عبدالله كمال
في أحد مهرجانات الأفلام في العاصمة الصربيّة بلجراد، انطلقت فطيرة من وسط الجمهور الحاضر لتُصيب صانع الأفلام الفرنسي وأحد أشهر رموز تيار الفلاسفة الجدد، برنارد هنري ليفي، وذلك خلال عرضه لأحدث فيلم وثائقي أنتجه، والمعنوَن باسم «البشمركة»، عن الميليشا الكرديّة المسلّحة الناشطة في سوريا في السنوات الأخيرة، والتي تدربها إسرائيل.
لكن مثل هذه الحادثة ليست الأولى في مسار برنارد هنري ليفي الحافل، ومن المؤكّد أنّها لن تؤثّر بأي مقدار في حركيّته السياسية والفكريّة الاستثنائيّة، ونشاطه غير المحدود كمثقّف من طراز فريد، اختار الاشتباك بشكل كامل مع الواقع، والدخول في خضمّ الصراعات السياسيّة في كلّ أنحاء العالم تقريبًا، فالرّجل الذي ستجد بصماته في الصراع العربي الإسرائيلي، وفي الحرب ضد نظام القذّافي، والعشرية السوداء في الجزائر، والصراع الروسي مع جورجيا، وفي أفغانستان والشيشان، وغيرها من النزاعات، من المؤكّد أنّ الفطيرة التي ربّما لطّخت ملابسه الأنيقة، لن تُثنيه عن مواصلة مساره المثير للجدل.
حيثما اشتعلت الحرب.. لماذا يظهر «الفلاسفة الجدد» في مناطق النزاعات؟
ينتمي برنارد هنري ليفي إلى حركة «الفلاسفة الجدد»، وهم مجموعة من الكتّاب المفكّرين الفرنسيين ذوي الأصول اليهوديّة، الذين «ارتدّوا» عن الفكر الماركسي الذي اعتنقوه سابقًا ودافعوا عنه، ليعلنوا في مطلع السبعينيات تبرُّأهم التام، بل يكرّسوا العديد من كتاباتهم وظهورهم الإعلامي من أجل انتقاد الشيوعيّة، ووصفها بالفكر الشمولي، وأنّه لا فرق جوهري بينها وبين الفكر النازي.
أثارت هذه الأفكار حينها موجة من الجدل الكبير في الأوساط الثقافية الفرنسيّة، خصوصًا إذا علمنا أنّ موجة الشيوعيّة حينها كانت هي المسيطرة سيطرة كبيرة على المشهد الفكري والثقافي في فرنسا السبعينيات. السبب الرئيسي للعاصفة التي أوجدها «الفلاسفة الجدد» في تلك الفترة ترجع إلى أنّ هذا النقد للفكر اليساري لا يأتي من المعسكر الليبرالي كما جرت العادة، بل من أشخاص كانوا حتى وقت قريب ماركسيين شرسين، ومن جهة أخرى فقد أثارت الهالة التي طغت على «الفلاسفة الجدد» نوعًا من السمت «الهوليوودي»، من حيث مبالغتهم في التأنّق، والحرص على الظهور التلفزيوني المستمرّ، وعلى أغلفة المجلّات؛ ممّا جعلهم أشبه بنجوم الفن والسينما، على غير عادة الفلاسفة والمفكّرين الذين يميلون في أغلب الأحيان إلى العزلة وتجنّب الأضواء.
وإلى جانب برنارد هنري ليفي المولود في الجزائر والمترعرع في فرنسا، يضمّ هذا التيّار كلًّا من الكاتب أندريه جلوكسمان وآلان فينكلكراوت، وجميعهم من أصول يهودية. ويعرف عن هذا التيّار الفكري اشتباكه الشديد مع المجريات السياسيّة والتعليق على كل القضايا التي تشغل الرأي العام العالمي والفرنسي، وعدم الإغراق في التنظير البعيد عن الواقع، بالإضافة إلى تأييدهم التدخلات العسكرية الغربيّة في أنحاء العالم، ودعمهم غير المشروط لإسرائيل.
عندما يتحدّث «الفلاسفة الجدد» فإنّ العالم كلّه يستمع. وبفضل حضورهم الإعلامي المستمرّ، وقدرتهم على توجيه الرأي العام من خلال علاقاتهم مع دواليب السلطة والإعلام؛ يهدف هذا التيّار إلى تسليط الضوء على قضايا وملفّات بعيْنها، وفي العصر الذهبي للعولمة والليبرالية والفروقات الثقافيّة التي تتلاشى شيئًا فشيئًا بين مختلف البلدان والشعوب، لا يعرف «الفلاسفة الجدد» حدودًا لتدخّلاتهم ومحاولاتهم للعب دور في ميدان السياسة والحرب، فبالنسبة إليهم يبدو العالم ملعبًا واحدًا كبيرًا، بفُرص لا تنتهي من أجل دعم أجنداتهم الفكرية والسياسيّة.
فمن جبهات القتال مع ميليشيات الأكراد المسلّحة ضد «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، إلى محاولة تسليح المحاربين الأفغان الإسلاميين ضد الاتحاد السوفيتي في الثمانينيّات، إلى تعقيدات المشروع النووي الباكستاني وعلاقات الأخيرة مع كل من إيران وكوريا الشماليّة وليبيا، ليمتدّ أثرهم إلى المنطقة العربيّة، إذ ستجد آثارهم في «العشرية السوداء» في الجزائر، والحرب في ليبيا سنة 2011، بالإضافة إلى رهانهم الرئيسي المتمثّل في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
«الفلاسفة الجدد» والعشرية السوداء.. أقلام ملطّخة بالدماء
في سنوات التسعينيات شهدت الجزائر أحداث عنف شديدة الدمويّة، بعد إلغاء الجيش نتائج الانتخابات البرلمانية، إثر فوز «الجبهة الاسلاميّة للإنقاذ» لتدخل البلاد بعدها حربًا أهلية رهيبة. «الفلاسفة الجدد» لم يكونوا ليتركوا مثل هذا الحدث دون الإدلاء بدلوِهم فيه، خصوصًا بالنظر إلى النفوذ الفرنسي في الجزائر – المستعمَرة السابقة – بالإضافة إلى العلاقات الحميميّة بين بعض رموز هذا التيار وبين الجزائر؛ فبرنارد هنري ليفي مثلًا وُلد في مدينة بني صاف الجزائرية، أثناء عهد الاحتلال الفرنسي.
في سنة 1997م، والتي يمكن وصفها بأكثر سنة دموية مرّت على الجزائر منذ استقلالها بسبب العدد الجنوني للمجازر المتعاقبة التي شهدتها البلاد بشكل شبه يومي، زار برنارد هنري ليفي وأندريه جلوكسمان الجزائر ليطّلعا عن قرب على الوضع من الداخل حسب قولهما، وعلى الرغم من تقارير المنظمات الحقوقيّة التي أدانت النظام الجزائري حينها واتّهمته بالتورّط في هذه المجازر؛ عاد ليفي إلى فرنسا ليقود حملة إعلامية في الصحافة المكتوبة والمرئيّة من أجل تلميع السلطة الجزائريّة ونفي أي تورّط لها في المجازر التي كانت ترتكب بشكل شبه يوميّ، وإلقاء اللوم كُليًّا على الإسلاميين المتطرّفين، حسب قوله، في منافاة تامّة لتقارير منظّمات حقوق الانسان التي تدين النظام الجزائري لارتكابه انتهاكات جسيمة.
وفي خضمّ الضغوط العاصفة والانتقادات الدولية التي كان يعاني منها النظام الجزائري حينها، باتهامه بالتورّط في أحداث العنف وانتهاكات لحقوق الإنسان من طرف المنظمات الحقوقيّة، لعبت زيارة كلّ من برنارد هنري ليفي وجلوكسمان دورًا حاسمًا في تلميع النظام وتبرئته من الاتهامات التي تطاله، وفي توجيه الإعلام الفرنسي باتجاه الرواية التي تُفيد بأن الإسلاميين هم المسؤولون الوحيدون عن المجازر التي تشهدها البلاد.
فقد صرّح جلوكسمان للصحافة الفرنسيّة حينها بأنّه «من السخيف القول بأننا لا نعلم من يقوم بالقتل، جميع الصحافيين الأحرار يجمعون على أن الإسلاميين المتطرّفين هم من يقتلون». بينما كتب ليفي مقالًا تلميعيًّا للنظام الجزائري يُلقي فيه اللوم على «الإرهابيين الإسلاميين» في ارتكاب المجازر التي تشهدها البلاد، مبرّئًا السلطة من أيّ مسؤولية.
ويُنتقد الفلاسفة الجدد على أنّ موقفهم من النزاعات والتمرّدات المسلّحة ليس واحدًا في جميع البلدان، ففي الوقت الذي أيّدوا فيه النظام الجزائري أثناء الحرب الأهلية في التسعينيات؛ سارعوا إلى طلب تدخّل عسكري في ليبيا أثناء اندلاع الاحتجاجات ضد نظام القذّافي سنة 2011م، بل كان لهم الدور الأكبر في هندسة تدخّل «حلف الناتو» لإطاحة العقيد القذّافي.
لا شكّ أن برنارد هنري ليفي هو أهم شخصيّة في تيّار «الفلاسفة الجدد» وأكثرهم تأثيرًا في الساحة السياسية والثقافية الفرنسيّة، إذ عادة ما تلقّبه الصحافة بـ«أهم مثقّف في فرنسا». الحركيّة الاستثنائيّة لبرنارد هنري ليفي جعلت وسائل الإعلام القريبة من الأنظمة العربيّة تصفه بأنّه «عرّاب الربيع العربي»؛ بسبب ظهوره المريب في بلدان الثورات، وحتى في جبهات القتال. فمن ميدان التحرير في مصر إلى جبهة القتال مع قوّات الليبية المناوئة للقذّافي، إلى حشد الدعم لقوّات «البشمركة» الكرديّة خلال معاركها مع «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش)، بالإضافة إلى حادثة زيارته في تونس بعد الثورة، والتي أحدث جدلًا كبيرًا واحتجاجًا على الزيارة؛ ممّا دفع الأمن التونسي لإخراجه من الباب الخلفي للمطار وترحيله إلى فرنسا في اليوم التالي؛ راهن برنارد هنري ليفي على الربيع العربي، ليكون حسبه بداية التغيير الذي طال انتظاره في العلاقات بين البلدان العربيّة وإسرائيل.
لكن أكبر تأثير لعبه برنارد هنري ليفي، وقد يكون الأكبر خلال مسيرته في عالم السياسة، كان هندسته للحرب الغربية على نظام القذّافي من خلال إقناع الحكومة الفرنسيّة ثم «حلف الناتو» بعد ذلك للتدخّل العسكري في ليبيا سنة 2011م؛ ممّا جعل صفة «عرّاب الحرب في الربيع العربي» تلتصق به، وترتبط صورته في وجدان الكثيرين بصور الحروب والدمار أينما حلّ وارتحل.
استطاع برنارد هنري ليفي خلال وقت قياسي اختراق «المجلس الانتقالي الليبي» الذي قاد الحرب ضد نظام القذّافي من خلال سفره إلى مدينة بن غازي في الأيام الأولى للانتفاضة ضد نظام القذافي، وأقام بسرعة «صداقات» مع قيادات المجلس الذين وعدهم بتوفير الدعم والاعتراف من طرف السلطات الفرنسيّة، وهو ما حدث بالفعل من خلال استغلال علاقاته الشخصية المتينة مع الرئيس الفرنسي حينها نيكولاس ساركوزي من أجل إقناعه بقيادة الحملة العسكرية على النظام الليبي، والاعتراف بـ«المجلس الانتقاليّ» ممثّلًا للشعب الليبي، كما تكفّل ليفي بمصاريف الوفد الليبي الذي التقى ساركوزي وأقام مؤتمرًا صحافيًّا في فندق «رافاييل الفاخر»، ويعلّق على كل هذا بقوله: «إنّها هديّتي للشعب الليبي».
ليظهر ليفي بعدها في العديد من الصور والاجتماعات مع قياديين في المجلس الانتقالي، ومع الثوار المناوئين للقذّافي، ثم جنبًا لجنب مع الرئيس ساركوزي عندما ألقى «خطاب النصر» في مدينة بني غازي الليبية، بعد القضاء على القذّافي في سبتمبر (أيلول) 2012م، كما ظهر في جبهات القتال، وهذه العادة – أي التقاط الصور عالية الجودة في مناطق النزاع – التي يعشقها هنري ليفي، إذ تضفي عليه صفة الرجل الشجاع الذي لا يهاب المخاطر والحروب، ويشتبك في مختلف النزاعات الحربيّة منها والفكريّة، من أجل الدفاع عن قناعاته، وخدمة المشروع الصهيوني، كلما سنحت الفرصة.
لكن «هديّة» برنارد هنري ليفي للشعب الليبي اتّضح فيما بعد أنّها لم تكن مجّانيّة، إذ كشف كتاب تحقيقيّ عن برنارد هنري ليفي عن أن هذا الأخير قد أطلع رئيس الوزراء الإسرائيليّ على أن «المجلس الانتقالي الليبي» مستعدّ للاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، وقد تسرّبت هذه القضيّة للصحافة؛ ممّا دفع بممثّلي المجلس حينها نفي هذا الأمر، لكن هذا المشروع الذي يسعى إلى دمج ليبيا ضمن البلدان المطبّعة مع إسرائيل استمرّ حتى بعد انتهاء مرحلة «المجلس الانتقالي الليبي»، وعاد إلى الحياة مجدّدًا بعدها بسنوات مع الجنرال خليفة حفتر،ط؛ إذ أشارت العديد من المصادر الصحافيّة عن وجود تنسيق بين قوّاته وبين إسرائيل في الجنوب الليبي، وبالتالي فإن استراتيجية «ليفي» في اختراق الساحة الليبية قد أتت بثمارها، ولو بعد حين.
راهن ليفي على أن الثورات العربيّة ستمّثل التغيير المنشود بالنسبة له الذي طال انتظاره في العلاقات بين البلدان العربيّة وإسرائيل، من خلال إسقاط النخب العربية الحاكمة، والانتقال إلى مستوى آخر، وتصوّر أن التيارات الجديدة التي ستصل إلى السلطة بعد إسقاط الأنظمة ستعقد علاقات أقوى مع إسرائيل بلا شكّ، وصرّح في أكثر من ظهور إعلامي بأنّ الربيع العربي «مفيد لإسرائيل».
«فن الفلسفة هو فن الحرب» كانت هذه العبارة هي شعار الموقع الإلكتروني الشخصي لبرنارد هنري ليفي، وهي التي تختزل الكثير من أفكار الرجل ونشاطاته التي لا تهدأ. لكن من أين يأتي برنارد هنري ليفي بكلّ هذه الأموال ليموّل مصروفات رحلاته ومشروعاته وتدخّلاته التي غالبًا ما تنتهي بإنتاج كتاب أو فيلم وثائقي حول حرب ما في جهة ما من العالم؟ ففي النهاية فإن العلاقات والصداقات وحدها لا تدفع الفواتير. تعدّ أسرة هنري ليفي من أغنى الأسر اليهودية في فرنسا، وقد تحصّل برنارد الابن على ثروة طائلة من خلال ميراث والده الذي يملك استثمارات في قطاع الخشب، وقد قدّرت بعض المصادر ثروة العائلة بأكثر من 400 مليون يورو.
مصلحة إسرائيل.. حجر الزاوية في مشروع «الفلاسفة الجدد»
قد تختلف الشخصيات المحسوبة على تيّار «الفلاسفة الجدد» في الكثير من القضايا الفكرية والسياسيّة، لكن نقطة الاتفاق التي لا يحيدون عنها أبدًا هي الدعم المطلق لدولة إسرائيل ودعم المصالح الصهيونية في فرنسا وأوروبا بكلّ الوسائل. يتّضح ذلك جليًّا عند الشخصيّة الأهمّ في هذا التيار، أي برنارد هنري ليفي؛ إذ يمكن تتبّع أغلب القضايا التي يهتمّ بها ليفي ويروّج لها إعلاميًّا لنجد خيطًا ما يربطها باسرائيل.
يظهر ذلك أيضًا في فيلمه الممجّد لقوّات البشمركة الكرديّة، التي كانت تتدرّب على أيدي خبراء إسرائيليين، والتابعة لحكومة كردستان العراق، التي تملك قياداتها علاقات استثنائيّة مع إسرائيل، بالإضافة إلى وصفه الصريح بأنّ إقامة دولة «كردستان» هو «في مصلحة إسرائيل».
كما أنّ ليفي لا يُخفي أهدافه من كلّ هذه التدخّلات، مستحضرًا هويّته اليهودية علنًا؛ إذ كان قد أعلن أنّه تدخّل في الشأن الليبي ضد نظام القذّافي سنة 2011م «باعتباره يهوديًّا» ليجد نفسه وسط موجة من الجدل بعد أن خرجت تصريحات منسوبة له تفيد بأن المجلس الانتقالي سيعترف بإسرائيل. آلان فينكلكراوفت من جهته أيضًا لا يدّخر جهدًا في دعم مصالح إسرائيل في فرنسا وأوروبا، فبالإضافة إلى إطلالاته الإعلاميّة المتكرّرة دفاعًا عن الانتهاكات الإسرائيليّة ضد الفلسطينيّين، بالخصوص في كلّ من حرب 2009م التي راح ضحيّتها أكثر من 400 طفل؛ أسّس فينكلكراوت سنة 2010م، رفقة شركاء آخرين مجموعة ضغط تدعى «Jcall» من أجل الضغط على الاتحاد الأوروبي لتبنّي قرارات تخدم مصلحة إسرائيل.
وفي كل حملة عسكرية على قطاع غزّة من طرف الجيش الإسرائيلي، يتجنّد «الفلاسفة الجدد» في ظهور إعلامي مستمر شبه يومي، وكتابات في الصحف الفرنسيّة من أجل توجيه الرأي العام بإلقاء اللوم على «حركة حماس» بوصفها المسؤولة الرئيسية عن المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، ففي خضمّ الحرب الإسرائيليّة على غزّة التي أدت إلى مقتل أكثر 1400 فلسطيني، أكّد أندريه جلوكسمان مرارًا وتكرارًا في إطلالاته الإعلامية فكرة أنّ «حماس» تتّخذ من الفلسطنيين «دروعًا بشريّة»، بينما امتدح برنارد هنري ليفي الجيش الإسرائيلي بوصفه «جيشًا أخلاقيًّا».
وفي مقابل الانتقادات اللاذعة التي تُوجّه لهم من طرف بعض المثقّفين والإعلاميين والحركات المناصرة للقضيّة الفلسطينيّة، أو حتّى ممّن يختلفون معهم من منطلقات لا علاقة لها بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ يسارع «الفلاسفة الجدد» إلى الاحتماء بالتهم الجاهزة المتمثّلة في «معاداة الساميّة»، لعلّ أبرز تلك الحوادث حين وصف فيكلكراوت المشاركين في احتجاجات «السترات الصفراء» التي تشهدها فرنسا بأنّهم «معادون للسامية»، وذلك بسبب طرده المذلّ من طرف المتظاهرين.
مرّة أخرى تظهر ورقة «معاداة الساميّة» عندما يتعلّق الأمر بانتقاد إسرائيل، فالنسبة للفلاسفة الجدد، لا يوجد أيّ مأزق أخلاقي أو تناقض صارخ عندما يتعلّق الأمر بشجبهم لانتهاكات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، وتجاهلها تمامًا عندما يتعلّق بإسرائيل. يبدو ذلك جليًّا في موقف برنارد هنري ليفي المُعادي بشكل جذري لحركة مقاطعة إسرائيل «بي دي أس» في الوقت الذي دعا في السابق إلى مقاطعة كلّ من روسيا والصين بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في بلدانهم.
ساسة بوست