بقلم: نبيه البرجي
حدث هذا في أميركا، الأمبراطورية التي لا نظير لها في التاريخ. رئيس هيئة الأركان الجنرال مارك ميلي قال «ان الرسالة الرسمية الأميركية التي تم ابلاغها الى العراق بأن الجنود الأميركيين سيباشرون بالانسحاب هي «مسودة»، وكان ينبغي ألاّ ترسل في هذا التوقيت».
وقال ان خطأ ارتكبه قائد القيادة المركزية في الشرق الأوسط الجنرال كينيث ماكينزي.
حتى ولو كانت «مسودة» لماذا صيغت، ولماذا أرسلت الى ماكينزي الآن وليس لدى اتخاذ القرار بالانسحاب؟ وهل أن جنرالاً لامعاً تدرّج بكفاءة استثنائية يمكن أن يرتكب مثل ذلك الخطأ بمفاعيله الاستراتيجية الفائقة الحساسية؟
قد يكون السؤال الأكثر اثارة حيال الكلام الملتبس: ماذا حدث في البنتاغون، بل ماذا حدث بين البنتاغون والبيت الأبيض؟ وهل كان هناك من يريد أن يعرف ردة فعل «الشارع العراقي الآخر» المعارض للانسحاب بحجة الخوف من سيطرة طهران على السلطة في بغداد؟
جلسة البرلمان أظهرت مدى التصدع السياسي، فضلاً عن التصدع الطائفي والتصدع الاتني، وان قيل لعادل عبد المهدي هذا وقت القفازات الحديدية لا وقت القفازات الحريرية.
الأميركيون موجودون في كل مفاصل الدولة (والمجتمع) في العراق. اشارة بالاصبع ويدخل في الفوضى المجنونة. وكالة الاستخبارات المركزية لم تقطع صلاتها ببعض الرؤوس في تنظيم الدولة الاسلامية (داعش). كل الاحتمالات على الأرض.
اذا كان جنرال مثل ماكينزي يرتكب مثل ذلك الخطأ، ولا يستطيع التمييز بين «المسودة» والنسخة الأصلية (يا للمهزلة في هذا القول!)، ما الذي يمنعه من ارتكاب خطأ آخر وتفجير المنطقة؟ القصة في منتهى السذاجة. ثمة شيء لم نفهمه قد حصل.
ما يبعث على الاستغراب أن قنوات الاتصال بين واشنطن وطهران، ان عبر عمان أو عبر اليابان وباكستان، كانت «شغالة»، وتشي باحتمال حدوث ثغرة في الحائط. ما الذي حمل دونالد ترامب على كسر الخطوط الحمراء، ليقلب المشهد رأساً على عقب؟
مسؤولون أميركيون قالوا ان ماحدث كان بتأثير نائب الرئيس مايك بنس. الرجل وثيق الارتباط باللوبي اليهودي كما بالجماعات المسيحية ـ الصهيونية. لاعب هائل في الظلام. اقرب ما يكون الى الشخصية الشكسبيرية التي يمكن أن تطل، في أي لحظة، من الشقوق.
هل اشترطت المؤسسة اليهودية، بامكاناتها الأخطبوطية, اغتيال قاسم سليماني، دون استبعاد أسماء شخصيات أخرى شديدة الحساسية، وشديدة الأهمية، اذا كان يريد تبنيها له في رهانه على الولاية الثانية؟
ربما لهذا يتحدث الايرانيون عن دور ما لتل أبيب في التخطيط، وفي التنفيذ. بنيامين نتنياهو شأنه شأن دونالد ترامب في مأزق وجودي. على قاب قوسين أو أدنى من الادانة. في هذه الحال، لا بد من ضربة دراماتيكية تضع الملفات القضائية على الرف. مايك بومبيو الذي يخطط ليكون الرئيس السادس والثلاثين للولايات المتحدة اضطلع بدور هام في الاتصالات الخاصة بالعملية.
الذعر يجتاح المنطقة، والعالم. حديث عن أن الايرانيين وحلفاءهم يدرسون سيناريو الثأر في منتهى الدقة ليكون الضربة القاضية على دونالد ترامب الذي يخشى من عودة الجنود بالتوابيت. الأوروبيون يرون أن منع الانفجار يحتاج الى معجزة. لا تراهنوا على العقل في البيت الأبيض.
مأزق دونالد ترامب، في هذه الساعات، أبعد بكثير مما تتصورون…!
الديار