السيد الرئيس
في نظرة تحليلية ومعمقة للمشهد السوري بشكل عام وبكافة تفاصيله السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، نستطيع القول أن جملة من التحديات الكبيرة تتكاثر بسرعة في طريقكم لاتقل أهمية وليست أقل خطورة، إنْ لم تكن أخطر من مراحل بعينها تدركونها جيداً مرت فيها يوميات الحرب في سورية وعليها، استطاعت الدولة السورية التعامل معها وانتهت إلى ماانتهت إليه من تثبيت لركائز الدولة، التي أُريد لها أن تضعف بل وتُسحق ولايقوم لها قائمة، وبعيداً من سلوكٍ هنا أو إدارةٍ لمرحلة هناك خلال الأزمة، كان من الممكن اتخاذ تدابيرَ أفضل وأنجع، لكن لا فائدة الآن من الخوض في حديث قد فات عليه الوقت.
التحديات الحالية هي مختلفة في الشكل والمضمون عن كثير من أشكال الاستهدافات الأخرى، لأن خصوم الدولة السورية أو محور بعينه، باتوا يدركون ماهو الأساس الذي استطاعت فيه الدولة البناء عليه، وما أفرزه من تموضعات واصطفافات في المنظومتين الإقليمية والدولية، من هنا بات التعويل على الداخل السوري، لجهة تشديد العقوبات والحصار الاقتصادي علّه يأت بالمأمول ويؤسس لانفجارات اقتصادية واجتماعية كبيرة وعنيفة، من هنا كانت مفاضلتكم الأخيرة بين الجوع الذي نهايته الموت المؤكد، وبين المرض " كورونا" الذي لاتعني الإصابة به الموت المؤكد، هي مفاضلة في محلها، أسست لما سميتموه الانفتاح المضبوط، لأن من يُدرك مامعنى أن يُحاصر الفرد في لقمة عيشه يعي تماماً جملة الأمراض الاجتماعية والسلوكيات المنحرفة عندما يُستهدف القوت بالنسبة للمواطن.
السيد الرئيس
حكومات متعاقبة مرت وأنتم في سدة الرئاسة منذ العام 2000 حتى يومنا هذا, أغلبها وأغلب أعضائها ولاسيما في المواقع الاقتصادية والخدمية، ولا نقول الكل " لأن التعميم لغة الحمقى" ، كانت نتائج سياساتهم غير مرضية على الإطلاق، والأهم هو في غياب الصورة الرادعة التي أساسها مبدأ المحاسبة لأي مقصر، وأنتم لطالما أفردتم جلسات وندوات وخطابات عن مكافحة الفساد وأشرتم في أكثر من مناسبة أن لب المشكلة تكمن في القانون الذي يستطيع الفاسد أن يجد مخرجاً للتغطية على فساده، لكن ثمة أمر مهم أيضاً، أنه ولا تشكيل حكومي خلى من سياسة " تدوير الأشخاص" ونقل الوجوه ذاتها من وزارة لأخرى ومن مؤسسة لمؤسسة أخرى، وكان قراركم الأخير بإنهاء تسمية وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك هو عين الصواب وفي محله " وإن جاء متأخراً" ونأمل أن بكون " الحبل على الجرار"، ولاسيما بعدما ماوصلت إليه أوضاع السوق، والسياسات الاقتصادية إلى ماوصلت إليه من تدهور كبير ومخيف، لكن تبقى مشكلة التغيير الحكومي تفتقر إلى روح الحلول الجذرية فذات الوجوه ملّها وسئمها الناس وكأن البلاد تخلو إلا منهم، وهنا يسأل البعض هل كل الأسماء التي استلمت حقائب وزارية هي سيئة وفاسدة، الجواب بالتأكيد لا، فأمثلة عدة على شخصيات وصلت لمواقع القرار، لكنها لم تبقى فيها طويلاً، حاصدة ذات الفشل الذي يفرزه المسؤول الفاسد، إذاً ثمة عائق يحول دون تحقيق الحالة المثالية جراء وصول الشخص المناسب، سمّها يد خفية، نافذة، عميقة، والمسميات كثيرة، هذه اليد هي الأساس في كل الفشل الحاصل على المستوى الحكومي، وإيصال البلد إلى ماوصل إليه وبتنا نتحدث عن " واقع لا يُطاق" كما يقول كثير من السوريين، هذه اليد لازال هناك متسع من الوقت" ولكنه قليل" لبترها وقطع دابرها، ونقول قليل لأن(سيف النتائج قد يسبق سيف التدخل)، فالتحدي الحاصل اليوم لايمكن الحد من تطاوله، مالم يكن أساس العمل وطينته وجوهر التعاطي معه مستند للداخل السوري، وضرورة إعادة بناء البيت الداخلي السوري على أسس متينة وقوية، لأن قوة أركان البيت الداخلي هو من يعين الدولة على ممارسة وتحمل مسؤولياتها القومية والوطنية، وهو الأساس في تصفية سيناريوهات الإلهاء عن تحمل هذا الدور.
((سياسياً وميدانياً))
كما تعلمون أن سورية وفق منظومة التحالفات التي صاغتها اقليمياً ودولياً ،استطاعت إسقاط مشروعات كبرى وسيناريوهات مرعبة خلال سنوات الحرب، وأنتم تدركون أن السياسة تحمل في طياتها جملة من المتناقضات، وتغيّرٌ في بنية التحالفات وفق ماتحدده المصالح وهذا أمر طبيعي، وماميّزكم عن الخصوم هي هذه الجزئية تحديداً، فبنية تحالفكم مع الجمهورية الإسلامية وروسيا، كانت أمتن بكثير من بنية تحالفات الخصوم، والمنطق الاستراتيجي في التحالف ، من الطبيعي أن ينتصر لأطرافه في حال الأزمات والحروب، لأنه ينظر للاستهداف كمنظومة كلية وجسم واحد مُشّكل لهذا التحالف وليس بصورة مجتزءة، وفي سياق ذلك كان التدخل الروسي والإيراني بدهياً في الجغرافية السورية ، إدراكاً من منظومة هذا التحالف للأبعاد المتقدمة التي كان يُراد لكرة النار في سورية أن تصل إليها، وتدركون وتابعتم ماقاله مؤخراً المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري عن خروج كل القوات الأجنبية من سورية، مستثنياً الجانب الروسي كأساس للوصول إلى حلول سياسية توافقية.
كما تعلمون إن التواجد الإيراني في سورية هو الشغل الشاغل لهم، وكان في كل سنوات الحرب، العقبة الرئيسة في طريق الحل السياسي في سورية ،وكيف دأبت إسرائيل على اعتداءاتها على سورية، ولما تقول أنه استهدافٌ لمواقع إيرانية أو شحنات أسلحة لحزب الله، ولاشك أنكم بالإصرار ومنطق التحالف الاستراتيجي وبعد تسع سنوات، كانت النتائج جليّة لجهة إفراغ كل محاولات الاسرائيلي وضغوطه على روسيا لتحقيق ذلك، على قاعدة أن من طلب رسمياً دخول قوات إلى أراضيه هو وحده من المفروض أن يحدد وقت خروجها وبطلب رسمي، لكن ذلك لن يطول بحسب كل المعطيات والمؤشرات والمعلومات التي من المؤكد أنها تصلكم وتحللون كثيرا من المشاهد بهذا الخصوص، وتحديداً مايرد من الإعلام الإسرائيلي الذي هو مرآة لكل مايحدث داخل مؤسسته الأمنية.
في السياسة لاوجود للثوابت بشكل مطلق ودائم ولاسيما في مواجهة ذات طابع دولي ، وأنتم قلتم فيما يتعلق بخصمكم اللدود رجب طيب أردوغان، أن مصافحته ممكنة، ان كان في ذلك مصلحة لسورية، ولو أن ذلك الفعل سيثير الاشمئزاز بالنسبة لكم على المستوى الشخصي كما وصّفتم ، وأيضاً قلتم للرئيس بوتين في زيارته الأخيرة للكنيسة المريمية، وعندما طلب منكم دعوة الرئيس ترامب، بأنكم جاهزون لذلك.
في تصريح لوكالة تسنيم الإيرانية العام الماضي، قال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، أن إيران حققت أكثر من 90% من أهدافها في سورية، وكذلك بات واضحاً ماتدفع له موسكو وتحاول استيلاده من توافقات مع الجانب التركي لحسم ملف ادلب، وتالياً إنهاء الملف السوري بالكامل، وهي أي ادلب عائدة " سلماً أو حرباً" ،وبالتأكيد ليس على قاعدة ماكان يردده سيء الذكر عادل الجبير عندما كان يطالب برحليكم سلماً أو حرباً، وهنا ثمة من يطرح ويتساءل لجهة أن تحقيق الأهداف من المفترض أن يؤسس لواقع وتواجد ميداني مختلف. السيد الرئيس تحديات المرحلة القادمة هي تتطلب مشهدية مختلفة في التعاطي أساسها الصلب هو الداخل السوري، مشهدية تفرض في ماهيتها سياسة " إنهاء وقائع" والتأسيس عليها لتشييد وإطلاق سياسة بناء حقيقية، بناء سياسي لاضير إن كان أحد أعمدته أو طوابقه " مرونة سياسية" ، وبناء اقتصادي من المهم ان تكون أحد أعمدته وجوه جديدة وسياسات جديدة بعيداً من أية معوقات عميقة أو غير عميقة، وبناء اجتماعي حقيقي من المهم أيضاً أن يكون أساسه قرارات جادة على طريق لم الشمل، وتبييض السجون، و اعادة الصورة البهية التي تليق بسورية.
* كاتب صحفي فلسطيني روستوك - ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com