحبون من السيارات ويتعرضون للتحرش رغم أنهم لم يرتكبوا أي خطأ.
ونقل عن تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز عقب مقتل جورج فلويد في ولاية مينيسوتا، أنه على الرغم من أن السود يشكلون 19% من سكان مدينة مينيابوليس بالولاية نفسها و9% من جهاز الشرطة فيها، فإنهم يتعرضون لنسبة 58% من الحوادث التي تستخدم فيها الشرطة القوة.
السود والإعدام
وبحسب مقالة “واشنطن بوست“، فقد أظهرت دراسة حول الاعتقالات المرتبطة بارتكاب جنح نُشرت نتائجها في عام 2018 بمجلة “لو ريفيو” التابعة لجامعة بوسطن، أن نسبة السود الذين يتعرضون للاعتقال تزيد مرتين على الأقل عن نظرائهم البيض، في جرائم تتعلق بسلوك مخل بالنظام وحيازة مخدرات واعتداءات بسيطة، وكذلك السرقة والتشرد والتخريب.
وفي عرضه لبعض الأدلة على التحيز العنصري لنظام العدالة الجنائية الأميركي، رصد الكاتب عددًا من التقارير والبيانات التي صدرت خلال السنوات الأخيرة والمتعلقة باتهام السود بارتكاب جرائم من قبيل الاتجار بالمخدرات وترويجها حيث يتم اعتقالهم وإدانتهم، على الرغم من وجود دراسات تكشف عن أن كلًا من السود والبيض يتعاطون ويتاجرون بالمخدرات بنسب متساوية تقريبًا.
على أن الانحياز العنصري الفعلي يتجلى عندما يتعلق الأمر بعقوبة الإعدام التي يُنزلها القضاء استنادًا إلى لون الضحية، فإذا كان القتلة من البيض والضحايا من السود، فإن الجناة نادرًا ما تصدر بحقهم عقوبة الإعدام!
المصدر: واشنطن بوست