بقلم: خالد رزق
لم يعد محيراً بأي قدر موقف من سعوا مع بدايات التحرك الجماهيري المطالب بالتغيير وبإصلاحات جذرية في لبنان لتحميل حزب الله مسؤولية بقاء حكومات فاسدة بالحكم لأكثر من عقد من الزمن، فالمسعى أو الهدف على غرابته، كما فهم في حينه وتأكد لاحقاً، كان إما استدراج حزب الله وشعب المقاومة لمواجهة الإفك الموجه بما يناسب حقارته، أو كما أمل الأغبياء وراءه على خبثهم أن يقود المقاومة لاندفاع ساذج نحو نفي التهمة عنها، بمشاركة واسعة في الفعاليات على الأرض، قد تقود حال استهدافها إلى أسوأ السيناريوهات.
نعود إلى مدخلنا لماذا لم يعد محيراً موقف من سعوا ذات يوم قريب إلى تشويه حزب الله بذريعة أنه كان ممثلاً بالحكومة؟ أجيبكم ببساطة لأن هؤلاء أنفسهم وإن تواروا في المرة الأولى خلف ستار حراك شعبي يكاد يكون عاماً، قفزوا اليوم إلى المشهد كاشفين عن وجوههم القبيحة، بمطلبهم الصهيوني الأصيل وهو نزع سلاح المقاومة الذي لم يشهر في أي يوم سوى بوجه الاحتلال والـ”دواعش” وكان وما زال وسيبقى صمام الأمان الضامن لكرامة الوطن اللبناني ولحق شعبه بالوجود والحرية والأمن.
ولست أظنني متجاوزاً إن قلت إن الحراك ومنذ قفز على مساراته أصحاب المصالح والتواريخ حالكة السواد الكاشفة للخيانات المفضوحة الفجة، “فقد” عند كثير من اللبنانيين وعند المهتمين مثلي من غير اللبنانيين طهره ونقاوته، حتى أننا صرنا ننظر لبعض من فعالياته بيقين أن ما يحركها ومن يقودها ليس بينه و بينهم دوافع وطنية مشروعة، وبقينا ننتظر الخطوات الكاشفة التالية للمتقافزين على أحلام وطموحات البشر، وحقيقة هم لم يتأخروا إذ رأينا شعارات العدو ترفع وسط الحراك وسمعنا أصواتًا نكراء شاذة تدعو بلا ذرة من حياء إلى التطبيع مع كيان الاحتلال، وأخيرًا كانت دعوة بعض المجموعات للتظاهر مطالبة بنزع سلاح المقاومة.
والحق أننا نعلم ويعلم بالضرورة حزب الله كما يعلم أصحاب الدعوة أنفسهم أن لا أحد على وجه الأرض قادر على إجبار المقاومة على التخلي عن سلاحها، وأن هذا السلاح باق تحمله أيد قابضة على الزناد طالما بقي العدو، وطالما كان لبنان مهدداً، فلماذا أقدم هؤلاء على طلب المستحيل؟ ببساطة هم ينفذون دورهم الموضوع ضمن خطة صهيوـ أمريكية للضغط والتضيق على المقاومة.
خطة نجحت خارجياً وحتى الساعة في جر دول لاتينية لتغيير وتبديل مواقف مبدئية تاريخية ظلت ثابتة عندها لعقود بمؤازرة الحقوق العربية وحركات المقاومة، إلى تجريم المقاومة، ونجحت في إخراج بلدان أوروبية تابعة لأمريكا وللصهيونية كما ألمانيا والنمسا من الدعم المتواري للاحتلال ـ تدثراً بالحيادية ـ إلى المناصرة المفتوحة المكشوفة للكيان المغتصب.
كيف يخدم أصحاب هذه الأصوات الاحتلال؟ ليست الإجابة صعبة، خطة الحرب النفسية والدعاية السلبية ضد حزب الله عالمياً تجد من الدول والشعوب الحرة من يرفضها، ويستمر على إيمانه بمبادئ مناصرة حق الشعوب بالمقاومة والدفاع عن الأرض والوجود، وهي إلى ذلك فشلت حتى في استقطاب من لا يسايرون أهدافها ويلتزمون بالحياد ضعفاً أو تأثراً بضغوط العدو والقوة المتجبرة الأكبر، وبغير كثير من الذكاء لا يحتاج غرّ لإدراك أن هؤلاء الذين يحملون الجنسية اللبنانية ويطالبون بنزع سلاح المقاومة فقط يعطون ويوفرون المبرر الزائف للمعسكر الصهيو – أمريكي لتوسعة نطاق تأثير حملته الدولية الرامية إلى تشويه صورة حزب الله أملاً في ضم دول أخرى من تلك التي تحتفظ بمواقف تستوعب معنى المقاومة حتى وإن لم تناصرها وتخجل في الوقت ذاته أو هي ليست مضطرة لدعم محتل عدواني إلى معسكرها الذي يصف صاحب الحق بالإرهابي.
نعم يوفر هؤلاء بمطلبهم الشاذ الغطاء لمن قد يخذلون الحق وينكرون عدالة موقف لبنان المقاوم، ويوفرون الحجة للعدو في مواصلة عدوانيته وبما هو أكثر لا شك.
مصري فمالك ومال لبنان والمقاومة اللبنانية؟ أرى السؤال شاذاً لا يصدر إلا عن مغرض أو ضعيف العقل، بعيد عن مفاهيم القومية العربية والتي تفرض أن أكون حريصًا على حرية واستقلال كل بلادنا، وهذه إن لم تكن تعرفها لا تكفي فيها سطور ومن لا يستوعبها هو ناقص الوعي خائب ومعتل الوجدان، فمن منظور وطني محلي بحت وكمصري أعرف أن عدوي الأبدي هو هنا على حدود بلادي الشرقية وهو نفس العدو للبنان ولسوريا والعراق وللأمة كلها، وكمصري يعلم قوة عدوه ومن وراءه لا أملك إلا مناصرة لبنان المقاوم ومحور المقاومة كله، ذلك أنني أرى في حزب الله وكل قوى هذا المحور عناصر للقوة المضافة في مواجهة عدو قائم بينه وبين مصر حرب وجود لا أمن لنا إلا بالقضاء عليه، ولا أرى في سكوت المدافع على جبهتنا المصرية أكثر من هدنة أعتقد جازماً بأن مصيرها الحتمي القريب هو الانهيار.
ببساطة سلاح المقاومة غير أنه الضامن لوجود لبنان ولأمن اللبنانيين والمنغص الدائم الذي يقض مضاجع الاحتلال ويحرمه الراحة هو الدليل الوحيد على حياة هذه الأمة والشاهد الناطق بشرفها وعلى بقاء روح النضال فيها، وهو النبراس الكاشف للطريق أمام أجيال من أمتنا أرادوا لها الخنوع، وإلى ذلك فهذا السلاح الشريف “هو” لي كمصري عربي عند المواجهة الكبرى والتي أعلم أنها آتية لا ريب.
– نائب رئيس تحرير صحيفة “الأخبار” المصرية