لا اعتقد أن الرئيس الأميركي ترامب بحاجة إلى تقوية وتعزيز إرثه السياسي والتاريخي كونه حفر اسمه عميقاً في تاريخ الشرق الأوسط، والحقيقة أن ترامب دمر الشرق الأوسط، لذلك ستبقى أجيال المنطقة على مدى أعوام طويلة تتذكر الدمار الذي خلفته الولايات المتحدة في حروبها وتدخلاتها المتكررة هناك والتي أدت إلى تفاقم المشاكل والعداوات وخلفت تشوهات عميقة تحتاج لفترة طويلة حتى تشفى.
جاء فيروس كورونا ليساعد ترامب ومن معه في حربه النفسية على أعدائه جميعاً، ظناً منه أن النصر عليهم بات قريباً، وشنّ ترامب حملة إعلامية وسياسية مدعومة بأبواق الشر ضد الصين، وتوقّع لها الكثيرون أن تنهار مع تفشّي المرض فيها بسرعة، وفق التضخيم الإعلامي الغربي الّذي جرّبناه في الحرب على سورية وفشل وانقلب السحر على الساحر! لكن الصين تصدت لفيروس كورونا، وهنا أخطأ ترامب الهدف ليضرب أهل بيته وبيوت أصدقائه في أوروبا.
من هذه الزاوية، فإننا عند إعادة قراءة الأحداث نجد أن أمريكا تكشف بتحركاتها عن وجهها التآمري على المستوى السياسي والمذهبي بأمر صهيوني، فتدخلت في العراق مطالبة بحقوق "أهل السنة"، ودعمت العمل المسلح في سورية انطلاقاً من قاعدة مذهبية ، والاستعانة بإمكاناتها للعمل ضد الحكومة في سورية، والانفصال عن إيران بتحريض مذهبي، ويعمل الحلف الأمريكي والإسرائيلي لإيقاع الصدام بينهما لتحقيق تدمير قوة الإسلام السياسي بجناحيه "السني والشيعي"، في تكرار للحرب الإيرانية - العراقية فضلاً عن إشعال الفتنة المذهبية بين "السنة والشيعة"، التي تمثل آخر حلقات الحرب الأمريكية.
كما يخطئ من يعتقد أن الرئيس ترامب آتٍ على رأس تحالف دولي من أجل القضاء على داعش في سورية، وتطهير البلاد من هذا التنظيم، لا أبداً! لأنها أنشأت داعش بديلاً عن القاعدة العجوز بعد أن استنزفتها وقامت بالدور الذي أسندته إليها، وصرفتها من الخدمة عندما خرجت القاعدة عن النصّ، وبالتّالي فإنّ هدف اللّعبة الجديدة لإدارة ترامب هي نشر الفوضى الخلاقة في المنطقة.
واليوم نعاني من تخبط سياسي وفشل إستراتيجي أمريكي، دفعت ثمنه الأمة العربية عبر تاريخها الطويل، من ثرواتها ودماء أبنائها ومواقفها القومية وثوابتها تجاه فلسطين، ما من مرة تدخّلت أمريكا في دولة إلا وعبثت فيها ومزقت مكوناتها وأثارت فيها الحروب والفتن، فأمريكا تغتنم الفرصة عند أية أزمة داخلية في بلد ما كي تحقق مصالحها وإستراتيجياتها، فالأزمات التي تواجهها العديد من الدول العربية حالياً، لم يكن لها أن تتفاقم وتتحول إلى ساحات للمواجهات الدموية وانتشار للأفكار التكفيرية والإرهابية، وإلى معاقل للمرتزقة، لولا يد أمريكا التي تجد عوناً لها في الداخل يعمل في خدمتها معتقداً أن أمريكا تحقق له مصالحه، ويغيب عن باله أنه مجرد أداة يتم استغلالها، وعندما تنتهي صلاحيته يتم التخلي عنه.
على الرغم من ذلك تدرك شعوب المنطقة جيداً أن نفوذ أمريكا أصبح في تراجع مستمر بسبب عدم قدرة واشنطن على تولي القيادة وتعزيز شعبيتها على مختلف المستويات في المنطقة، فقد رأينا إدارة ترامب في عدّة قضايا تصّعد ثم تتراجع دون حساب دقيق عند التصعيد أو عند التراجع، إذ فقدت أمريكا مصداقيتها عند حلفائها لا سيما ممن اعتمدوا عليها لحمايتهم وتحقيق مصالحهم، فامتلاك روسيا زمام المبادرة في الأزمة السورية، أو ما برز من أزمة أمريكية سعودية، أو أزمة تركية أمريكية، أو ارتباك السياسة الأمريكية تجاه ما يسمى بالربيع العربي في مصر وتونس أو في ليبيا واليمن، فضلاً عن اهتزاز علاقاتها بالدول الأوروبية نفسها، كل هذا دليل على عجز المخطط الأميركي من التقدم بسياسات مدروسة ومتماسكة.
وأختم بالقول إن السوريين لا يخشون الإرهاب، لأنهم شعب لا يهاب الموت وإن مشروع الإرهاب سيسقط لا محالة فيما ستبقى سورية صامدة رغم التآمر الأمريكي والغربي عليها، وستبقى سورية صخرة تنكسر فيها نبال الغزاة كما كان دائما تاريخنا، وباختصار شديد: إن المراهنين على تمزيق وحدة أبناء الإقليم السوري بأنهم واهمون والذين يراهنون على الغرب وأدواتهم لا يعرفون مصلحتهم لكن الكراهية والحقد الذي يغلي في صدورهم هو الذي يدفعهم إلى هذا الرهان.
khaym1979@yahoo.com