2024-11-27 05:30 م

هكذا يضاعف رؤساء أمريكا أموالهم من دماء بلادنا

2020-02-19
نور علوان
تسقط في الحروب الكثير من الاعتبارات الأخلاقية والمعايير القانونية، حتى تكاد أن تخلو هذه الساحة من أي ملامح إنسانية أو محاذير دولية، ورغم أن اندلاعها لا يعد خبرًا سارًا في العادة، فإن بعض الأطراف تنتظر نشوبها، وفي أحيان أخرى، قد تُعجل وقت حدوثها، طمعًا بالمكاسب المادية وبصرف النظر عن التكاليف البشرية، إذ ينطبق ذلك في الغالب على السياسيين ورجال الأعمال والشركات التجارية التي تعمل في القطاعات الأمنية والعسكرية، وتوفر الأسلحة والمعدات الحربية، وغيرها المئات من الخدمات التي تتعلق بالحماية الأمنية.

إذا عدنا إلى الحرب العالمية الأولى، سنجد أن هناك 21 ألف مليونير وملياردير انضموا إلى قائمة الأثرياء في تلك الفترة، كدليل جزئي على أن الحروب والنزاعات التي تعيث في الأرض فسادًا وخرابًا، ينتفع البعض منها اقتصاديًا، حتى إن كانت فوائدها لا تجنيها إلا أقلية بسيطة، إلا أنها تُكسِب ذهبًا ونفوذًا غير عادي، ولذلك، لا يمكننا النظر إلى الأرباح التي تحققها هذه الصناعات دون الأخذ بالاعتبار تصاعد الاضطرابات والأنشطة العسكرية من حولنا، حتى إن الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور، اعترف بتلك العلاقة الطردية حين أشار إلى الضغوط التي تمارسها النخبة العسكرية على السياسة الأمريكية لاتخاذ قرارات أو إجراءات لا تفيد أحدًا غيرهم، وذلك حين قال في خطابه الوداعي:

"علينا أن نحذر (الحكومة الأمريكية) من اكتساب المجمع الصناعي العسكري لنفوذ لا مبرر له، سواء كان مطلوبًا أم غير مطلوب"، وهو الأمر الذي ظهر بوضوح في فترة إدارة جورج بوش الأب والابن للبيت الأبيض، وقد نلاحظه جيدًا أيضًا في وقتنا الحاليّ، فكيف تنتفع العائلات الحاكمة ودائرتها المقربة من الحروب والأزمات العقيمة؟

صفقات السلاح تجري في دماء أسرة بوش

حقق قطاع الصناعات العسكرية قفزة نوعية تحت قيادة جورج بوش الأب، وشهد ارتفاعًا لافتًا سجّل ذروته في عهد بوش الابن، وتحديدًا عقب هجمات 11 سبتمبر، وبناءً على المعطيات المتوافرة والتطورات المشهودة، يبدو أن صفقات السلاح تجري في دماء هذه العائلة منذ قرابة القرن، أي قبل أن يصل أحدهم إلى الرئاسة.
كانت البداية على يد والد جورج بوش الأب، بريسكوت شلدون بوش، المصرفي والسياسي الأمريكي الذي وُلِد لكل من صموئيل بريسكوت بوش وفلورا شيلدون. كان أبوه، صموئيل، يعمل مديرًا في شركة السكك الحديدية، ثم رئيسًا في إحدى شركات الصلب والحديد، وفي أثناء الحرب العالمية الأولى، غدا مسؤولًا حكوميًا عن التنسيق ومساعدة مقاولي إنتاج الأسلحة.
مهدت هذه الخبرة الطريق أمام ابنه، بريسكوت، الذي بدوره أصبح سيناتور مدينة كونيكتيكت خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن الامتياز الحقيقي الذي كان يمتلكه حينها هو إدارته لشركات مختصة في المقاتلات الحربية، مثل شركة "Dresser Industries" التي ألقيت قنابل حارقة على طوكيو وصنعت مضخات غازية لمشروع القنبلة الذرية.

عمل جورج بوش الأب في هذه الشركة لاحقًا، بفضل علاقات والده التجارية، وسرعان ما صار مديرًا كبيرًا فيها قبل أن تصبح لاحقًا جزءًا من شركة "هاليبرتون" للبترول، لكن بوش الأب لم يكتف بهذا القدر، وأسس عدة  شركات متخصصة في أعمال النفط والشحن والملاحة الجوية على مراحل مختلفة من سنوات حياته، ما مكنه من صنع اسمًا تجاريًا مهمًا في السوق، أدخله إلى نادي المليونيرية بحلول ستينيات القرن الماضي.

وبواسطته برزت عائلة بوش في المشهد السياسي كأول سلالة سياسية أمريكية تتعاون مع زعماء الشرق الأوسط، إذ كان أول من انجذب فيهم إلى ثروة هذه المنطقة النفطية حين شاركت شركته في إعادة بناء حقول نفط "باكو" على بعد مئات الأميال فقط من شمال العراق الحاليّ.

كما كان من الواضح أن بوش الأب صب كامل تركيزه على تجارة الأسلحة مع إيران والعراق والمملكة العربية السعودية وأفغانستان، ففي كل مكتب من المكاتب الحكومية التي شغلها، سواء كمدير لوكالات المخابرات المركزية (عام 1977)، أو كنائب للرئيس رونالد ريغان (1981-1988)، أو كرئيس للبلاد (1989)، دفع وكالة الاستخبارات المركزية للانخراط في شؤون المنطقة، كما شجع القتال فيها كي تصبح الوجهة الرئيسية في العالم لشحنات الأسلحة، ما فسر لاحقًا سبب وصف الديمقراطي رالف ياربورو له عام 1964 بـ"مستأجر الدول العربية".

"بيزنس عائلي".. كيف افتعلت وانتفعت أسرة بوش من الحروب؟

تبدأ القصة من تاريخ تأسيس مجموعة "كارلايل"، واحدة من أكبر وأهم عشر شركات مقاولات عسكرية في أمريكا، أنشأها اثنين من رجال الأعمال عام 1987، ولكن في ذاك الوقت كانت الحرب الباردة قد انتهت وتوقف معها سباق التسلح بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، ما أصاب سوق الأسلحة بالركود، وهو الأمر الذي لم يكن مبشرًا جيدًا لكارلايل التي وضعت قدمها للتو على أول الطريق.

لم تقبل كارلايل بهذا الواقع، فقررت الاستحواذ على شركة فيرتشايلد للصناعات الحربية والاستخباراتية، وفي تلك الأثناء "كارلايل" تقربت من بعض كبار المسؤولين السابقين والحاليّين في الإدارة الأمريكية، بهدف الاستفادة من نفوذهم واتصالاتهم القوية في الساحة السياسية، وكان من بينهم فرانك كارلوتشي مستشار دفاع إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان.
لم يكن اختيار كارلوتشي لهذا المنصب قرارًا عشوائيًا، لأن مؤسس "كارلايل"، ديفيد روبنشتاين، فكر مليًا بهذه الخطوة ورأى أنه ليس هناك أفضل من اختيار مدير وكالة الاستخبارات المركزية ووزير الدفاع لهذه المهمة، وهكذا، تحول كارلوتشي من مدير دفاع إلى مدير حرب وذلك عندما غادر مكتبه من البيت الأبيض عام 1989، وأصبح أول مدير تنفيذي سياسي، ولاحقًا رئيس مجلس إدارة.

ومن ذاك الوقت، بات كارلوتشي يُعرف بدوره في افتعال الانقلابات العسكرية المتتالية التي شهدتها القارة الإفريقية، حتى باتت الشركة التي سماها الصحفي الفرنسي، فرانسوا ميسان في كتابه "شبكة كارلايل: ممول الحروب الأمريكية"، لا تفصل الشأن السياسي عن شراهة رجال الأعمال في التهام المزيد من الأموال والأرباح.

انضم إليه آجلًا، بوش الأب، الذي عمل فيها عام 1993 كأحد أعضاء المجلس الاستشاري للشركة، وبدأ حينها بوش الأب في جلب مبالغ كبيرة واستثمارات ضخمة من المملكة العربية السعودية إلى مجموعة "كارلايل"، ومع ذلك كان الوضع المادي للشركة ضعيفًا ومتذبذبًا، ما دفعها إلى تسريح 20% من موظفيها، لكن أعمالها التجارية ازدهرت بعد فترة وجيزة من بدء الحروب في أفغانستان والعراق، إذ جنت الشركة أكثر من مليار دولار من العقود العسكرية الدفاعية، كما استمر هذا الحال إلى أن حدثت هجمات 11 سبتمبر التي كانت الدافع الرئيسي في نمو الشركة وأرباحها.

غنائم الشركات التجارية من الحروب

يروي خبير الشؤون السياسية والاقتصادية دان بريودي في كتاب "المثلث الحديدي" تفاصيل صفقات تجارية أجرتها الإدارة الأمريكية مع شركة كارلايل الاستشارية وكيفية تحقيق الأخيرة أموال طائلة من مجالي الأمن والدفاع، وفي أحد مقتطفات الكتاب، يذكر الكتاب كذلك أنه إبان فترة حكم بوش الابن، كانت كارليل مهيمنة على سياسات الدفاع والخارجية الأمريكية، وبعبارة أخرى كانت كارليل تدير حروب العالم آنذاك.

كما يُوضح كيف سعت كارلايل إلى كسب ود بوش الابن الذي كان مولعًا بنادي "رينجرز" لكرة القدم، واستمالته الشركة إلى صفها حين اشترت النادي، مما فتح باب البيت الأبيض واسعًا أمامها لاقتناص المزيد من المكاسب الاقتصادية ومحاباة العديد من رجال السلطة والدفاع، ومنهم بوش الأب ووزير الخارجية الأسبق، جيمس بيكر، وكولن باول الذي شغل منصب مستشار الدفاع في عهد بوش الابن.

يستحضر بريودي أيضًا بدايات هذا التناغم ما بين الحكومة الأمريكية وشركات الخدمات العسكرية، في خطاب سابق لبوش الابن، حين قال: "يحتاج الجيش إلى تسليح أفضل وتدريبٍ أفضل، لهذا سيتم زيادة ميزانية الدفاع بمبلغ قيمته 48 مليار دولار"، ورغم جميع الانتقادات التي تلقاها بوش بسبب هذا القرار، دخلت الميزانية حيز التنفيذ وذهب جزء منها إلى شركة "يو إن أي" التي اشترتها كارلايل قبل انتخاب الرئيس بسنوات معدودة.

وعلى ما يبدو نجحت السياسة الأمريكية في تمرير بعض المليارات لكارلايل، لكن في الخلف كانت السيناتور سينثيا ماكيني تقف بالمرصاد لهذه الخروقات، فقد كشفت عام 2002 دور كارلايل في السياسة الأمريكية وعلاقتها المباشرة ببوش الأب كطرف رئيسي فيها، كما أشارت إلى علم العائلة بما كان سيحدث في 11 سبتمبر إلا أنها لم تتصد للهجمات، من أجل تحقيق مصالح سياسية ومادية مشتركة بينها وبين كارلايل.

في نفس السياق، أشارت التقديرات إلى أن كارلايل التي لديها علاقات موثوقة بالعائلة ويعمل فيها الرئيس السابق بوش الأب بوظيفة كبير المستشارين، حصلت على عقود حكومية بقيمة 677 مليون دولار، كما حظيت بعقود أخرى عام 2003 بقيمة 2.1 مليار دولار، وإجمالًا، زاد إنفاق إدارة بوش على الصناعات الدفاعية والعسكرية بشكل غير مسبوق، ما يفسر الرابط بين الخلفية النفطية والتجارية التي تنتمي إليها العائلة، والعوامل التي جعلتهم من أثرى العائلات التي حكمت أقوى دولة في العالم.
بدأت الاتهامات والشكاوى بشأن علاقات عائلة بوش بمجموعة كارلايل بالطفو فوق السطح، ما أدى إلى إحداث تغييرات عدة، منها توقيف وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أحد برامج الصواريخ التي عادت لكارلايل بأرباح قدرت بـ270 مليار دولار، وصدور قانون يمنع استغلال الحرب، في محاولة "لحظر التربح والاحتيال من الأعمال العسكرية وجهود الإغاثة الإنسانية وأنشطة إعادة الإعمار التي تلي الحروب"، إضافة إلى استقالة بوش الأب من مجموعة كارلايل.

فقد دعا مجلس المراقبة القضائية المسؤول عن التحقيق في انتهاكات الحكومة وقضايا الفساد، الرئيس السابق بوش الأب إلى الاستقالة على الفور من مجموعة كارلايل، بعدما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن بوش الأب يعمل "سفيرًا" لشركة كارلايل التي تبلغ قيمة أصولها نحو 200 مليار دولار، منوهًا إلى سفراته المتكررة إلى منطقة الشرق الأوسط بالنيابة عن ابنه الذي كان رئيسًا للبلاد.

تعليقًا على هذه العلاقة، قال مؤلف كتاب "شراء الرئيس"، تشارلز لويس: "من دون شك أمر غير طبيعي أن يعمل والد رئيس الولايات المتحدة في شركات تصنيع السلاح وعقد صفقات مع حكومات ومستثمرين أجانب في الوقت الذي يتفاوض ابنه مع هؤلاء بوصفه رئيسًا للولايات المتحدة! إن الرئيس ووالده لا يمارسان معًا سياسة المصلحة الذاتية فحسب، بل هذه عملية مشينة ومثيرة للشبهات وتضر بمنصب رئيس الولايات المتحدة".

لم تؤثر هذه الحوادث كثيرًا على صورة بوش الأب عند الرأي العام، فمنذ وصوله إلى البيت الأبيض، كان صيته مرتبطًا بفضيحتين من الأعمال غير القانونية، أولهما علاقته بقضية إيران كونترا، أي حينما باعت إدارة الرئيس ريغان إيران أسلحة بوساطة إسرائيلية، على الرغم من قرار حظر بيع الأسلحة إلى طهران وتصنيف الإدارة الأمريكية لها عدوة وراعية للإرهاب. والثانية فيما يخص "عراق جيت"، وهي الوثائق السرية التي كشفت المساعدات الخفية التي قدمتها الولايات المتحدة وجيشها للعراق في حربها مع إيران خلال الثمانينيات دون استشارة حكومته.

شركة كارلايل ليست الرابح الوحيد

في كتاب آخر اسمه "أجندة هاليبرتون"، ذكر بريودي، أنه في "العقد الذي تلا حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران (1980-1988)، زاد عدد المتعاقدين والمستثمرين في الشركة بعشرة أضعاف"، حتى أصبحت هاليبرتون خامس أكبر شركة دفاع في البلاد خلال فترة التسعينيات، ثم صارت صاحبة أكبر العقود مع القوات الأمريكية في العراق. 

اتضح لاحقًا، أن الشركة المتخصصة في الخدمات النفطية التي ترأسها نائب الرئيس الأمريكي الجمهوري الأسبق جورج بوش، في الفترة من 2001 إلى 2009، ديك تشيني، حظيت بمعاملة خاصة وحصلت على 60% من جميع العقود الحكومية بسبب واسطة سياسية، في إشارة إلى علاقة تشيني بالرئيس الابن، كما تبعت هذه الادعاءات، اتهامات أخرى للشركة مثل المبالغة في أسعار الوقود الذي صدرته إلى الجيش الأمريكي في العراق. حيث فازت هاليبرتون بعقود في قطاعات مختلفة بالعراق، تزيد قيمتها الإجمالية على 8 مليارات دولار.

ومؤخرًا، عرض المؤلف والمخرج، آدم مكاي، تفاصيل هذه الصفقة التجارية في فيلم "النائب" قبل عامين تقريبًا، العمل السينمائي الذي قدم تشيني باعتباره واحدًا من أبرز الشخصيات السياسية الانتهازية لكثرة مغامراته العسكرية وتآمره في افتعال أكبر حملتين عسكريتين في التاريخ الحديث، وهما الغزو الأمريكي لبنما وحرب الخليج الثانية (1991) التي مُنح عليها ميدالية الحرية، وذلك، عدا عن كونه أحد أهم المسؤولين السياسيين الذين أيدوا حرب العراق ودفعوا بوش لارتكابها، على اعتبار أنه "قرار شجاع وصحيح"، كما صرح سابقًا. 

يضاف إلى ذلك، دعمه للحرب على أفغانستان ومهاجمته المستمرة لمنتقدي هذه الحملة العسكرية، وغيرها من المواقف التي تبين أن الحروب والنزاعات المسلحة كانت سببًا في تدفق الأموال إلى جيوبه، حتى إن البعض اعتبره الحاكم الفعلي للبلاد في تلك الفترة، على اعتبار أنه حكم أمريكا من الباب الخلفي للبيت الأبيض بحجة الحفاظ على الأمن القومي ودون أي اعتراض من بوش الابن.

كل ما سبق من أسماء، لا يلخص قائمة المستفيدين من الحروب في الشرق الأوسط بالكامل، فإجمالًا، منذ إعلان الحرب على الإرهاب في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، تضاعفت مستويات الأجور للمديرين التنفيذيين لأكبر 34 شركة دفاع، إذ ارتفع متوسط الأجور من 3.6 مليون دولار خلال الفترة 1998-2001 إلى 7.2 مليون دولار خلال الفترة 2002-2005، وفقًا لتقرير صدر في أغسطس 2006 بعنوان "تجاوز تنفيذ" من معهد السياسة في معهد واشنطن للدراسات. كما وجدت هذه الدراسة أن هؤلاء الرؤساء التنفيذيين جمعوا أموالًا تقدر بـ984 مليون دولار، أي ما يكفي لتغطية الأجور لأكثر من مليون عراقي لمدة عام.

يُذكر أن القانون الذي سُن لمنع التربح من الحروب لم يغير ممارسات شركات الأسلحة، وبقيت مصالحهم تلهث وراء السياسة الأمريكية لضمان استمرار الحروب، وتحديدًا في منطقة الشرق الأوسط التي شهدت في السنوات الأخيرة صراعات مع تنظيم الدولة الإرهابي "داعش"، في مناطق مختلفة من سوريا والعراق.

على سبيل المثال، عام 2011 وحده، سجلت شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية، أكبر شركة لإنتاج الأسلحة في الولايات المتحدة، أرباحًا بلغت نحو 2.7 مليار دولار أمريكي، نتيجة لتدخل الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط عسكريًا.

الرئيس المقاول

انتقد الرئيس الأمريكي الحاليّ دونالد ترامب سياسات جورج بوش الأب والابن في الشرق الأوسط في أكثر من مناسبة، بسبب أنشطتهم العسكرية المستمرة في المنطقة، وذكر مرارًا أنه يعمل على تقليل تورط الولايات المتحدة في تلك الحروب، ولكن وجهة نظر ترامب واعتقاده بأن الحروب الأمريكية لم تكن إلا كذبة اختلقتها الإدارة الأمريكية، لا تعني أنه لا يمتلك نفس العقلية التجارية الأمريكية، ما الدليل إذن؟

وعد ترامب منذ بداية حملته الانتخابية لرئاسة البلاد ببناء جدار على طول الحدود الممتدة بين أمريكا والمكسيك، مضيفًا أن الأخيرة ستدفع تكاليف تشييده، لكن بعد فترة من إعلان تفاصيل هذا المشروع، أظهر تقرير أصدره مركز الديمقراطية الشعبية بالتعاون مع مؤسسات أخرى عام 2017 أن شركات "وول ستريت" الكبرى ستستفيد ماليًا من سور الرئيس ترامب المقترح.

كما ذكرت قناة "سي إن إن" الأمريكية أن 300 شركة كشفت اهتمامها بالمشروع العملاق، إلا أن 4 شركات اختيرت فقط لتنفيذ هذه الخطة، وهي شركة "سترلينغ كونستركشن" و"كاديل كونستراكشن" و"فيشر ساند أند غرايفل" و"دي بي آي فيشر إندستريز" و"دبليو جي ييتس وأولاده"، واتضح لاحقًا أن الجدار الذي يزعم ترامب أنه سيحد من تدفق اللاجئين من دول أمريكا اللاتينية وبالتالي سيخفض من معدلات الجريمة والبطالة في بلاده، سوف يضخ أموالًا في جيوب أصدقائه المستثمرين.
علقت آنا ماريا أرشيلا، المديرة التنفيذية لمركز الديمقراطية الشعبية، على هذا الشأن، قائلةً: "كان من الواضح دائمًا أن الجدار الحدودي ليس له فائدة أو مبرر حقيقي، والآن أصبح من الواضح أنه يعمل على إثراء أصدقائه الأثرياء"، مضيفةً "تتسبب سياسات ترامب في خلق معاناة هائلة في مجتمعاتنا وقد حان وقت المحاسبة لتلك السياسات، بما في ذلك ترامب والشركات التي تستفيد من ظهور المهاجرين".

أثارت هذه التصريحات تساؤلات عن انغماس النخبة السياسية في البلاد بالمصالح المادية وما إذا كان ترخيصها للفساد سوف يستمر في التأثير على السياسات الخارجية للحكومة وتحركاتها، دون الأخذ في الاعتبار تبعات قراراتها بشكل إجمالي، وكذلك فتح هذا الملف تساؤلات جديدة عما إذا كانت شركات إعادة الإعمار في منطقة الشرق الأوسط لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بإدارة ترامب ورجالاته المقربين منه، إذ ليس بالضرورة أن تفيد النزاعات العسكرية قطاع الأسلحة والدفاع فقط، ففي الوضع الحاليّ، تتيح عواقبها أيضًا فرصًا اقتصادية لشركات البناء والمقاولات وكل ما يتعلق بمشاريع إعادة الإعمار والتنمية، أي المجال الذي يختص به رجل الأعمال والاستثمارات ترامب.

نون بوست