2024-11-26 04:28 م

بعد تجاهل إسرائيل طلب عباس.. ما مصير الانتخابات الفلسطينية؟

2020-01-02
ضغوطات كبيرة دفعت رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، للحديث عن عزمه إجراء انتخابات عامة في الأراضي الفلسطينية، للمرة الأولى منذ 14 عاماً، عندما أجريت آخر انتخابات تشريعية وعرفت فوزاً ساحقاً لحركة حماس.

وكان عباس، الذي يتزعم أيضاً حركة "فتح"، قد فجر مفاجأة من العيار الثقيل خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أواخر سبتمبر الماضي؛ بإعلانه أنه سيدعو فور عودته إلى رام الله لانتخابات عامة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، كما أنه سيُحمّل من يعترض عليها المسؤولية الكاملة، في إشارة إلى غريمته "حماس".

ويتعرض عباس لضغوط أوروبية كبيرة تطالبه بضرورة عقد انتخابات في الأراضي الفلسطينية، بحسب ما نقلته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن دبلوماسيين أوروبيين؛ إذ لوّحت بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي) بوقف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية في حال لم تعمل القيادة الفلسطينية على إجراء الانتخابات.

ولم تأتِ الرياح كما اشتهى الرئيس الفلسطيني، في ظل المرونة العالية التي أبدتها حماس والاستجابة الكبيرة لمطالب عباس، التي حملها رئيس لجنة الانتخابات المركزية في جولات مكوكية بين غزة ورام الله من أجل المضي قدماً نحو إجراء الاستحقاق الديمقراطي الذي طال انتظاره.

وبعد موافقة حماس ومختلف الفصائل في غزة على إجراء انتخابات تشريعية أولاً، تعقبها انتخابات رئاسية بعد ثلاثة أشهر، كما يريد عباس، باتت الكرة في ملعب رئيس السلطة لإصدار مرسوم الانتخابات كما جرى التوافق حول ذلك، لكن الأخير بدأ بالتنصل شيئاً فشيئاً من مسؤولياته، ورمى الكرة في ملعب "إسرائيل"، بعد سلسلة من المحاولات الداخلية التي لم تُوتِ أُكلها.

وأعلن الرئيس الفلسطيني، الذي انتهت ولايته الرئاسية قانوناً أواخر يناير 2009، أنه لن يصدر مرسوم الانتخابات بانتظار رد "تل أبيب" على طلبه الذي قدّمه وزير الشؤون المدنية الفلسطيني، حسين الشيخ، بشأن إجراء الاستحقاق الانتخابي في القدس الشرقية.

ورأى محللون مختصون بالشأن السياسي الفلسطيني خطوة عباس محاولة للتنصل والبحث عن "مخرج مشرّف" من التزامه السابق بعقد الانتخابات، وتحميل "إسرائيل" المسؤولية الكاملة لعرقلة إجرائها في المدينة المقدسة.

ويضغط الاتحاد الأوروبي على الرئيس الفلسطينية لإصدار مرسوم رئاسي يحدد مواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية، حتى لو لم تعلن "إسرائيل" موافقتها على إجراء الانتخابات في القدس الشرقية، التي تعتبرها "تل أبيب" بأكملها جزءاً من عاصمتها الأبدية.

رد إسرائيلي "غامض"

صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية ذكرت، في 28 ديسمبر الماضي،  أن "إسرائيل" قررت تجاهل طلب السلطة الفلسطينية السماح بعقد الانتخابات التشريعية في شرقي مدينة القدس المحتلة.

ونقلت الصحيفة عن مصادر إسرائيلية مطّلعة أن القرار اتُّخذ بـ"عدم الرد على طلب السلطة بهذا الخصوص"، وذلك خلال جلسة عقدت مؤخراً "بين أعلى المستويات".

وقالت الصحيفة: "يبدو أن قرار التجاهل سينهي مسألة إجراء الانتخابات الفلسطينية"، كما يعني القرار "تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى"، على ضوء اشتراط السلطة عقد الانتخابات العامة بسماح "إسرائيل" بإجرائها في القدس.

ما موقف حماس؟

وكانت حماس قد استبقت الرد الإسرائيلي ودعت حركة فتح والسلطة الفلسطينية إلى "فرض العملية الانتخابية في مدينة القدس"، وتحويلها إلى "حالة اشتباك شعبي وسياسي مع الجانب الإسرائيلي".

ورفض عضو المكتب السياسي للحركة، صلاح البردويل، في مؤتمر صحفي عقده في 25 ديسمبر الماضي، بمدينة غزة، ما أسماه "الاستجداء وأخذ الإذن من الاحتلال لإجراء الانتخابات"، مجدداً تأكيد حركته "رفضها إجراء انتخابات دون القدس".

كما طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بضرورة إصدار المرسوم الرئاسي الخاص بالانتخابات دون انتظار موافقة إسرائيل على إجرائها بمدينة القدس.

واستكمل قائلاً:" يجب علينا أن نتفق على خطة عمل وطنية هدفها جعل عملية الانتخابات في القدس معركة سياسية وشعبية لتثبيت حقنا".

ووصف البردويل طلب السلطة من "إسرائيل" حول القدس بأنه "صدمة كبرى لجماهير شعبنا وقواه الوطنية"، مستحضراً "هزيمة الاحتلال في محاولاته فرض البوابات الإلكترونية"، داعياً في الوقت عينه لتكرار ذلك في معركة إجراء الانتخابات.

مصير مجهول

يقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف إن مصير الانتخابات بات "مجهولاً وغير واضح"، محمّلاً الرئيس عباس المسؤولية؛ لكونه "لا يروق له جعل القدس معركة الكل الفلسطيني سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً لإجبار الاحتلال على الانصياع للرغبة الفلسطينية".

ويرى الصواف في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن الانتظار حتى يرد الاحتلال على عباس "سيطول كثيراً"، مشيراً إلى أنه "لن تكون هناك إجابة واضحة بنعم أو لا".

وشدد المحلل السياسي الفلسطيني على أن إصدار مرسوم الانتخابات بات مطلباً لجميع الفصائل والشعب والاتحاد الأوروبي من أجل عقد الاستحقاق الديمقراطي.

ويعتقد أن تلكؤ عباس وتذرعه بالقدس لعدم إصدار المرسوم الانتخابي مجرد واجهة للتغطية على "عدم جهوزية حركة فتح للانتخابات"؛ في ظل حالة الصراع بين قياداتها، مستشهداً بالتلاسن والاتهامات المتبادلة بين جبريل الرجوب وحسين الشيخ، وماجد فرج.

وبناء على كافة المعطيات السابقة يتوقع الكاتب الفلسطيني أن مرسوم الانتخابات "إن لم يصدر فهو سيطول كثيراً".

وأوضح أنه "إذا ترك الأمر للاحتلال الإسرائيلي فلن تكون هناك انتخابات في القدس، وعباس يدرك هذا الأمر"، مطالباً بألا يترك أمر المدينة المقدسة للاحتلال.

وأردف قائلاً: "يجب أن تكون القدس معركة الكل الفلسطيني، وهذا يحتاج أولاً إصدار المرسوم، ثم اللقاء الوطني الجامع والمتفق عليه لتقرير كيفية مواجهة الاحتلال وإجباره على أن تجرى الانتخابات في القدس وإن طال الزمن".

ويعتقد الصواف أن تلك الخطوات "تضع الاحتلال أمام حقيقته أمام الرأي العام ليمارس ضغطه".

وحول الأسباب الحقيقية لتلكؤ عباس يقول المحلل السياسي: إن "عباس يتهرب من الانتخابات لكون فتح غير جاهزة، كما أنه يعلم أن الاحتلال في ظل وضعه الداخلي وصعوبته لن يرد عليه".

وأشار إلى أن رئيس السلطة وجد في القدس "مهرباً لعدم إصدار المرسوم"، كاشفاً أن عباس كان يعتقد أن حماس سترفض الانتخابات، ومن ثم سيحملها المسؤولية، وعليه فسيكون هذا مبرراً كافياً لعدم إقامتها، أو لإجرائها في الضفة فقط؛ بحجة أن حماس والاحتلال يرفضان".

ووصف الصواف موافقة حماس على إجراء الانتخابات العامة بأنها "أربكت عباس وخلطت الأوراق لديه، وبات في حيرة من أمره".

لا انتخابات قريبة

بدوره يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة، د. مخيمر أبو سعدة: "لا توجد أي مصلحة إسرائيلية بعقد الانتخابات في القدس بعد الاعتراف الأمريكي بها عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس".

ويرى أبو سعدة في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن الاحتلال الإسرائيلي "ليس غائباً، ويُمكن أن يعرقل الانتخابات ويمنعها في القدس الشرقية"، فضلاً عن "منع حرية حركة المرشحين بين الضفة وغزة، أو حتى داخل الضفة الغربية".

وبناء على ذلك استبعد أستاذ العلوم السياسية عقد انتخابات قريبة في الضفة وغزة "بدون ضغط أمريكي ودولي على إسرائيل لعقد الانتخابات".

وإضافة إلى المعيقات الخارجية يرى المحلل السياسي الفلسطيني أن هناك بعض الإشكاليات الداخلية التي لم يُتفق عليها بعد؛ وهي قانون الانتخابات، ومحكمة الانتخابات، وكذلك عقد اجتماع وطني للتفاهم على اليوم الذي يلي الانتخابات"، في إشارة منه إلى وجود العديد من الإشكاليات التي تواجه عقد الانتخابات.

وينص القانون الأساسي الفلسطيني على إجراء الانتخابات النيابية كل 4 سنوات، لكن آخر انتخابات شهدها الفلسطينيون كانت في عام 2006.

وحققت حماس فوزاً كبيراً في تلك الانتخابات، التي عقدت شتاء 2006؛ إذ فازت بـ74 مقعداً من أصل 132 (حصدت 44.45% من الأصوات)، مقابل 45 فقط لغريمتها فتح (نالت 41.43%).

وقبل ذلك بعام، فاز محمود عباس بالانتخابات الرئاسية -لم تشارك بها حماس- بنيله 66% من الأصوات، متفوقاً بنسبة كبيرة على أقرب منافسيه، مصطفى البرغوثي، الذي حصد 19% فقط.

ويسود الانقسام السياسي الأراضي الفلسطينية منذ أن سيطرت حماس، صيف عام 2007، على قطاع غزة المحاصر في أحداث الانقسام، لتكتفي السلطة التي تمثلها حركة "فتح" بإدارة الضفة الغربية.

وفشلت عدة محاولات في رأب الصدع بين الفلسطينيين، وسط اتهامات موجهة للرئيس عباس بفرض عقوبات اقتصادية على سكان غزة، ما زاد المشهد المأساوي بؤساً في القطاع المحاصر إسرائيلياً منذ 13 عاماً.
الخليج اون لاين