2024-11-24 04:00 م

معركة تغييب العقل في زمن الوباء..

2020-05-04
إحدى أبرز الظواهر البشرية التي طفت على السطح مع انتشار وباء كورونا هي الخوف من العدو القاتل غير المرئي، وبالتالي التشبث بأي ذرة أمل أو شيء يدعو للطمأنينة، لكن هذه الظاهرة أبرزت معادلة أخرى، وهي المعركة بين العلم والبحث، وبين الارتجال الذي يصل أحياناً لدرجة مخيفة من التضليل القاتل، ولعل النموذج الأبرز هو ما يدور في الولايات المتحدة، حيث البؤرة الأكثر فتكاً للتفشي الفيروسي.

صحيفة الغارديان البريطانية نشرت اليوم الأحد، 3 مايو/أيار، تقريراً بعنوان: “الوباء أوصل حرب ترامب على العلم لنقطة الغليان، لكن لمن يكون الانتصار؟”، بمناسبة مرور ثلاثة أشهر على بداية تفشي وباء كورونا في الولايات المتحدة الأمريكية، وإصابة أكثر من مليون و160 ألف شخص وقتل أكثر من 76 ألفاً.

رئيس لا يحب العلم

التقرير الذي أعده إيريك بيلكينغتون، مراسل الصحيفة المخضرم من واشنطن، ذكر أن عدم اعتماد ترامب على العلم ليس وليد كارثة كورونا، بل هو نمط منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض، وانعكس في تعييناته للمناصب الرئيسية في إدارته.

وعلى سبيل المقارنة نجد أن الرئيس السابق باراك أوباما قام بتعيين خمسة علماء حاصلين على جائزة نوبل ضمن إدارته، و25 عضواً من الأكاديمية القومية للعلوم والهندسة والطب، وهم ما كان يطلق عليهم “فريق الأحلام”.

وقال جون هولدرين، وهو عالم بيئي من هارفارد وكان المستشار الإعلامي لأوباما خلال فترتيه الرئاسيتين إن “ارتجالات ترامب تمثل خطراً على الشعب الأمريكي”، مضيفاً أن “ترامب هو النموذج المعاكس تماماً لأوباما فيما يخص أهمية العلم، حيث لم يكن للعلم أي دور في تعيينات ترامب للمناصب العليا في إدارته”.

وجاء وباء كورونا ليجعل من ترامب الزعيم الذي يتطلع إليه الشعب الخائف من العدو المجهول بحثاً عن الطمأنينة، لكن القصة وتفاصيلها أظهرت معركة جانبية بين ترامب وارتجالاته وتصريحاته من ناحية وبين العلماء من ناحية أخرى.

المسؤولون في الصحة ضمن فريق ترامب

إحدى أبرز اللحظات المرعبة التي تُبرز الصراع بين ترامب من جهة وبين العلم من جهة أخرى، هي تلك الدقيقة التي تحدث فيها ترامب عن “حقن مصابي كورونا بالمطهرات”، وذلك يوم الخميس 23 أبريل/نيسان الماضي، وركّز التقرير على الانفعالات التي ظهرت على وجه الدكتورة ديبوراه بيركس، منسقة استجابة البيت الأبيض للوباء، التي كانت تستمع لترامب وهو يتحدث عن المطهرات، بينما اتسعت عيناها وتوترت تعابير وجهها، وبدت كشخص يعاني من الألم.

التعبيرات التي ظهرت على وجه بيركس مفهومة بالطبع، فهي عالمة في مجال مناعة الخلايا، لكنها ليست عالمة فقط، بل هي أيضاً تحمل منصباً رسمياً، أي أنها “دبلوماسية” تقيدها متطلبات المنصب، وبالتالي رفضت تماماً التعليق على ما قاله ترامب.


ثلاثة أشهر من الصراع

الولايات المتحدة سجلت أول حالة إصابة بالفيروس القاتل قبل ثلاثة أشهر، واليوم أصبحت البؤرة الأكثر فتكاً للوباء، ولا يبدو أن هناك مؤشرات على تراجع هذه الموجة، حيث سجلت أمس السبت 2 مايو/أيار، وفاة حوالي 3 آلاف أمريكي في ظرف 24 ساعة، وهو ما أطلقت عليه وسائل الإعلام “اليوم الأكثر دموية” منذ وصول الفيروس إلى الأراضي الأمريكية.

والآن يبدو أن التوتر السائد بين ترامب من جهة والعلماء من جهة أخرى قد وصل لنقطة الغليان، حيث أثارت تصريحاته عن حقن المطهرات حالة من انخفاض الروح المعنوية لدى العلماء، وصلت لدرجة اليأس عند البعض، بحسب التقرير، رغم قول ترامب إنه كان “يسخر”، لكن تصريحاته بالطبع بدت جادة تماماً.
وقالت جينا ماكارثي، المديرة السابقة لهيئة الحماية البيئية الأمريكية للغارديان، إن ترامب “يبذل قصارى جهده لتقويض دور العلم، في وقت للعلم والحقائق الدور الحاسم في المعركة (ضد الوباء)”، مضيفة “لقد وصلت الأمور لمستوى مخيف”.

ورداً على سؤال إذا ما كان ما يحدث يعني أننا نخسر معركة العقل والمنطق في زمن الوباء، قالت ماكارثي إنها تراهن على أن الأمريكيين سيرفضون الاستسلام للاعتداء الذي يشنه ترامب على العلم، مضيفة: “لقد كنت أشعر بالقلق من أن الناس لن يلاحظوا الهجوم الدائر، فهذه الأمور يصعب شرحها، حيث إنها ليست قضايا سياسية يمكن استغلالها عبر مقاطع فيديو قصيرة تتم مشاركتها، كما أن القرارات المبنية على العلم كانت دائماً أمراً محسوماً بالنسبة للأمريكيين، لكن هذه الحقيقة ببساطة لم تعد صحيحة”.

البيت الأبيض في مواجهة العلم

الاتهامات الموجهة لإدارة ترامب ليست مجرد مناكفات سياسية في عام الانتخابات، حيث تجرى الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ويسعى خلالها الديمقراطيون لاستعادة البيت الأبيض من خلال مرشحهم جو بايدن، فالمعركة ضد وباء كورونا -وهي المعركة التي يجب أن يقودها العلم وليس السياسة- أثبتت عدم اهتمام ترامب برأي العلماء.

ويقود المعركة حالياً مايك بنس، نائب ترامب، فيما كان يجب أن تكون القيادة لوزير الصحة إيزار، وهو ما كان محط انتقادات عنيفة، ونشرت رويترز تقريراً عن ذلك عنوانه “اختيار مربي كلاب سابق ليقود معركة الوباء”، ذكر مؤهلات بينس التي لا تزيد عن امتلاكه مزرعة ضخمة لتربية الكلاب.

وقد نشرت تقارير إعلامية متعددة حول ضيق صدر ترامب من إزار وأيضاً من الدكتور أنتوني فوتشي مدير معهد الحساسية والأمراض المعدية، بسبب مواقفهما غير المتحمسة لرفع إجراءات الإغلاق الاقتصادي قبل التوصل للقاح، أو على الأقل قبل التوصل لمعلومات كافية عن الفيروس تسمح بوضع خطط للوقاية منه وتقليل خطره حتى يتم التوصل للقاح، ووصلت الأمور إلى حد تفكير ترامب في إقالة إزار وفوتشي، لكن البيت الأبيض نفى تلك التقارير.

وفي لحظة أخرى كاشفة توضح مدى ثقة ترامب في أحكامه الخاصة على الأمور -أية أمور- وعدم الاستماع للعلم أو العلماء، أجاب ترامب على سؤال بشأن أيٍّ من المعايير سيعتمد عليه قبل أن يقرر موعد رفع إجراءات الإغلاق بسبب كورونا، بأن رفع يده اليمنى ووضع إصبعه على جبهته وقال: “المعايير هنا (داخل رأسه). هذه هي معاييري!”

هذه النظرة بالطبع ليست مفاجأة كشفتها معركة الوباء، فالرئيس الأمريكي معروف بآرائه الخاصة في كل شيء، وعلى سبيل المثال هو يعتقد أن “التدريبات الرياضية تضليل لأن الناس يولدون ولديهم كمية محددة من الطاقة مثل البطاريات”، وهو ما يعني أن تلك الطاقة ستقل أسرع لمن يمارسون التمارين الرياضية.

لكن رغم اليأس الذي يغلف بعض العلماء حالياً بسبب ترامب وموقفه من العلم، فإن هناك نظرة متفائلة من قطاع عريض من العلماء أيضاً يعتقدون أن الوباء نفسه -رغم شراسته والأرواح التي يزهقها- يمثل فرصة للعلم كي يستعيد ما فقده منذ وصل ترامب للبيت الأبيض، فالوباء لم يبرز فقط المعركة بين العلم والارتجال السياسي الترامبي، بل أظهر الحاجة الملحة لقيادة تعتمد على العلم في اتخاذ قراراتها، بحسب تقرير الغارديان.
(عربي بوست)