2024-11-29 08:46 م

الأردن في مرحلة الانتقال بين نظامين دوليين

2020-05-18
بقلم: صفاء بطاينة
في مرحلة الانتقال العالمي من النظام الدولي ثنائي القطبية إلى نظام التعددية القطبية الذي نرى إرهاصاته حاليا، مرت دول العالم بتغيرات تعكس مراحل هذا الانتقال البطيء. وكدولة صغيرة تابعة، يتأثر الأردن بهذا الانتقال. في مرحلة النفط في سبعينات القرن الفائت، كان الأردن يعيش فترة استقرار مزدهرة نسبياً اعتماداً على المساعدات الخليجية ووظائف الأردنيين العاملين في الخليج. إلى أن بدأت الظروف الدولية والإقليمية تتغير وانخفضت أسعار النفط وتراجعت تحويلات المغتربين وقلّت المساعدات مما اثر بشكل مباشر على اقتصاد مكشوف كالاقتصاد الأردني. وبدأت الأزمات الاقتصادية تشتد في الأردن في ثمانينيات القرن الفائت وانتهت بأزمة اقتصادية حادة أدت إلى انهيار سعر صرف الدينار.

لم تكن هذه الأزمة الاقتصادية محلية الأسباب بل كانت انعكاسا لعوامل خارجية وهي التي كان لها دائماً الأثر الأكبر على الأردن مقارنة بالعوامل الداخلية. كان الاقتصاد دوماً معتمداً على الخارج خاصة مع المرحلة النفطية، وانتهاء مرحلة التنمية المحلية قبلها بعقد. وكان الأردن في عهد الملك حسين يقوم بادوار إقليمية تجعل أي تغير سياسي على المستوى الإقليمي مؤثرا بشكل مباشر على الأردن سياسياً واقتصادياً، من القضية الفلسطينية إلى الحرب العراقية الإيرانية. وهما اللذان كانا صاحبي الأثر الأكبر في تلك الأزمة الاقتصادية. في عام 1982 كانت هناك مبادرة أمريكية لإقامة حكم ذاتي في الضفة الغربية مرتبط بالأردن مما دفع الملك حسين لتمويل مشاريع تنموية في الضفة الغربية لعدة سنوات تمهيداً لاستعادة الضفة الغربية من منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي شكل إرهاقا للاقتصاد الأردني دون أن يأتي بالنتيجة المرجوة، فلقد ردّ ياسر عرفات على هذه المبادرة بإطلاق الانتفاضة الفلسطينية وانتهت أحلام الملك بالضفة الغربية مما اجبره على قرار فك الارتباط الإداري والقانوني معها عام 1988. كانت هذه الخسارة واحداً من العوامل التي ادت إلى الأزمة الاقتصادية بالإضافة إلى انتهاء الحرب العراقية الإيرانية الذي اثر سلبا على قطاع النقل في الأردن وهو كان مزدهرهاً خلالها.. فكان إضراب سائقي الشاحنات في مَعان بعد رفع أسعار المحروقات وتضرر عملهم هو المقدمة المباشرة لـ"هبة نيسان" الشعبية عام 1989. كما استاءت أجهزة الدولة البيروقراطية من فشل سياسة الملك حسين الخارجية، وانتهى كل ذلك الى عملية "التحول الديمقراطي"، وإطلاق الحريات، وإعادة الحياة الحزبية.

كانت عزلة الاردن الاقتصادية في مطلع التسعينات من القرن الماضي وتفاقم الازمات المعيشية والفشل السياسي الإقليمي هي العوامل التي أجبرت السلطات على تقديم تنازلات للمجتمع في موضوع الديمقراطية، ليشارك في تحمل تلك الاعباء. لكن "التحول الديمقراطي" ظل تحت سيطرة النظام والأجهزة البيروقراطية وأفرغ من مضمونه. صحيح ان الحياة البرلمانية عادت لكن هذه المرة بشكل مضبوط من قبل الأجهزة الأمنية للدولة.

كانت تلك هي الجولة الأولى من "المرحلة الانتقالية" في الأردن التي حاول فيها النظام إصلاح نفسه من خلال بعض التدابير الديمقراطية التي لم تصمد وانتهت إلى برلمان هزيل ونظام انتخابي رديء، هو نظام الصوت الواحد الذي أفرغ الانتخابات النيابية من المضمون السياسي تماماً و ساهم في تفكيك المجتمع.

ومع نهاية تلك الجولة في آخر القرن الفائت، بدأت مرحلة جديدة، في ظل وعود "السلام" و"الرخاء" في المنطقة. وجرى التخلي عن البيروقراطيين وتسليم إدارة الدولة لمن وصفوا بالليبراليين الجدد. قامت هذه المرحلة على بيع وخصخصة ملكية الدولة من مؤسسات وشركات وأراضي، وتحرير الأسعار ورفع الدعم وتفكيك المؤسسات الحكومية وإنشاء هيئات موازية وبديلة غير خاضعة لسلطة البرلمان، وتعديلات دستورية تمثل تراجعا عن المكتسبات الديمقراطية آنفة الذكر. واتسمت هذه المرحلة بالفوضى في الأفكار والسياسات والمشاريع. فنظام الاقتصاد النيوليبرالي لم ينجح بارساء منظومة رأسمالية مستقرة ومتطورة تكنولوجيا كما كان يروج، بل تخللته أزمات اقتصادية ومجتمعية وإضرابات ومظاهرات وحركات احتجاجية مختلفة، عمالية ومناطقية وشعبية، وصارت مؤسسات الدولة مترهلة ومفككة وغير قادرة على أداء الخدمات العامة بالكفاءة السابقة. كما بدت القوى الحزبية والشعبية ضعيفة.. وعلى ذلك استقرت العزلة السياسية التي تعكس فشلاً في إدارة العلاقات الخارجية من جهة، ورغبة دولية بالضغط على الأردن لتمرير مشاريع دولية. وتبدو هذه المرحلة موشكة على الانتهاء.

فهل ستقود المرحلة التالية أجهزة الدولة البيروقراطية، الأمنية والعسكرية، وهي الوحيدة المنظمة على الساحة والتي احتفظت بشيء من قوتها وتماسكها ودورها، على الرغم من عوامل الضعف التي لحقت بها؟ ولاسيما وأن النظام العالمي بأكمله يتغير ويبدو منتقلاً بخطى واضحة المعالم من الثنائية القطبية الى تعددية الاقطاب.

السفير العربي