يقول الكاتب بونسارا أماراسينغ في مقال نشره موقع مودرن دبلوماسي الأميركي إن تدهور العلاقات بين إيران والولايات المتحدة في الأشهر القليلة الماضية يشير بوضوح إلى أن قتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني لم يكن مفاجئا تماما، بل كان تتويجا لخطورة الأحداث المتوترة بين البلدين.
ويضيف أنه يبدو أن قتل أميركا هذا القائد العسكري البارز في بغداد الأسبوع الماضي شكل خطوة في غاية الخطورة في بداية هذا العقد الجديد، حيث اعتبر بعض المحللين هذا الحادث شبيها باغتيال ولي عهد النمسا ديوك فرانز فرديناند في سراييفو الذي مهّد لاندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914. وعلى الرغم من أن هذه الفرضية قد تتسم بالمبالغة، فإنه من المؤكد أن تداعيات قتل سليماني ستسهم في تصعيد حدة الاضطرابات السياسية، التي قد تؤدي إلى اندلاع أزمة خطيرة بالمنطقة.
ويشير الكاتب إلى أن البيان الذي أعلنه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي متوعدا فيه بالثأر لسليماني يشير إلى كبرياء الأمة الجريح، لكن ما زال من غير المؤكد ما إذا كانت إيران سترد متجاهلة قوة الآلة الحربية الأميركية التي يمكن أن تؤدي إلى انعكاسات كارثية على البلاد برمتها.
وينوه الكاتب بأن إيران تعتبر قوة إقليمية تملك آلية حربية قوية مدربة على مواجهة أي هجوم عسكري محتمل، فضلا عن تطورها التكنولوجي، الأمر الذي يجعلها مثالا فريدا لا يقارن بأي دولة أخرى خاضت الولايات المتحدة حربا ضدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لافتا إلى أنه من المرجح أن تختار طهران تصعيدا غير متكافئ من خلال استخدام وكلاء أو الهجوم على أهداف أميركية لردع واشنطن.
دعم روسي
وأضاف الكاتب أن هناك فرضية أخرى تتمثل في تقديم روسيا الدعم لإيران دون شروط، في أي حملة عسكرية تخوضها ضد الولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه يمكن تعزيز هذه الفرضية من خلال دراسة التقارب السياسي بين طهران وموسكو في الماضي.
ويقول إنه في حين هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران في أيار الماضي، فإن موسكو أدلت ببيان رسمي أعلنت فيه عن دعمها لطهران، كما أن روسيا تدرك أهمية الحفاظ على النظام الإيراني وعدم السماح لقوات خارجية بعرقلته، وذلك لأن الاستقرار الإيراني يعتبر العامل الأساسي لردع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ويضيف الموقع أن كلا من موسكو وطهران وطدتا علاقاتهما بهدف حماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد، كما أن مشاركة روسيا أخيرا في السياسة العالمية يشير إلى طموحها الكبير بأن تصبح طرفا فاعلا على الساحة الدولية.
ويقول الكاتب إن خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ميونيخ عام 2007 تطرق إلى هذه الأجندة، حيث أظهر رفضه الكبير لعالم "أحادي القطب"، والهيمنة الأميركية على الساحة السياسية الدولية.
ويرى الكاتب أن روسيا تعتبر إيران ذراعها اليمنى في الشرق الأوسط الذي لا تريد خسارته، وذلك في ظل سلوكها الجريء وآليتها العسكرية بوصفها دولة قوية، مضيفا أن القوات البحرية الإيرانية والروسية والصينية أجرت مناورات بحرية مشتركة في خليج عمان قبل أيام من قتل سليماني. ويضيف أن موسكو اعتبرت الجنرال سليمان خبيرا إستراتيجيا ذكيا لعب دورا رئيسيا في الوجود العسكري الروسي عندما شهد الجيش السوري تقهقرا في 2015.
ضربة لموسكو
ويقول الكاتب إن الضربات الجوية الروسية غيّرت مجرى الأحداث، ويشير إلى أن سليماني زار موسكو في عام 2017 لمناقشة تعاون روسيا الثنائي مع حكومات الخليج العربي، مضيفا أن هذه الخلفية تعتبر خير دليل على أن قتل الجنرال الإيراني كان ضربة موجعة لموسكو، وذلك باعتبارها خسارة لمفكر إستراتيجي ذكي كان من الممكن استخدامه بشكل أكبر وكيلا للتدخل الروسي في الشرق الأوسط.
ويرى أن هناك اعتقادا يقول إن موسكو ستقود جيوشها مباشرة لدعم إيران أو أن تقوم بتشجيع مثل هذه المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران. ويرى أيضا أن العلاقة التي بنتها موسكو في الشرق الأوسط مع خصوم إيران -مثل السعودية والإمارات وحتى إسرائيل- يمكن أن تتحول إلى عداوة، الأمر الذي يحوّل إستراتيجية بوتين الكبرى المتمثلة في الحفاظ على العلاقات مع حلفاء أميركا في الشرق الأوسط إلى كارثة.
ويشير الكاتب إلى أن من بين أحد العوامل البارزة الأخرى التي ظهرت بعد اغتيال سليماني، هي الزيادة السريعة في سعر النفط، الأمر الذي عاد بفائدة مالية مفاجئة لروسيا، ويستدرك بأن الخطوة التالية لروسيا لن تتمثل في تقديم المساعدة العسكرية لطهران باعتبارهما شريكين في المعركة، ولكن من المرجح أن تلعب موسكو دورا رئيسيا من خلال وسائلها الدبلوماسية، وذلك لإعاقة أي أزمة قد تلحق الضرر بحليفتها طهران.