إدارة نادي كرة القدم “نيوكاسل يونايتيد” وجدت نفسها في مشكلة. لقد كان صاحب النادي مايك اشلي حتى الآونة الأخيرة متأكداً بأن صفقة بيع النادي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان مقابل 300 مليون جنيه إسترليني ستنتهي بالنجاح. كانت الأوراق جاهزة للتوقيع، لكن في حينه وصل ممثلون من منظمة “فير سكوير” التي تحقق في المس بحقوق الإنسان، ومن “أمنستي” أيضاً، وادعوا أمام مدير عام الدوري البريطاني الممتاز ريتشارد ماستريس، بأن الصفقة لا تتناسب مع المعايير للمصادقة على أهلية أصحاب الأندية لأن يكونوا أعضاء في الدوري البريطاني الممتاز.
في الرسالة التي أرسلتها “فير سكوير”، قيل إن محمد بن سلمان يمكن أن يستخدم قوته للتأثير على ناد آخر، هو “شفيلد يونايتيد”، الذي يملكه أمير سعودي آخر هو الأمير عبد الله، وأن سلوك بن سلمان يمكن أن يضر ببريطانيا دون علاقة مع مسألة إدانته. هذا الادعاء موجه بالطبع إلى تورط بن سلمان في قتل الصحافي جمال الخاشقجي في إسطنبول قبل سنتين تقريباً.
ممثل المنظمة، نيكولا ماكغين، قال في مقابلة مع الـ “بي.بي.سي” بأن مجلس الشيوخ الأمريكي قرر بالإجماع بأن بن سلمان هو المسؤول عن قتل الخاشقجي. وأشار المحقق الخاص في الأمم المتحدة إلى دور بن سلمان في عملية القتل. “إن بن سلمان يملك سيطرة كبيرة على الأمير عبد الله، ونعرف أيضاً أنه استغل قوته لابتزاز أمراء آخرين دون علاقة بالعلاقات العائلية بينهم”، قال ماكغين. وحسب قوله: “نعرف العلاقات المقربة لبن سلمان مع ولي عهد دولة الإمارات محمد بن زايد، صاحب نادي “مانشستر يونايتيد”، والحديث لا يدور فقط عن التأثير على نادي شفيلد”. إضافة إلى ذلك، يقف أمام بن سلمان ادعاء آخر يقول بأن شبكة التلفاز “بي.آوت” التي تبث عبر القمر الاصطناعي “عربسات” الذي تسيطر عليه السعودية، سرقت بث الدوري البريطاني من شبكة “بي. إن” القطرية، صاحبة امتياز بث الدوري في الشرق الأوسط.
وحسب استطلاع أجري بين مشجعي “نيوكاسل”، فإن نحو 96 في المئة من المستطلعين أيدوا الصفقة السعودية. ولكن بن سلمان لا زال بحاجة إلى مصادقة إدارة الدوري الممتاز التي طلبت من الإدارة الأمريكية في شباط أن تضع السعودية في “قائمة الرقابة” بادعاء أنها تشارك كما يبدو في قرصنة وسائل الإعلام. إزاء هذه الورطة يبدو أن صاحب نادي “نيوكاسل” قرر البحث عن مشتر آخر ويترك بن سلمان يبحث لنفسه عن ناد آخر.
بن سلمان بحاجة إلى نادي “نيوكاسل” كجزء من حملته لتحسين صورة السعودية، التي تشمل ضمن أمور أخرى، التصريح الذي سمح بسياقة النساء وقرار إقامة بنية تحتية ثقافية وترفيهية حديثة في المملكة، وقص أجنحة شرطة الأخلاق وزيادة عدد المهن التي يمكن للنساء العمل فيها. ولكن هذه الخطوات لا تنجح حتى الآن في تليين موقف الكونغرس الأمريكي ضده، والتهديد بفرض عقوبات وسحب القوات الأمريكية من السعودية طالما أنه يعتبر المسؤول عن قتل الخاشقجي وقتل عشرات آلاف المواطنين اليمنيين في الحرب المستمرة منذ خمس سنوات دون حسم.
الحديث يدور عن موقف يخترق الأحزاب ويتشارك فيه الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء، رغم دعم قوي من الرئيس ترامب لبن سلمان، ولكن ثمة حدود لهذا الدعم كما يبدو؛ ففي الشهر الماضي كشفت وكالة “رويترز” عن مضمون مكالمة هاتفية أجراها الرئيس ترامب بداية نيسان مع محمد بن سلمان، يهدده فيها بأنه إذا لم يقلص إنتاج النفط ويعمل على رفع سعره في السوق العالمية فسيجد صعوبة في منع الكونغرس من سن قانون لسحب القوات الأمريكية من السعودية. وخلال عشرة أيام توصلت السعودية وروسيا، وهما دولتان أدت المنافسة بينهما إلى انخفاض دراماتيكي في أسعار النفط، إلى الاتفاق على تخفيض كبير لكميات النفط التي ستسوق. الولايات المتحدة لا تحتاج النفط السعودي، ولكن ولايات استخراج النفط في أمريكا مثل تكساس وأوكلاهوما وداكوتا تضررت بصورة شديدة من انخفاض أسعار النفط وطلبت من ترامب التدخل. وليست هي فحسب، بل أيضاً إن الولايات عامة التي تنتج النفط من الصخر الزيتي وتساهم في تحرير أمريكا من الاعتماد على النفط العربي، ستضطر إلى بيع البرميل بـ 50 دولاراً من أجل الوصول إلى الربحية، والخوف المبرر كما يبدو هو أن روسيا والسعودية تعاونتا من أجل المس باستخراج النفط من الصخر الزيتي عن طريق تقليص أرباحهما.
التوتر بين الولايات المتحدة والسعودية لا يهدد بعدُ شبكة العلاقات ذات الـ 75 سنة بين الدولتين، ولكنه يزداد بالتحديد في فترة يغرق فيها محمد بن سلمان في أزمة اقتصادية من أصعب الأزمات التي عرفتها الحكومة في العقود الأخيرة. حرب النفط مع روسيا التي أضرت بمداخيل الدولة، وانضم إليها وباء كورونا الذي قلص الطلب العالمي على النفط وقلص حجم سوق النفط السعودية، شبيهاً بكل الدول المنتجة للنفط. في آذار هبط فائض العملة الصعبة في المملكة بـ 27 مليار دولار تقريباً – هذا تطور جعل وزير المالية محمد الجدعان يوضح بأن المملكة ستضطر إلى اتباع سياسة شد الحزام واقتراض نحو 50 مليار دولار من مؤسسات تمويل خارجية. شد الحزام هذا وجد تعبيره هذا الشهر عندما أعلنت الحكومة عن عدة خطوات، منها وقف زيادة غلاء المعيشة للعاملين في بداية حزيران، وتجميد عدد من المشاريع الكبرى، منها التي تشملها “رؤيا 2030” مثل إقامة مدينة المستقبل “نيوم”، ورفع ضريبة القيمة المضافة من 5 في المئة إلى 15 في المئة… وهي خطوة ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار دون دفع تعويض عنها.
صفعة مدوية تعرض لها محمد بن سلمان من صديقه محمد بن زايد، الحاكم الفعلي للإمارات، الذي أعلن على الفور بأنه لا ينوي رفع ضريبة القيمة المضافة، وفي ذلك أكثر من إشارة للمستثمرين بأنه من المفضل سحب استثماراتهم من السعودية وتحويلها إلى بلاده. في نفس الوقت أعلنت شركة النفط الوطنية “أرامكو” بأن أرباحها هبطت بـ 25 في المئة في الربع الأول من هذه السنة. وبهذا فإن لا يتوقع أن تحصل الحكومة من الشركة على الضريبة التي تستحقها بالحجم الذي أملته.
هذه القرارات الجديدة تشعل الشبكات الاجتماعية في السعودية التي ينتقد فيها المتصفحون الضرر المتوقع بالتحديد للطبقات الفقيرة “في الوقت الذي ينشغل فيه بن سلمان بحملة شراء نادي كرة قدم بريطاني بمئات ملايين الدولارات على حساب المواطن السعودي”. في حساب “تويتر “باسم “العهد الجديد” نشر كاريكاتور يظهر فيه بن سلمان وهو يعصر مواطناً سعودياً بعصارة يدوية. وفي حساب آخر في “تويتر” باسم “مستشار الأمير محمد بن نايف” (ابن عم محمد بن سلمان الذي اعتقل بتهمة الخيانة في آذار) كتب بأن “الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها السعودية هي نتيجة تراكم قرارات اتخذها بن سلمان منذ توليه الحكم”. صاحب الحساب لا يقلقه كما يبدو التوجيه الجديد الذي نشرته النيابة العامة الاقتصادية والذي بحسبه حظر نشر وثائق أو معلومات سرية، وأن المخالفين ينتظرهم عقاب يصل إلى عشرين سنة وغرامة تصل إلى مليون ريال. هذا التعديل لا يشرح ما هي المعلومات السرية وهل تشمل رأياً أو تحليلاً لوضع المملكة البائس.