2024-11-30 12:38 ص

كورونا وحال العرب بين تأجيج الصراعات وحلها

2020-06-09
بقلم: أمجد أحمد جبريل
ثمّة حاجةٌ ماسّة إلى فهم تداعيات جائحة كورونا خليجياً وعربياً، خصوصاً في ظل الحديث المتزايد عن "عالم ما بعد كورونا"، واحتمالات حصول "تغيراتٍ" في شكل التنافس والصراع على قيادة النظام العالمي، بين واشنطن وبكين وموسكو، وانعكاساته على كسب مواقع النفوذ في العالم العربي خصوصاً، وإقليم الشرق الأوسط عموماً. وعلى الرغم من أن تداعيات هذا الوباء العالمي لا تزال في طور "التفاعل المفتوح"، على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي واجتماعي.. إلخ، فإنه يمكن تسجيل ثلاث ملاحظات أوليّة، بشأن انعكاسات جائحة كورونا على أحوال العرب وصراعاتهم، سواء الداخلية الأهلية أم البينية العربية.

الأولى أن مكافحة كورونا اقتضت اللجوء إلى سياسة "التباعد الاجتماعي"، وزادت من القيود على إمكانية "التضامن العربي"، في ضوء أمرين؛ أحدهما هيمنة توجهات الانكفاء على الذات والعزلة على أغلب مقاربات إدارة تداعيات الجائحة. والآخر أن أحوال العرب وعلاقاتهم البينية لم تكونا على ما يرام قبلاً؛ إذ شهدت سنوات ما بعد الثورات المضادة والانقلاب في مصر (يوليو/ تموز 2013) "تدهوراً عاماً" في علاقات العرب بعضهم ببعض، على مستوى الخطابات والسياسات والمواقف والأدوات، المستخدمة في إدارة الصراعات العربية. وثمّة حالتان تبرهنان على هذا التدهور في أحوال العرب وعلاقاتهم البينية؛ حرب التحالف العربي على اليمن منذ ربيع 2015، بكل تداعياتها الاستراتيجية التي حولت البلد إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم. ثم جاءت أزمة حصار قطر منذ 5 يونيو/ حزيران 2017، لتؤكد بلوغ الصراعات العربية ذروةً غير مسبوقة؛ إذ أدّت سياسات رباعي الحصار (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، إلى تصاعد الأدوات الإكراهية في العلاقات العربية العربية، (مثل: شنّ الحرب، والتلويح/ التهديد المتكرّر بالحرب، والحصار الاقتصادي، وشنّ الحملات الدبلوماسية والإعلامية، والاتهامات بدعم "الإرهاب"، والقرصنة الإلكترونية، لإظهار قدرة الثنائي محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ومحمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، وإبراز "حزمهما"، خصوصاً في حرب اليمن وحصار قطر).
في هذا الإطار، ثمّة أسباب متعددة تُفسّر عدم حدوث أي "تقارب عربي" بعد جائحة كورونا، ومنها: انعدام المؤسسية في "العمل العربي المشترك"، تزايد ظهور البعد النفسي ونزعات "الشخصنة" و"التقلبات المزاجية"، تفشّي ممارسات الحقد والكراهية وشيطنة الخصوم والكيد السياسي المفضوح، وتحوّل الصراعات العربية، منذ منتصف عام 2013 من المستويات الرسمية، أي الصراع بين النظم والحكومات العربية، إلى المستويات غير الرسمية، أي الصراع بين المجتمعات والشعوب، على نحوٍ يتجاوز مألوف العلاقات العربية؛ إذ جرى توظيف وسائل التواصل الاجتماعي والفن والإعلام والصحافة .. إلخ، لدعم المواقف السياسية لدول الحصار.

وعلى الرغم من استمرارية الوساطة الكويتية في موضوع حصار قطر، والدعم الأميركي والدولي لها، لم تجد دعوات الدوحة المتكرّرة إلى الحوار سبيلاً لحل هذه الأزمة أذناً صاغية، حتى بعد تفكك أسس هذا الحصار معنوياً، بعد فوز قطر بكأس آسيا لكرة القدم، في فبراير/ شباط 2019.  
وباستثناء احتمال حصول أشكال محدودة من "التهدئة الإعلامية الآنية"، المتعلقة بانعقاد اجتماعات خليجية أو عربية، على الصعيدين الفعلي أو الافتراضي، يبدو أنه يصعب توقع حدوث "اختراقاتٍ كبرى" في ملفي حرب اليمن وحصار قطر، مع إصرار أبوظبي والرياض على انتهاج سياساتٍ خاطئة، واستنكافهما عن تغيير إجراءاتهما التعسفية وانتهاكاتهما حقوق الإنسان التي ضربت "النسيج الاجتماعي الخليجي" في مقتل.
تتعلق الملاحظة الثانية بمحاولات الإمارات "توظيف" جائحة كورونا، في تحقيق مكاسب آنية، على حساب الشعوب، ولو عبر تسعير الصراعات الأهلية والانقسامات المناطقية في دول عربية أخرى. وبغرض توظيف "فراغ القيادة" في العالم العربي، وانشغال العواصم الكبيرة، مثل الرياض والقاهرة والجزائر، بهمومها الداخلية، وسعيها إلى مكافحة انتشار الوباء ومحاصرة تداعياته، تسارعت سياسة أبوظبي، بعد جائحة كورونا، تجاه أزمات سورية واليمن وليبيا. وفي هذا الإطار، اتصل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، هاتفياً بالرئيس السوري، بشار الأسد، بدعوى "التضامن في مواجهة كورونا"، كما تعجّلت الإمارات خطواتها التصعيدية في اليمن وليبيا، عبر إعلان رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، في 25 إبريل/ نيسان الماضي، حالة الطوارئ في مدينة عدن، والمحافظات الجنوبية كافة، وتولّيه إدارتها ذاتياً، بدلاً من السلطات المحلية التابعة لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ما يُنذر بتفاقم الصراع في جنوب اليمن، بتحريض ودعم إماراتي. وكذلك أعلن اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، في 27 إبريل/ نيسان، إيقاف العمل باتفاق الصخيرات، و"الاستجابة للإرادة الشعبية" بتولّي "المؤسسة العسكرية" السلطة، في محاولةٍ بائسةٍ لدفع مخطط تقسيم ليبيا،  وصرف الأنظار عن نجاح حكومة الوفاق في بسط سيطرتها على كل المدن في المنطقة الغربية تقريباً، ما يمثل تطوراً نوعياً في الصراع، الأمر الذي حاولت أبوظبي إجهاضه، عبر تجنيد مرتزقة لدعم حفتر، من السودان وتشاد.
وتنعكس سياسة الإمارات سلبياً على العلاقات العربية البينية؛ إذ إنها تصبُّ الزيت على نار الصراع المحتدم في اليمن وليبيا، كما تستهدف أدوار الدول العربية الداعية إلى حل الصراعات وتسويتها سياسياً، (مثل الجزائر والمغرب وتونس وقطر والكويت وسلطنة عُمان)، التي كانت تحرّك، فيما مضى، الوساطات الدبلوماسية والمبادرات السياسية وجهود المصالحة والتهدئة، في العلاقات العربية، بعد أن تخلّت السعودية عن هذا الدور "التصالحي" الذي ميّز حقبة الملك فهد بن عبد العزيز. وبسبب انجرار ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى توطيد علاقاته مع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، توترت العلاقات السعودية مع دول المغرب العربي، بسبب الاختلاف بشأن طبيعة السياسات المطلوبة تجاه ليبيا، وإحجام الجزائر والمغرب وتونس، عن الانخراط في الاستقطابات والمحاور العربية المتصارعة. ويبرز هنا توجه الرياض وأبوظبي نحو معاقبة المملكة المغربية، عبر شنّ حملات إعلامية تستهدف صورتها الخارجية، والتصويت ضد استضافتها مونديال 2026، بغية إرغامها على التنازل عن "استقلالية" مواقفها الدبلوماسية في حصار قطر، وكذلك انسحابها من التحالف العربي في اليمن، وجهودها النشطة لإبقاء اتفاق الصخيرات قيد التداول الدبلوماسي، بوصفه مرجعيةً للحل السياسي في ليبيا.
تتعلق الملاحظة الثالثة بأن فرص تحسّن أحوال العرب، بعد جائحة كورونا، تبقى محدودة نسبياً، نظراً إلى غياب أي دور حقيقي لجامعة الدول العربية في التصدّي للجائحة، وتأجيل القمة العربية في الجزائر مع بروز ملامح خلاف سعودي جزائري حول عدة ملفات، وغياب الدولة القائد في "الإطار العربي". إضافةً إلى ذلك، قد تؤدي تداعيات جائحة كورونا إلى "خلخلة" تماسك محور دول الثورات المضادّة في العالم العربي، مع احتمال تراجع سياسات واشنطن وبكين وموسكو في الشرق الأوسط، بسبب انشغال ثلاثتها بتداعيات الجائحة وانعكاساتها الداخلية اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
بيد أن أسوأ السيناريوهات التي قد تواجه العرب يتعلق بالفشل في مواجهة تداعيات الجائحة وغياب التعاون والإصلاحات الداخلية، ما قد يؤدي إلى "الفوضى الشاملة"، أو "الانفجار"، في ظل التوتر الإيراني السعودي، والإيراني الأميركي، وحصار قطر، وتفاقم أوضاع العراق واليمن وغيرهما.
العربي الجديد