2024-11-30 04:42 ص

ماذا لو أصيب ترامب بالكورونا؟

2020-03-15
بقلم: د. ميساء المصري

يبدو أن حكام العالم اليوم لن يمشوا بأمر الدستور، وإنما بأمر الدكتور، ولم يعد أحد يستحق أن نحمله على أكتافنا إلا “أنبوبة الغاز”، فهل العالم في يد أمينة أم في أصبع أمريكا أم على كف عفريت؟.. إذن دعونا نتحدث عن الفيل الغير متواجد في الغرفة.

رغم إعلانه حالة الطوارئ الوطنية في الولايات الأمريكية، وقف ترامب كعادته متطاوسا مغترا وأعلن أنه بصحة جيدة وغير مصاب بالكورونا قائلا (منذ أسابيع لم ألمس وجهي فأنا أفتقده). ممازحا الصحفيين حوله بسماجه وكذب مفضوح، وهو محاط برؤوساء كبرى شركات الأدوية في أمريكا، و بعد أسابيع من سخريته وإتهامه للديمقراطيين والإعلام الفاسد بتهويل أمر الفيروس المتهم، ليعقد مؤتمرين صحفيين خلال 24 ساعة و يظهر بقبعة أخفت معالم وجهه، معلنا أنه خضع لفحص الكورونا وبإنتظار النتيجة وربما هذه المرة لن تضطر نانسي بيلوسي لتمزيقها علنا.

ورغم أنني كإنسانة لا أتمنى الإصابة بضرر لأي أحد . لكن مشاعري إتجاه ترامب والنتن ياهو تبدو مختلفة، رغم إيماني المطلق بماهية السياسات التي تدير الدول لا الشخوص . وهنا أقف مسافة قصيرة جدا من سخرية العرب من هذا الفيروس الصغير النخبوي الذي أصاب نخب سياسية عدة من كل لون وشكل، لنحصر أنفسنا بزواية الأشخاص المصابين بالإكتئاب والإحباط، وهو إنعكاس لواقع مبكي، لأننا كشعوب نفتقد ممارسة الشفافية. وسخريتنا من واقعنا تعبير جبان عن الرفض والإحتجاج ونوع من أنواع الوعي المقنع.

   وبما أننا نتكلم عن الكورونا فنحن هنا نحتاج الى الأقنعة ؟  لنصبح أكثر تهريجا ونتماشى مع واقعنا لندرك بؤس المعنى فيه، خاصة و ترامب نفسه يدعو الجميع لأداء الصلاة، ليقف هو ومقتدى الصدر على نفس العتبة من أن إستجابة الله وحدها من تحمينا لعنة المرض، وربما ترامب بحاجة أكثر لدعاية صلوات الإنجليين لعل العالم يصدق أن أمريكا بريئة من لعبة الفيروس .

قبل كورونا كنا نغوص في أخبار محمود عباس ونتنياهو والصفقة المزعومة، ومسرحية الإنتخابات الإسرائيلية، و التطبيع الخليجي، ومأساة المسلمين في الايغور والهند ، ونظرية طلال أبو غزالة، وفلس المحروقات.  ثم إنهالت علينا الأخبار، إشتباه،حجر صحي، ثم إصابة، ثم يتماثل للشفاء، وعليكم العزل ولا للتجمعات او الصلاة أو إعلان الإسلام ؟؟؟ والغريب أن بعض الدول مازلت مصرة على خلوها من المرض خاصة العربية منها لم تُسجّل أي إصابة بالمرض في سوريا واليمن وغزة ، والإشاعات حول الوفيات في صفوف الجيش السوري أو الشعب اليمني بسبب كورونا لا أساس لها من الصحة، حيث هناك مليون سبب آخر يؤدي إلى الموت عند العرب– و التعذيب وحرية الراي ليس من ضمنها ؟؟

 فقد دخل فيروس كورونا المنطقة العربية الموبوءة أصلا، بعد ملاحظته إمكانية دخول أي شيء بسهولة. من الكوارث والحروب والصواريخ والصواريخ المضادة والميليشيات المدعومة من الدول والدول المدعومة من الميليشيات والصهيونية والجراد والكوليرا والنفايات النووية والصفقات والمؤامرات وغسل الأموال والمخدرات والدخان والسلاح وكارلوس غصن والمتجنسين ، أصبح دخول الفيروس لا يستدعي سوى إعلان حالة الطوارئ. لتخرج حكومتك عزيزي القارئ، وتقتصر مهامها في هذه الظروف على طمأنة المواطن أن الأوضاع تحت السيطرة وكل شيء على ما يرام ولا أحد يموت وعمره ناقص والطريق السليم هو عزلك عن كل ما يحيط بك ولا حول ولا قوة إلا بالله .

    أعود مرة أخرى لترامب المذعور على شعبه أو أصواته الإنتخابية بالأحرى، فهذا العام هو عامه المجيد، لحملة إعادة إنتخابه مرة ثانية، على الرغم من طبيعته الإستقطابية، أو ربما بسببها، دخل ترامب عام 2020 بوضع جيد رغم قرارات عزله السياسي، ليتنافس مع رجلين من البيض يبلغان من العمر 80 عامًا تقريبًا،  أحدهما تعرض لنوبة قلبية مؤخرًا، وآخر يعادي الصهيونية ويتهمها بإنتهاك حقوق الفلسطينيين مما يعني أن الرجلين مهددان بالإصابة بالفيروس .

ولهذا ينظر لإنتشار كورونا داخل أمريكا ليس بإعتبارها أزمة صحية تتعلق بإنتشار فيروس، ولكن أزمة سياسية و تهديد يواجه الأمن القومي . وإصرار ترمب على أنه بخير يجعله يبدو أكثر إهتمامًا بإعادة انتخابه من الصحة العامة. كما أنه يعلم مدى إنعكاس ذلك على حكمه إضافة الى أن أقوى حجة لإعادة إنتخابه هي الاقتصاد. لكن في حال إصابة ترامب فان الأمور ستكون مختلفة تماما.

 موقف ترامب وتغريداته تبين تخوفه من صورته الصحية أمام شعبه . وقد كان له حادثة مشابهة تتعلق بوجود تقارير عن إصابته بنوبة قلبية وفقًا للدايلي ميل، لكنه أخفى ذلك، و تفاخر بأن الأطباء أشادوا بلياقته البدنية أثناء الفحص، وقام بنشر صورة للتعبير عن “الصحة البومب”. قال ترامب ساخرًا في تغريدة ان الاطباء قالوا “لم نر قط قفصًا صدريا هكذا.. إنه رائع!”.  ووضع ترامب صورة لنفسه على شكل روكي المصارع ونشرها على توتير وأثار سخرية من تصرف غريب لرئيس دولة يتصرف كرعاة بقر .

 وهو نفس تصرفه ضد أوروبا الذي قال أنها فتحت أبوابها لدخول أي شخص حتى لو كان آتياً من بالوعة مجاري قذرة والجميع يعلم أن البلاليع تحتوي الحشرات والأمراض، ومن الطبيعي أن يصابوا بالأوبئة. أما الشعب البريطاني يتميز ببروده وعدم ميله للاختلاط والمشاركة في الاجتماعات العامة وهم بالكاد يلقون التحية على بعضهم ، ومن المستحيل إنتشار العدوى بينهم، وأن الحالات المسجَلة في بلادهم تعود لمقيمين أوروبيين امتنعت الحكومة البريطانية الرؤوفة عن طردهم .

وطالب بريطانيا ببناء جدار عال جداً يعزلها عن محيطها، على غرار ما فعل مع المكسيك ليمنع أي فيروس من التسلُّل؟؟؟؟.

وللمقاربة بعد أن أصدر قراره بمنع الأوروبيين من دخول أمريكا . قام متحف الشمع في أمستردام بالرد عليه بوضع كمامة على تمثال ترامب وطرده من المتحف إلى الشارع.

وربما هنا هو المعنى الأدق لحالته، فترامب لن يعلن إصابته بأي مرض مهما كان حتى لو رشح بسيط، فهو يكافح من أجل رئاسة ثانية رغم ما يعنيه ذلك من مقامرة أو ربما حتى لو وصل الحال للوفاة اذ لم يكن بجعبته اللقاح، ليكون فائزا وغير فائز بنظر شعبه.

في كلمة أخيرة أن الكون عموما مقبل على الكثير من الهزات العميقة التي ستهز العالم بأسره و نحن كعرب، و ليس هذا من باب التحقير أو الاستخفاف بل من باب الحرص على عالمنا العربي من هذه الحبكات في ظل عدم الأخذ بالأسباب لتطوير أنفسنا حتّى نضمن البقاء في عالم الغاب فيه البقاء للأقوى، و لكن أين نحن و قادتنا للأسف مازالت غير واعية بما قد ينجر عن هذه الأعاصير القادمة التي قد تقتلعنا من جذورنا بإعتبار أنّ أسمى هدف لديهم هو الحفاظ على كراسيهم حتى و لو فرطوا في سيادة دولهم و كرامة شعوبهم؟

كاتبة اردنية
الراي اليوم