2024-11-30 06:26 م

حدود الإفقار وفوضى الجياع

2020-06-10
بقلم: د. يحيى محمد ركاج * 
لا تزال اهتمامات العالم كله محصورةآبأثار الوهم الذي رسم معالم الموت على وجنات الأيام، بين إصابة جديدة وحالات شفاء. بين حجر وتجارب دواء ولقاح, بين شماعة عنف وأزيز الفقراء، لتتفرد دولاً محدودة بالتكتم والإفصاح عما تشاء دون ضوابط أو دلائل تثبت صحة كلامها من عدمه، وتتفرد أيضاً بالقرارات والجدال والنقاش ومنح صكوك المغفرة أو الخطايا لمن تشاء، ولعل المفاجأة الكبرى أن الضحية هي الضحية نفسها خلال الأيام الماضية، والمنفذون والمزمّرون والمهللون هم أيضاً نفسهم خلال الفترة نفسها، لتبرز دائماً في سيناريوهات التنفيذ ما قصّه علينا رب العزة في كتابه الكريم في أحسن القصص (قصة النبي يوسف عليه السلام) من أخوة تأمروا وغدروا وضللوا أخاً صالحاً لهم. اليوم يتسابق العالم للانقياد لقانون قيصر (سيزر) الأمريكي الذي تتفرد به أمريكا بالتلاعب بعقول البشر ولسان حالها يقول ما قال فرعون في سابق الزمان (أنا ربكم الأعلى) ويتسابق أخوة يوسف عبر آلة الزمن ليصلوا إلى زمن فرعون ويكيدوا لأخيهم امتثالاً -في هذه المرة- لرغبة الفرعون الأمريكي. يأتي تطبيق قانون قيصر كحلقة من حلقات العنف والغطرسة الأمريكية في التحكم بالعالم تحت شعارات زائفة، فالقانون الذي يتناول في ظاهره الدولة العربية التي لا تزال تفتخر وتتباهى بالقومية العربية (سورية)، ويتناول في باطنه إعادة رسم خارطة العالم ضمن حدود الإفقار الذي سببه فيروس الوهم المرافق لكورونا باعتبار أن القانون تم تصنيفه وإقراره تحت بند حماية الأمن القومي الأمريكي. فأمريكا التي خدعت العالم بسيناريوهاتها بالتعامل مع كورونا، والتي تمكنت من خلال الفيروس من تعطيل سلاسل الإمداد العالمية لفترة ليست بالقصيرة في حياة الشعوب المعاصرة المبنية على مبدأ ( TAKE AWAY - تيك أويي) الأمر الذي ساهم بنفاذ العديد من المواد والأدوية من مخازن الكثير من الدول التي قامت بإغلاق حدودها بالكامل، تحاول مجدداً إعادة رسم تقرير حدود الدم الذي تم تسريبه في العام 2006، إنما هذه المرة وفق مبدأ حدود الفقر والإفقار، أو ثورة الجياع. واليوم أيضاً نجد أن أحد أدوات رسم حدود الجياع أو حدود الإفقار هم العرب بالنسبة لسورية، وهم أخوة يوسف بالنسبة للعديد من دول العالم الذي تحاول أمريكا سرقت ثرواته. فهم أداة تطبيق الغطرسة الأمريكية (قيصر) على جوارها وأحلافها. لقد استطاعت الولايات المتحدة التخريبية إقناعنا عبر أدواتها بأن القانون هو امتداد لقوانين الحرب على سورية ومحاربة سورية الذين أقرتهما في بداية الألفية الجديدة، خافية أنه قانون يهدف إلى النيل من أعداء أمريكا التي صنعتهم بنفسها ليشكلوا دراما الرعب على المواطن الأمريكي خاصة والمواطن الغربي على وجه العموم. وفي الوقت نفسه أثبتت تجربة سورية في التعامل مع الغطرسة الأمريكية أن تأثير هذه الغطرسة محدود جداً في سيناريوهات العمل والحياة، لكن تبقى الصدمة الأولى أو المفاجأة الأولى هي السلاح الأكثر تأثيراً في نفوس العامة والفقراء. فشلت سابقاً قوانين الحرب على السورية، وعقوبات سورية، واليوم سورية قادرة على تجاوز قيصر وإفشاله، لكن قيصر اليوم لا يتناول سورية فقط، إنما كل أعداء أمريكا تحت بند أمن أمريكا، فهل يتمكن العالم من لجم المارد الأمريكي أم ينصاع لرسم حدود افتراضية جديدة بين البشر.
*باحث في السياسة والاقتصاد (سورية)