2024-11-29 02:55 م

هل يسير الأردن بعكس أوامر الطبيب فعلاً؟

2020-04-28
بقلم: فرح مرقه
يختم ملك الأردن مقاله المثير في صحيفة واشنطن بوست الامريكية بالقول “فيروس كورونا هو تهديد يواجه كل قائد حول العالم، ولكن إذا أردنا التغلب عليه، فعلينا أن نقوم بما قد يتعارض مع ما اعتدنا عليه، علينا أن نضع السياسة والسعي إلى الشعبية جانباً، كما يتعين علينا أن نقوم بعكس ما أمرنا به الطبيب، علينا أن نتقارب وأن نعمل معاً، ولمواجهة هذا التهديد الأوحد، علينا أن نوحّد هدفنا وتركيزنا لتصبح غايتنا بقاء وسلامة البشرية في كل مكان.”

هذه جملة قوية وصلبة، حيث الأردن الذي يسير على أوامر الطبيب “بالحرف” عادةً، يقول مليكه ان عليه ان يخالفها، وعلى ما قد تمنحه هذه الجملة من خوف وقلق بشكل التقارب البيني الذي يتحدث عنه عاهل البلاد، تحمل الجملة أيضاً كثيرا من الأمل الحذر، فالأردن “أطباؤه كثر” ويحتاج لإرادة بصلابة الجملة المذكورة للمضي قدماً.

منذ بداية أزمة الفايروس التاجي المعروف بكورونا المستجد، بدا الملك عبد الله الثاني وهو يتصرف بأبوّية ومحبة مع الدول العربية جميعا، فكان المبادر بالاتصال والتواصل والاطمئنان وبدأ ذلك بالامارات ثم السعودية ومصر وفلسطين والعراق ولاحقا قطر والكويت واستمرت القائمة، غير ان الدول المذكورة لم تبدِ كثيرا من التجاوب مع عمان في سياق “الاخوة والتكامل” وهنا يسجّل ذلك للأردن بالضرورة.

بالمقابل، يصل مقال الملك في اللحظة التي ظن فيها الجميع ان المحاولات يئست وانقضت، إذ يكتب الملك مقاله بعد مقال آخر مشترك نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، لكل من العاهل الأردني ورؤساء كل من ألمانيا فرانك-فالتر شتاينماير، وسنغافورة حليمة يعقوب، وإثيوبيا سهلورق زودي، والإكوادور لينين مورينو غارسيس؛ دعوا جميعا فيه لتحالف عالمي ضد كورونا.

في مقال واشنطن بوست يبدو ملك الأردن وهو يكرس الدعوة فيما اسماها “منطقته” والحديث عن الشرق الأوسط، وهو الامر الذي يحمل دعوة صريحة لتكامل كبير مع جوار الأردن، وفي منطقة باتت تجمع معظم الفرقاء وهي مهمة تبدو صعبة وشاقة، خاصة اذا لم يقدّم الأردن نفسه، ذاته فيها على انه “النموذج الحقيقي” لنوع من التكامل المحلي.

عمان تستطيع تكريس نفسها كمقرّ للتقارب، وقد تأمل الأردنيون كثيرا ان تكون كذلك من حيث انفتاح اكبر على سوريا وحتى على ايران، في وقت وضعت فيه الإدارة الامريكية العصي بكل دواليب التقارب ونجحت في نهاية المطاف، وهنا سؤال القدرة مجددا على مخالفة الطبيب.

إشكالية مقال الملك الحقيقية تكمن في انه لا يحمل على صعيد السياسات الداخلية الأردنية أي وعود، وهذا قد يكون مفهوما فالمقال اساسا نُشر في صحيفة خارجية، والملك في الداخل غرق في تفاصيل توجيهات مختلفة لا يبدو انها جميعا تجد طريقها للتحقق. ورغم النموذج الناجح فعلا في مشهد السياسات الأردنية مقابل الفايروس، الا ان البلاد قد تكون للأسف من أولى البلاد المقبلة على “المجاعة والفقر والبطالة” التي تحدث عنها المقال ذاته، نتيجة لعدة عوامل أهمها ان كل المسؤولين “تحت رتبة الملك” لم يتجرؤوا بعد على مخالفة أوامر الطبيب، ولا التلميح للمخالفة، ولا على الابتكار الحقيقي، ولا يزالون يعالجون إشكالات “فايروس غامض ومستعصي ككورونا” بدواء السعال الشهير في حقائب الأمهات الأردنيات.

الأردن ومثله كثير من دول المنطقة يعاني إشكالات هيكلية بنيوية في اقتصاده، اليوم وبعصر كورونا تتكشف هذه الاشكالات بصورة مستعصية ولا يمكن حصرها فقط في الهوة بين الأغنياء والفقراء، ولا حتى سؤال انتماء الأغنياء وثقتهم بالحكومة ومؤسساتها التي ظهرت في مبادرة كهمّة وطن، ولا أفكار الحكومة المعلّبة المتواصلة والتي تجعل مساعدات وزارة التنمية الاجتماعية المستندة في جزء كبير على صندوق همة وطن تصل لجانب من محتاجيها بصورة لا تشبع، كما لا تنحصر بمقدار الوظائف وعددها التي تبين انه بات من الضروري الاستغناء عنها ضمن مشروع إعادة هيكلة طموح وجريء.

الإشكالات المذكورة إضافة لاشكالات اجتماعية متعددة تتطلب حلولا جذرية وجريئة وتراعي إعادة انتاج الأردن الذي يعرفه الأردنيون واعتادوه- تماما كما ذكر الملك- بالتزامن مع الوصول لعلاقات بينية في العالم العربي والإسلامي ولاحقا العالم الكبير على أساس تقديم وأخذ، وتجربة داخلية ناجعة تؤسس وتساعد وتآزر أي تجارب خارجية، وليس العكس، فقد جربت عمان العكس مرارا وظهر ان الداخل المتهالك قادر على اهلاك الكثير من المبادرات الملكية والعلاقات التكاملية حين تغيب عنه الخطط والجرأة والانتماء الحقيقي.

المنحة الخليجية لا يزال صدى تبديدها يتردد في أوساط السياسة والاقتصاد، وكذلك الاعتماد على الجوار يذكره الأردنيون في الغاز المصري والنفط العراقي وغيرهما من الموارد التي لا تزال عمان تعاني اقتصاديا وفي ملف الطاقة تحديدا من اثار حسابات ما بعد انقطاعهما سابقا.

لهذا، وبينما تسير عمان فعلا بصورة تعاكس الأطباء وتتقارب مع جيرانها على طريقة “عميد الزعماء العرب” الملك عبد الله الثاني- باعتباره بات اكبرهم خبرة وفقا لذات المقال-، يبدو انه بات عليها ان تدرك ان الطريقة الوحيدة لفعل ذلك بقوة وعزيمة هي ان تتغير من الداخل وبالتزامن بصورة اكثر صحية، تتضمن قدرا اكبر من الحريات، و تفكيرا خارج الصندوق في مجالات الاقتصاد والابتكار وإعادة هيكلة قطاعها العام وشراكات اكبر مع القطاع الخاص مع الاستعداد لمقاومات اجتماعية وخطط لاحتوائها بصورة صحية ايضا. هكذا تستطيع عمان ان تفعّل خبرتها في التجاوز على الصعاب والأزمات، كما تستطيع بالاثناء ان تساعد جيرانها في تبني نهجا اكثر إنتاجية داخليا أيضا.

دعوة الملك هامة جدا والأردن يحتاج بالضرورة الانفتاح على جيرانه، ولكن من موقع قوة وليس من موقع حاجته لهم، والا سيكون ضمن من قرر تغيير الطبيب، حتى لا يأخذ الدواء وهنا لا ضمانات طبعا على الشفاء التام.

والله من وراء القصد.

كاتبة من الاردن مقيمة في برلين




رأي اليوم