2024-11-27 12:26 م

فيروس كورونا: هل هو "الاختبار الحاسم" لمنظومة الأمم المتحدة؟

2020-04-20
بقلم سايمون برادلي Simon Bradley

يضع الوباء حدود قدرات منظومة الأمم المتحدة على المحك، كما يقول الخبراء المتمركزون في كل من جنيف ونيويورك، وسط تحديات تأمين الاعتمادات التمويلية اللازمة، في ظل لعبة تبادل الاتهامات المستمرة بين الولايات المتحدة والصين.

 تحتفل الأمم المتحدة هذا العام، بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسها. غير أن ما كان يمكن أن يسجّل كعام للاحتفال بهذه المناسبة، تحوّل إلى عام للأزمة. ويصف الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش، الوباء بأنه "الأزمة الأكثر تحدياً التي واجهتها الأمم المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية".


وتلعب منظمة الصحة العالمية ومقرها جنيف دوراً رائداً في مكافحة الفيروس، وسط انتقادات، كان آخرها من قبل إدارة ترامب، بسبب موقفها تجاه الصين. كما هرعت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى للرد على تلك الانتقادات، في ظل عمليات الإغلاق، المفروضة من قِبَل السلطات.

وحتى الآن، وإلى حدّ كبير، أتت ردود أفعال الدول الأعضاء على الوباء من جانب أحادي لكل دولة، وبشكل واضح، التزم مجلس الأمن الدولي الصمت. ولأول مرة منذ بداية الأزمة، عقد المجلس مؤتمراً بالفيديو في 9 أبريل، صدر عنه لاحقاً، مجرد بيان يعبر عن دعم جهود غوتيريش والحاجة إلى تضافر الجهود وتوحيدها بين الدول.


وفي مقابلتين منفصلتين، مع كل من ريتشارد غوانرابط خارجي، الذي يشرف على أعمال الدعوة لمجموعة الأزمات الدولية في الأمم المتحدة في نيويورك، وتوماس بيرستكررابط خارجي، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في معهد جنيف للدراسات العليا، تم الوقوف على وجهات النظر، حول التحديات التي تواجه الأمم المتحدة في كيفية تعاطيها مع هذا الوباء. 

هل هذا الوباء يشكل حقاً "لحظة حاسمة"رابط خارجي بالنسبة للأمم المتحدة والنظام المتعدد الأطراف، كما أشار غوتيريش؟

ريتشارد غوان: لا شك أن هذا اختبار حاسم لأهمية وجدوى منظمة الأمم المتحدة في القرن الحادي والعشرين. إذا نجحت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في نهاية المطاف، في أن تعمل معاً من أجل احتواء الوباء، وإذا استطاعت وكالات الأمم المتحدة أن تلعب دوراً مفصلياً في تنسيق الجهود لإدارة المعركة للخروج من الأزمة، فسوف يكون ذلك بمثابة مثال ساطع لأهمية تعددية الأطراف في الوصول إلى برّ الأمان. وهذا مهم بشكل خاص للبلدان الضعيفة والفقيرة، والتي من المرجح أن تكون بحاجة، أكثر من غيرها من الدول، إلى المساعدة التقنية والاقتصادية لإدارة تداعيات كوفيد-19، ولكن إذا فشلت الحكومات في التنسيق فيما بينها وقامت باتباع نهج وطني مجتزأ للحد من انتشار المرض، فسيخلص الكثيرون إلى أن الأمم المتحدة لم تعد ذات جدوى. وقد يكون لذلك عواقب سلبية على التنسيق بشأن القضايا الأخرى، من قضايا التغيرات المناخية إلى قضايا حقوق الإنسان.

توماس بيرستكير: يبدو أن رد الفعل الأولي لمعظم البلدان كان إغلاق الحدود وإغفال الإشارة إلى اللجوء إلى النظام المتعدد الأطراف، وهذا ليس مفاجئاً إلى حد ما. وبالتأكيد، تواجه تعددية الأطراف لحظة الحقيقة، ولكن من السابق لأوانه تحديد العواقب المترتبة على تحركات الدول غير المنسقة فيما بينها؛ أعتقد أنه كلما كانت المعاناة كبيرة والعواقب وخيمة نتيجة عدم توحيد الجهود، كلما أدركنا أن العمل على المستوى الوطني المحلي فقط محدود ولا يلبي الحاجة. 

كيف تفسر تقاعس مجلس الأمن إزاء هذا الوباء؟ 

ريتشارد غوان: هناك رغبة من غالبية أعضاء مجلس الأمن في العمل على حل الأزمة، مع أهمية الأخذ بعين الاعتبار، أنه لا يمكن للمجلس ولا ينبغي له الحلول مكان منظمة الصحة العالمية في توجيه الإسهامات الصحية الدولية. ولكن على الأقل، ينبغي للمجلس أن يتعامل مع التأثير المحتمل للوباء على الاستقرار والأمن في مناطق مثل أفريقيا والشرق الأوسط، تماشياً مع دعوة الأمين العام لوقف إطلاق النار على الصعيد العالمي. إن السبب الرئيسي لفشلها في العمل هو هذا التوتر الحاصل بين الصين والولايات المتحدة؛ فالأمريكيون يصرون على أن أي قرار لمجلس الأمن بشأن الوباء يجب أن يشير صراحة إلى أصول نشأته في الصين، الأمر الذي لا يمكن لبكين قبوله. إن القوى الكبرى في العالم منغمسة في لعبة سخيفة في تقاذف الاتهامات في أوقات مصيرية بوجود هذه الأزمة. 

توماس بيرستكير: هناك تحفظات متأصلة في المجلس بألا تتجاوز لهجة التعاطي مع القضايا المطروحة، اللغة المتفق عليها وأن تحافظ على طابعها التقليدي قدر الإمكان. ومما يثير الاهتمام هو هذا التحفظ في المواقف من قِبَل الصين؛ فأصحاب القرار في الصين يسعون جاهدين، إلى حماية كل ما يتعلّق بسيادة الدولة، ويبدو عليهم القلق والتوتر إزاء توسيع تفويض المجلس حين يجري المساس بسلطة الدولة. أعتقد أنه بسبب الانتقادات الأمريكية الحادة للغاية، فإن الصين لا تريد أن تجد نفسها في الطرف الذي تملَى عليه قرارات مجلس الأمن، بما أن ليس لديها القدرة على تعطيل كل القرارات. لذا، فإن المسؤولين هناك متحفظّون للغاية. لكنها في الأساس لعبة تقاذف التهم بين الولايات المتحدة والصين، حيث تحاول الولايات المتحدة محاسبة الصين، مما يجعل تحقيق التعاون المتعدد الأطراف أمراً صعباً.وخارج إطار مجلس الأمن، ما هو رأيك في التفاعل الدولي مع الأزمة حتى الآن؟ 

ريتشارد غوان: كانت منظومة الأمم المتحدة بطيئة للغاية في الإلمام بحجم التحدي. حتى في منتصف مارس الماضي، لم يكن الكثير من مسؤولي الأمم المتحدة في نيويورك مدركين تمام الإدراك لكيفية تغيير الوباء لسياساتهم الاستراتيجية. لكن غوتيريش ومنظومة الأمم المتحدة بشكل عام، يستحقان الكثير من الثناء على تسريع وتيرة التعاطي مع الأزمة على مدى الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع الماضية. لقد أظهرت سلسلة البيانات التي أصدرها الأمين العام للمجلس، بشأن الجوانب الأمنية والاجتماعية - الاقتصادية للوباء، درجة من التبصر والوعي، أخفق الكثير من قادة الدول، وبشكل واضح، في الوصول إليها. وعلى مستوى العمل، أعتقد أن مسؤولي المساعدات الإنسانية وصانعي السلام التابعين للأمم المتحدة وغيرهم، يقومون بجهود حثيثة، لإيجاد الطرق الآيلة لتخفيف حدة هذه الفوضى. هناك انطباع بأن مسؤولي الأمم المتحدة يقومون، بشكل أفضل بقليل، من الدول الأعضاء بإدارة هذه الأزمة، ولكنهم ما زالوا في نهاية المطاف، بحاجة إلى الدعم السياسي والمالي من الحكومات لتخطيها.

قبل تفشي الفيروس، كانت الأمم المتحدة وميزانيتها العادية تمر بأزمة سيولة حادّة. ومع ركود عالمي يلوح في الأفق، هل ينبغي أن تخشى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، حدوث الأسوأ على صعيد التمويل ومساهمات الدول الأعضاء؟ 

توماس بيرستكير: النمط والتحدي للتعددية هو أن الدول الأعضاء تخفض مساهماتها في المنظمات الدولية. لقد شهدنا ذلك في جنيف مع أزمة التدفق النقدي في الأمم المتحدة. إن الأزمة المالية مستمرةرابط خارجي؛ وما يحتاج الناس إلى استيعابه، هو أن منظمة الصحة العالمية تعاني من نقص شديد في التمويل؛ فعندما تم تأسيس هذه المنظمة، كانت نسبة 100% من إيراداتها التشغيلية تأتي من مساهمات الدول الأعضاء، ولكن هذه النسبة اليوم هي أقل من 20%؛ ولذلك علينا أن نفهم القيود التي تخضع لها هذه المنظمات، وتحدّ من نشاطها.

ريتشارد غوان: أود أن أقول إنه من المرجح أن يجمع المانحون الأموال لعمليات الأمم المتحدة الإنسانية من أجل مساعدة البلدان المتضررة من كوفيد-19، في احتواء الوباء وإيقاف انتشاره. هذه المساعدات المالية ستسهم في القيام بتحركات واسعة النطاق تبعث الأمل عند الأشخاص اليائسين. إن الدول الغربية لا ترغب في مواجهة موجة نزوح جديدة من "لاجئي كوفيد" من أفريقيا أو الشرق الأوسط. لكن البلدان الفقيرة، على المدى الطويل، ستحتاج إلى المزيد من المساعدات التنموية لتخفيف وطأة صدمة كوفيد-19، تماماً كما تستثمر الحكومات المانحة كل سنت لديها في الداخل، وكما يخفض الركود العالمي في ميزانيات مساعدات التنمية الخارجية. أعتقد أنه في غضون ستة إلى 12 شهراً، من المحتمل أن نرى بعض المناقشات غير السارة في الأمم المتحدة، حيث تدعو البلدان الفقيرة إلى ضخ قدر كبير من المساهمات المالية للمساعدة في إعادة بناء ما دمّرته الأزمة، وتوضح الدول المانحة أن هناك القليل من الأموال، أو أن السيولة غير متوفّرة.

فيروس كورونا: التأثير على جنيف الدولية

في مقابلة حديثة مع صحيفة "تريبيون دي جنيفرابط خارجي"، حذرت مديرة مكتب الأمم المتحدة في جنيف، تاتيانا فالوفايا، من أن مشاكل التدفق النقدي للأمم المتحدة قد تفاقمت بسبب أزمة وباء فيروس كورونا. وقالت إن على الأمم المتحدة تخصيص نفقات إضافية للتعامل مع العواقب الناتجة عن الفيروس. من جهة أخرى، فإن هذه الأزمة تعني أن جميع أعمال التجديد لمبنى قصر الأمم التاريخي في جنيف، والمقدَّرة تكلفتها بـ 850 مليون فرنك سويسري، قد توقفت، الأمر الذي ستكون له تداعياته على التاريخ المحدد للانتهاء منها (والذي كان قد جرى تقديره قبَل الأزمة بـ 2024)، وكذلك على تكاليفها. 

إن مقر الأمم المتحدة ليس مغلقاً بالكامل ولكن معظم الموظفين يعملون من منازلهم، على غرار المنظمات الدولية الأخرى في جنيف. وقد اضطر كل من مؤتمر نزع السلاح ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى تعليق جلساتهما في القصر. كما تم إلغاء معظم المؤتمرات والاجتماعات الأخرى، مثل مؤتمر العمل الدولي. الجدير بالذكر أن جنيف تستضيف عادة 12000 مؤتمر واجتماع سنوياً.

SWISSINFO.CH