2024-11-29 08:39 م

الحرب في زمن كورونا

2020-04-09
بقلم: عادل سليمان
يستمر فيروس كورونا المستجد في هجومه الكاسح على البشرية للشهر الرابع، منذ ظهر في إحدى مقاطعات الصين، في أواخر العام الماضي، ثم انطلق عابراً الحواجز والحدود، معلناً حرباً حقيقية على سلامة كل البشر، وتحول الأمر إلى جائحة حقيقية، ألمّت بالبشر، وتساقط الناس بمئات الآلاف صرعى ذلك الفيروس، وعشرات آلاف منهم يقضون نحبهم، ولا تزال الجائحة تعم العالم، ولا يزال الضحايا يتساقطون كل ساعة. ويبدو أن العالم كله، وبكل ما حقق من تقدّم علمي وتكنولوجي، وبكل ما أنجز في عالم الطب، يبدو أن هذا العالم يقف عاجزاً أمام ذلك الفيروس، سواء في ما يتعلق بالتوصل إلى عقار للعلاج، أو لقاح ومصل للوقاية.

في هذه الأجواء، بينما يعيش العالم في زخم أحداث الفيروس القاتل وأخباره، مع صخب إعلامي هائل بشأن ما يجب، وما لا يجب، أن يفعله الناس في مواجهة الخطر، يخرج علينا ساسة العالم، ملوكاً ورؤساء ووزراء وحكماء وعلماء، ليعلنوا ببساطة أنهم لا يملكون سوى النصائح، ويطلبون من الناس الدعاء. ولعل ذلك يوضح حجم الكارثة التي تعيشها البشرية في زمن كورونا.
ونحن نعيش في أجواء الكارثة الإنسانية هذه، يخرج الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بنداء عاجل، يطالب فيه بوقف الحروب في مناطق النزاع في العالم، حتى تتسنّى للناس، في تلك المناطق، مواجهة الفيروس اللعين. من هم أطراف النزاعات، وأين مناطقها؟ وما هي القضايا محل النزاع، والتي تفوق، في أهميتها، مواجهة كارثة إنسانيةٍ، لا تفرّق بين أيٍّ من أطراف تلك النزاعات؟ ستأتي الإجابة على هذه الأسئلة، للأسف الشديد، صادمة لنا، في العالمين، العربي والإسلامي، فلم تعد في العالم كله مناطق صراع ساخنة سوى في منطقتنا العربية والإسلامية، وأطراف النزاعات فيها هم أهل تلك المناطق أنفسهم، أما القضايا محل النزاع، فهي صراعات على السلطة والثروة والنفوذ والحكم.
يكفي أن تلقي نظرة سريعة على المشهد الدامي في منطقتنا، لتكتشف مدى المأساة التي تعيشها "لم تعد في العالم كله مناطق صراع ساخنة سوى في منطقتنا العربية" شعوبنا. في أفغانستان، الأفغان يقتلون الأفغان، ويعقدون اتفاقات سلام مع المحتل الأميركي، وحركة طالبان تتفاوض مع حكومة كابول على أسلوب تبادل الأسرى "الأفغان". وفي العالم العربي، يزداد القتال في سورية حدّة يوماً بعد يوم. نظام بشار الأسد في دمشق مستمر، منذ تسع سنوات، في تدمير البلاد والعباد. حوّل سورية خرائب، واقترب عدد ضحاياه من القتلى من نصف المليون، ومن المهجّرين والنازحين، أكثر من أربعة ملايين نسمة، ويستمر السوريون يقتلون السوريين. وفي اليمن، والذي كان يُعرف قديماً باليمن السعيد، دخلت الحرب العبثية في عامها السادس، عرب من شبه الجزيرة والخليج يقتلون عرب اليمن، باسم التحالف العربي ودعم الشرعية، ويتمزق اليمن، ويستمرّ اليمنيون يقتلون اليمنيين. أما ليبيا، البلد الصغير، الغني بثرواته الطبيعية وموقعه المتميز، فقد انقسم إلى غربٍ تحكمه من العاصمة طرابلس حكومة وفاق وطني معترف بها دولياً، وشرق يسيطر عليه، من بنغازي وطبرق، جنرال متقاعد، مُنشق عن حكومة الوفاق، ويشن عليها حرباً مستدامة تهدّد العاصمة، والليبيون يقتلون الليبيين. العراق تتقاسمه المليشيات المختلفة، من حزب الله العراقي إلى الحشد الشعبي وعصائب أهل الحق وأذرع إيرانية متعدّدة، وحالة من الاحتقان الشعبي والفشل السياسي في تشكيل حكومة. والسودان لا يزال يسعى إلى المصالحة بين حركات المعارضة المسلحة في دارفور وشرق السودان وغيرهما، وحالة التوتر مستمرة، ولعل جديدها محاولة اغتيال رئيس الحكومة الانتقالية، عبدالله حمدوك، عندما تم استهداف موكبه في قلب العاصمة الخرطوم. ولا تزال العمليات الإرهابية تجري في عدة بلدان عربية، لعل أبرزها في شبه جزيرة سيناء، وفي تونس.
وبينما العالم يعيش زمن فيروس كورونا اللعين، والدعوات إلى تضافر كل الجهود البشرية للتعامل معه، سواء لتوفير وسائل الفحص والوقاية والتعقيم، أو للبحث عن وسائل علاج، أو لاكتشاف لقاح ومصل للوقاية، فإن عالمنا العربي مشغولٌ بالاقتتال الداخلي، فلا صوت يعلو فوق صوت الصراع على السلطة.
من يملك وضع حد لتلك الحروب العدمية، بعيداً عن دعوة أمين عام الأمم المتحدة، حتى لو وجهها مباشرة إلى العالم العربي، وحتى لو اجتمع مجلس الأمن الدولي، واتخذ قراراً بوقف تلك الحروب؟ الإجابة أن من يملك إيقاف تلك الحروب، أحد طرفين: الأول، الدول الداعمة، بالتحديد، الدول المورّدة للسلاح، وآلة الحرب لأطراف النزاعات، وهي دول العالم الأول ذات المصالح في استمرار الصراعات في المنطقة، فهل سيكون لفيروس كورونا تأثير على تلك الدول، يدفعها إلى تغيير مواقفها من الصراعات في المنطقة؟ الطرف الثاني الذي يمكنه، لو أراد، أن يضع حداً لتلك الحروب المدمّرة، شعوب المنطقة. إذا امتلكت إرادتها، فإنها قادرة على وضع حد للحرب في زمن كورونا.