2024-11-25 01:26 م

التوتر الأمريكى- الإيرانى يتصاعد.. هل يكون مضيق هرمز نقطة المواجهة

2020-05-21
شارلي ابي نادر
يتصاعد التوتر الأميركي الإيراني بشكل لافت، على خلفية حركة إيران التجارية البحرية مع فنزويلا، والتي تُترجم انتقالاً مرتقباً لعدة سفن محمّلة بالنفط الإيراني عبر البحر الكاريبي (بين سواحل فنزويلا وكولومبيا وبنما وكوبا). وحيث اعتبرت واشنطن أن هذه الحركة تتجاوز العقوبات التي تفرضها على كل من إيران وفنزويلا، وهدَّدت باستهداف السفن الإيرانية، يبدو أنَّ هذا التوتر مرشح إلى التطوّر الخطر، بما يشبه المواجهة العسكرية، حيث ردّت طهران بعنف وبتهديد أقوى على التّهديد الأميركيّ ضد حركتها البحرية المذكورة.

هذا التوتر بين طهران وواشنطن ليس جديداً، فهو يأتي ضمن مسار واسع من الاستهداف الأميركي لإيران، تمثل مؤخراً، بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، بفرضها على طهران سلسلة مؤذية من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية بقيت أحادية الجانب، لكونها لم تأخذ غطاء من مجلس الأمن، إنما استطاعت واشنطن أن تعطيها بعداً شبه دولي، بعد تنفيذها سلسلة من التهديدات والضغوط على أغلب دول العالم المتعاملة مع إيران.

من هنا، وحيث يأخذ التهديد الأميركي لحركة السفن الإيرانية في الكاريبي مستوى غير بسيط من الجدية، ولا يبدو أنه سيتراجع، وحيث إن إيران أيضاً تأخذ الموضوع بشكل أكثر جدية، ولا يبدو أنها سوف تتراجع، فكيف يمكن أن ينتهي هذا التوتر؟ وهل سنشهد مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين؟ وما هي الأبعاد المختلفة التي تحدّد هذا الاشتباك الخطير؟ 

من الواضح أن واشنطن، وفي مقاربتها لموضوع الحركة التجارية البحرية الإيرانية نحو فنزويلا، عبر التهديد بمنع وصول أي سفينة إيرانية إلى فنزويلا، تسعى إلى أهداف سياسية واقتصادية من ضمن مناورتها المستمرة باستهداف إيران، وهي ترمي من وراء ذلك إلى إخضاع طهران سياسياً، بعد أن تنجح في خنقها اقتصادياً.

وحيث تعتبر واشنطن أن طهران ليست في موقع القادر على المواجهة، إذ لا تملك الأخيرة توازناً في القدرات العسكرية معها، حيث المواجهة العسكرية ستكون الفاصل عند أي تطور دراماتيكي للأمور، وخصوصاً في البحر الكاريبي القريب من واشنطن جغرافياً، والبعيد عن إيران، فإن الأخيرة، ومن خلال موقفها الرافض بشراسة للتهديد الأميركي، قاربت الأمر عبر اتجاهين، الأول من خلال مقاربة قانونية واضحة، إذ أظهرت، ومن خلال حركة دبلوماسية وإعلامية مركزة كيف يرعى القانون الدولي حركة انتقال السفن التجارية عبر أعالي البحار، وأظهرت أيضاً مخالفة الأميركيين لهذا القانون في إجراءاتهم الزاجرة المرتقبة، والاتجاه الثاني من خلال ردها الحاسم على التهديد الأميركي، عبر تهديد واضح بأنها سوف تأخذ كل الإجراءات التي تؤمن لها حماية حقها المقدس في الدفاع عن سيادتها ومصالحها القومية. 

لناحية المقاربة القانونية 

يرعى القانون الدولي، ومن خلال اتفاقية البحار تحديداً، حركة السفن عبر أعالي البحار أو ما تسمى بالمياه الدولية. وحيث يحفظ هذا القانون خصوصية المياه الإقليمية، وخصوصية المياه الاقتصادية الخالصة لكل دولة ذات سيادة، فإنه، واستناداً إلى المادة 17 من قانون البحار، يسمح لكل دولة بالمرور البريء في تلك المياه (الإقليمية والاقتصادية) للدول الأخرى، على أن يكون مروراً لا يهدد تلك الدول صاحبة المياه الإقليمية، ولا يضرّ بأمنها واقتصادها وسيادتها.

النقطة القانونية الأخرى التي يرعاها القانون الدولي وقانون البحار، تحددها المادة 37 منه، التي تسمح لجميع السفن بحق المرور العابر الذي لا يجوز عرقلته إذا كان يحترم القانون الدولي. كما تعتبر المادة 87 من القانون نفسه أن منطقة "أعالي البحار"، والتي هي عملياً غير المياه الإقليمية أو المياه الاقتصادية الخالصة لأي دولة ساحلية قرب منطقة العبور، منطقة مفتوحة لجميع الدول، ساحلية أو غير ساحلية.

ويفَصِّل القانون هنا أكثر حول ما هو مسموح لجميع الدول ضمن المرور العابر في أعالي البحار، بذكره حرية الملاحة البحرية، وحرية البحث العلمي، وحرية إقامة الجزر الاصطناعية، وحرية وضع كابلات وخطوط وأنابيب ومدها. والأهم جاء في المادة 89 من القانون المذكور، ويتعلق بعدم الجواز لأي دولة شرعاً بأن تدّعي إخضاع أيّ جزء من أعالي البحار لسيادتها.

لناحية المقاربة العسكريّة 

استناداً إلى مقاربة إيران القانونية المذكورة أعلاه، والتي من المفترض أن يتحدد على أساسها موقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن، من الطبيعي أن طهران سوف تبني قرارها بالمواجهة بعد الوقوف بشكل واضح على قرار الأمم المتحدة حول الموضوع.

وحيث لا غطاء قانونياً للتحرك العسكري الأميركي ضد سفنها، إذ إن إجراء واشنطن بفرض عقوبات أو بمنع تحرك سفن تجارية إيرانية في أعالي البحار، هو موقف أحادي لا يحظى بشرعية قانونية دولية، ويدخل عملياً من ضمن سياسة البلطجة الأميركية المعروفة تجاه من لا يرضخ لسياساتها من الدول، هنا يمكن أن تذهب طهران، وفي حال تنفيذ واشنطن لتهديدها ضد سفنها في البحر الكاريبي، نحو القيام بتنفيذ إجراء بحريّ مرشّح إلى أن يتطوّر إلى عمل عسكريّ، وذلك بحسب التالي: 

ما دامت منطقة الخليج، ومضيق هرمز بالتحديد، النقطة المركزية للمناورة الإيرانيّة بمواجهة الضغوط والتعديات الغربية عليها، وخصوصاً الأميركية، وحيث يعتبر الممر المائي المذكور الأكثر أهمية بالنسبة إلى الغرب، أولاً لحركة النفط العالمي وتجارته ونقله، وثانياً كممر إجباري لانتقال أغلب القطع البحرية العسكرية الغربية من وإلى الخليج، وحيث يعتبر أيضاً نقطة النفوذ والانتشار الحساس والقوي لوحدات حرس الثورة الإيراني، والمكلفة حماية مصالح وأمن إيران عبره وفي محيطه، فإن الرد الإيراني الأكثر احتمالاً سوف يكون في مضيق هرمز، وعبر المناورة المتدرجة التالية: 

أولاً: منع السّفن التجارية الأميركيّة بالتّحديد من الانتقال عبر المضيق، في رد مماثل للاستهداف الأميركي المرتقب لسفنها التجارية في الكاريبي.

ثانياً: مع تطوّر المواجهة وتصاعد التوتر بعد منع السفن التجارية الأميركية من عبور المضيق، سوف تتصاعد الإجراءات الإيرانية نحو منع السفن العسكرية الأميركية من العبور، ولاحقاً مع تطور المواجهة، وخصوصاً مع احتمال اتخاذ المجتمع الدولي موقفاً ضد إيران وضد القانون الدولي في الوقت نفسه، سيتم إقفال المضيق، أولاً عبر إجراءات قطع تمنع مرور السفن كافة، ولاحقاً عبر إجراءات عسكرية يمكن أن تتدرج من وضع زوارق مشتعلة على كامل عرض الممر، لتتطور إلى نشر ألغام بحرية لتشديد منع العبور، ويمكن أن يتطور الأمر إلى استهداف أي سفينة تخرق قرار إقفال الممر بصواريخ موجهة. 

هذه المناورة الإيرانية المرتقبة ليست بعيدة عن الواقع، وخصوصاً لو تعرّضت سفنها لأيّ اعتداء في الكاريبي. وحيث لا خيار لإيران حينها إلا المواجهة، والتي سوف تحاول بداية أن تحصرها في مضيق هرمز، تبعاً للمناورة المذكورة أعلاه، فإنَّ شرارة المواجهة الواسعة في المنطقة لن تكون بعيدة حينها، وستكون مفتوحة على كلّ الاحتمالات، بسبب البلطجة الأميركية التي سوف تتحمّل إدارة الرئيس ترامب شخصياً مسؤوليّة عواقبها وتداعياتها الخطرة والحسّاسة عالمياً.
(الميادين)