2024-11-30 02:43 م

أين اختفت قوى الأمة الفاعلة ولماذا؟

2019-12-04
بقلم: إيهاب شوقي
هناك مفارقة كبرى تتطلب وقفة شعبية في كامل بلادنا العربية لتأمل تطورات العقود الماضية وما آلت اليه الامور في لحظتنا الراهنة.
وهذه المفارقة يمكن تلخيصها في بضع كلمات صغيرة تقول انه بعد سنوات من تجبر الانظمة الحاكمة وتفريطها في قضايا الامة وحقوقها، واتباعها نمطا تابعا، وتضييقها على قوى التحرر والمقاومة مما تطلب ثورات وحراكات بمسميات مختلفة اطلق عليها في الغرب (الربيع العربي)، ازداد تجبر الانظمة وتفريطها بشكل غير مسبوق، بل وافتقد هامش المعارضة وافتقدت فاعليتها التي وضعت اسقفا للانظمة، وخفتت اصوات الشعوب ووهنت قواها وافتقدت همتها.
الا يذكر الناس ان الشعوب وقبل عقد واحد فقط من الان، كانت تخرج للاحتجاج ودعم المقاومة، وكانت تنظم الفعاليات المساندة وتعقد الندوات ويعلو صوتها متضامنا مع فلسطين ولبنان وكل من يتعرض لعدوان امريكي او صهيوني؟
من المفترض منطقيا، ان تكون الثورات التي ازالت انظمة مفرطة وضعيفة، تشكل رافعة للشعوب، وتطور فاعليتها، وفي ذات الوقت تشكل رادعا للانظمة، بينما نجد ان ما حدث هو العكس تماما، فالصهاينة يتجرأون على القضية المركزية بشكل غير مسبوق، ويقتلون الفلسطينيين بشكل شبه يومي، ويغيرون على بلد يشكل قلب العروبة مثل سوريا، ويهددون لبنان ويلوحون بشكل روتيني ان هناك حربا مؤجلة، ولا حراك للشعوب في مواجهة ذلك، بل ان الانظمة يزداد تهاونها، بل وتقابل ذلك بالتطبيع ورفع اغصان الزيتون التي تختبئ خلفها الرايات البيضاء الانهزامية والاستسلامية!
وهذا يطرح علامة كبرى للاستفهام، حول طبيعة ما حدث، فهل كانت الثورات ثورات للشعوب، ام ثورات للانظمة على الشعوب؟ وهل كانت حراكات للاستقلال الوطني ونفض غبار التبعية، ام كانت ثورات من الاستعمار على القوى الحية في الامة لتركيعها؟
ما يفض الاشتباك هنا، ويفسر هذا التناقض، هو الخلط وانحراف البوصلة:
فالخلط، قد حدث بشكل متعمد بين ثورات شعبية مستحقة، وثورات مصنوعة ومفتعلة ومخططة.
والانحراف، قد حدث بالسماح للاختراقات ان تحدث وتنمو ويترك لها القيادة لتخرب الثورات وتحرفها عن هدفها.
والمحصلة، هي ان المطالب اهدرت والانظمة تجبرت والقضايا توشك ان تهدر، بل والانكى من ذلك ان دعم القوى الحية المقاومة والتي يناط بها ان تخرج الامة من كبوتها وتشكل خط الدفاع الاخير عنها، يسعى الاعداء لحصارها دون تحريك ساكن او ابداء الدعم اللائق.
من المؤسف ان يكون لسان الحال هكذا، ولكن مع بعض التأمل ومحاولة التحليل والتفسير، ربما يتجدد الامل في الخروج من هذا المأزق الوجودي لكل من لم يعتمد خيارا مقاوما، حيث الطرف الوحيد والفئة الناجية من هذا المأزق هو الفريق المقاوم والذي لم يفقد بوصلته ولم يفقد كرامته ولم تلتبس عليه الامور فتشل قوته وتفقده الهمة والقدرة على الفعل.
ربما تكون هناك عدة اسباب يمكن تلخيصها بايجاز كما يلي:
1ـ عدم التشخيص الجيد للمرض الذي انتج اوضاعا ثورية وحصره في اشخاص لا سياسات، وحمله على تيارات لا خيارات.
2ـ الوقوع في الفخ الامريكي متعدد الاشراك، فرغم الثورة على اوضاع سببتها التبعية لامريكا والتسليم لها بامتلاك اوراق اللعب، فقد وقع الكثيرون في التغيير وفقا للنمط والمفهوم الامريكي، والذي لا يقود الا لاوضاع مماثلة ان لم تكن الاسوأ.
3ـ عدم التحلي الكافي بثقافة المقاومة والتي تشكل بوصلة دقيقة لما يكون عليه الاصدقاء والاعداء ولما يكون عليه الفرز السليم.
ان ادبيات التغيير التابعة لفكر “اوتبور” والتي تدرس لنشطاء من الشباب باكاديميات التغيير، تعتمد عدة مفاهيم يكفي ان نذكر منها مفهومين، فإن لم يكن غيرهما بها لكفاها:

الاول: ان العبرة في التغيير بالقدرة لا بالنوايا، وهو ما يعني الاستعانة بالشيطان ان كان قادرا على التغيير لا بنيته او ما سيطلبه في مقابل ذلك!
الثاني: تحطيم الرموز باعتبارها مدخلا للاستبداد والعبودية، وهو ما يعني خلع اسلحة القوة والاستغناء عن الاجنحة التي يمكن التحليق بها وكسر الاقدام التي يمكن الوقوف عليها للمواجهة.
ما نلمحه في بعض الحراكات من انعكاس لهذه الافكار هو ما يقود لنتائج عكسية رايناها، ويريد الاستعمار ان يرى المزيد دون كلفة من مواجهة وحروب يعلم انها خاسرة.