بسبب فيروس الكورونا ،فإن حالة غير مسبوقة من الرعب والفزع تعم العالم بدوله المتقدمة والمتخلفة وباختلاف الأنظمة والحكومات والأيديولوجيات .الحكومات ترصد من الأموال لمواجهته أكثر مما أنفقت لمواجهة أي وباء أو كارثة طبيعية عبر التاريخ ،الاقتصاد العالمي يختل ويُصاب بحالة من الإرباك والخبراء الاقتصاديون فقدوا القدرة على التنبؤ الدقيق بالمستقبل ،فالصين مثلاً رصدت بداية ظهور المرض 163 مليار دولار لمواجهة الوباء وفي الولايات المتحدة الامريكية تم تخفيض أسعار الفائدة إلى ما يقرب من الصفر وتم الإعلان عن إطلاق برنامج تحفيزي بقيمة 700 مليار دولار في محاولة لحماية الاقتصاد من تأثير فيروس كورونا ،كل وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي لا حديث لها إلا عن الوباء وسرعة انتشاره وكيفية مواجهته ،دول تُعلن حالة الطوارئ والحجر الصحي وكثير منها عطلت المدارس والجامعات والمؤسسات العامة ،أغلقت كثير من الدول حدودها أمام حركة السفر والتنقل كما تعطلت أو تقلصت حركة الطيران والتنقل عبر الحدود ،الناس التزموا بيوتهم وحدّوا من الاختلاط حتى في المناسبات الاجتماعية من أفراح وأتراح ،وأصبح الاهتمام بمواجهته له الأولوية على كل المشاكل والقضايا الأخرى .
لسنا هنا في وارد الحديث عن الوباء في جانبه الصحي والطبي فأهل الاختصاص لم يقصروا في ذلك ،ولكن سنقارب الموضوع ثقافياً واجتماعياً وسياسياً في السياق العربي والإسلامي .فوسط عمومية المشهد المُشار إليه أعلاه برزت خصوصيات فيما يتعلق بمدى الاستعدادات عند الدول والشعوب لمواجهة حالات طارئة كوباء الكورونا وسرعة التجاوب مع الحدث وتحشيد الإمكانيات لمواجهته ونمط الثقافة الصحية في المجتمع والثقافة المجتمعية من حيث تفسيرها للوباء وكيفية التعامل معه ،وقبل أن نتحدث عن هذه الموضوعات في المشهد العربي والإسلامي سنتطرق باختصار إلى النموذجين الصيني والغربي :
1- ففي الصيني ،قد يكون لعامل السبّق في ظهور الفايروس في الصين وتحديداً في مدينة ووهان دور في نجاحها في الحد من الوباء نسبياً ،ولكن هناك أسباب أخرى يجب وضعها محل الفحص والتدقيق ،ومنها الإمكانيات والقدرات المالية حيث تتربع الصين على قمة الاقتصاديات العالمية ،أيضاً طبيعة النظام السياسي الشمولي المركزي والصارم في الالتزام بتنفيذ تعليماته ،كما أن القطاع الصحي تابع كلياً للقطاع العام وتتحمل الدولة مسؤولية مباشرة عليه ،أيضا الثقافة المجتمعية السائدة في كهذا أنظمة فهذه الثقافة كانت عاملاً مهماً في سرعة الاستجابة للتحدي وتجنيد كل الطاقات بتعاون وتنسيق وتفهم من كل المستويات الشعبية والمؤسسات العامة .
2- وفي أوروبا والغرب عموماً . فقد استهان الغرب في بداية الأمر بالوباء وأثار شكوكاً حوله متهماً الصين باتهامات شتى وصلت لحد الزعم أن الفيروس خرج من معامل صينية للأسلحة الجرثومية أو أن الصين تبالغ من خطورة المرض لأسباب اقتصادية الخ ،ولكن بعد أن انتشر الوباء في إيطاليا وإسبانيا وبقية الدول الأوروبية حتى وصل الولايات المتحدة ،شعرت الغرب بخطورة الأمر وسارع باتخاذ إجراءات وقائية مستلهماً التجربة الصينية ،إلا أن طبيعة الأنظمة الغربية الديمقراطية والمنفتحة على العالم والتي عندها حساسية تجاه أي إجراءات تحد من حريات الأفراد جعلت القدرة على مواجهة التحدي أقل مما هي في الأنظمة الشمولية ،إلا أنه في المقابل فإن الإمكانيات المالية الكبيرة ووجود الثقافة الصحية والتعاون والتنسيق على أعلى المستويات بين الجهات الصحية في هذه الدول ،كل ذلك عوامل مساعدة للحد من الوباء .
أما عندما نتحدث عن الموضوع في تجلياته في مجتمعاتنا العربية والإسلامية تبرز أوجه اختلاف وتبايُن تفتح جروحاً تتجاوز التقصير والإهمال في المجال الصحي إلى الخلل في مجال التفكير والثقافة في فهم وتفسير الحالة وأسلوب مواجهتها .
صحيح أن كل الشعوب التي ابتليت بالوفاء ابتهلت إلى الله طالبة العون ،حتى في الولايات المتحدة الأمريكية دعا الرئيس ترامب بتخصيص يوم للدعاء والصلاة للحماية من الوباء ،إلا أن المجتمعات ودولها لم تتوقف عند ذلك بل آمنت بأن الموضوع دنيوي محض ومواجهته لن تكون إلا من خلال العلم والعلماء .وهكذا وفي الوقت الذي تجندت فيه الحكومات الأجنبية مع شعوبها في مواجهة هذا الوباء مؤمنة بأن هذا الوباء من نتاج الطبيعة ومواجهته والوقاية منه تحتاج لجهود العلم والعلماء ،وجدنا عندنا مَن يُحيل الوباء للقضاء والقدر وأنه اختبار وامتحان للمؤمنين ،ومنهم من تجند للبحث في النصوص الدينية وأقوال السلف ما يدعم مزاعمهم بل ويبحث فيها عن العلاج لأن الإسلام في نظرهم ،من قرآن وأحاديث نبوية وأقوال السلف الصالح ،لم يترك شاردة أو وارة إلا وتطرق لها ! والعقلاء من المسلمين وإن لم ينساقوا مع التفكير الغيبي والتزموا الصمت واتخذوا متطلبات الوقاية إلا أنهم استمروا في حالة انتظار ما ستتمخض عنه جهود علماء الصين والغرب من اكتشاف لعلاج هذا الوباء .
بعد حين من الزمن قد يمتد لأشهر سيتم الحد من انتشار فيروس الكورونا ويتم اكتشاف العلاج والأمصال اللازمة بفضل العلم وجهود العلماء في الصين والغرب ،والعلاج الذي سيتوصلون له سيستفيد منه أيضا المسلمون بما فيهم رجال الدين والشيوخ وقادة الجماعات الأصولية ،كما استفادوا من كل ابتكارات الغرب من الأسلحة والمتفجرات التي يقتلون بها أبناء دينهم ويخربون أوطانهم ،واستعمالهم لوسائل التواصل الاجتماعي التي اخترعها الغرب ليبثوا من خلالها ويروجوا لأفكارهم ومعتقداتهم المُدَمرة ،إلى حبوب الفياغرا والمنشطات الجنسية ووسائل الحياة المرفهة التي تقوي قدراتهم الجنسية ،حيث لم تنفع الدعوات والصلوات في تقويتها ،ليقوموا بواجبهم في الزواج مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيمانهم .
المعاندة والمكابرة عند البعض من الجهلة في الدين كما في العلم ،وممن يبحثون عن الشهرة والتعيُّش من معاناة المسلمين وجهلهم لا يريدون الاعتراف بحقيقة أن كل الاختراعات والاكتشافات واشكال التحضر والتطور والحضارة خلال الألف عام الماضية على أقل تقدير كانت بفضل علم وعلوم الغرب ،وأن كل الأمراض والأوبئة التي عرفتها البشرية تم مواجهتها والقضاء عليها أو الحد منها بالعلم وبالعلماء ،علم الغرب المسيحي وعلمائه وبعلم وعلماء اليابانيين والصينيين والهنود ،وليس بعلم وعلوم الفقهاء ورجال الدين المسلمين ولا بالدعوات الصالحات .
ليس هذا مدحاً وتمجيداً بالغرب وعلومه أو بأصحاب الديانات الأخرى ، ولكنه اعتراف بالواقع والاعتراف لأهل الفضل بفضلهم في مجال العلم حتى وإن اختلفنا معهم سياسياً وعقائديا .
Ibrahemibrach1@gmail.com