2024-11-26 09:42 م

من قُتلَ مع “البغداديّ” في “إدلب”؟!

2019-11-12
-تابعتُ مقتل “أبو بكر البغداديّ”، ولا أخفي عليكم بأنّ حزناً شديداً اجتاحني، وأنّ شعوراً شخصيّاً صادرني بشكل كاملٍ، على أبناء هذه الأمّة المنكوبة والمهزومة، أفراداً وجماعاتٍ، بكلّ أطيافها وأنساقها، عموديّاً وأفقيّاً..

-في مطلع تشّكل “دولة الخلافة” لم تتردّد أنساق عربيّة من مبايعتها، ومن الانسجام الكامل معها، حتى أنّ قيادات بعثيّة من أبناء العراق اعتبرت أن “دولة الخلافة” هي الدولة الاسلاميّة التي سوف تهزم مشروع إيران الفارسيّة الشيعيّة على مستوى المنطقة!!!..
-ولم تتردّد أنظمة الخليج في التغنّي بإنجازات “دولة الخلافة”، والتي وجدت فيها سياجاً آمناً صلباً يمنع وصول إيران إلى مخادع نوم نواطيرها!!!..

-الغريب أنّ الاعلام الخليجيّ اعتبر “دولة الخلافة” بأنّها النظام السياسيّ العربيّ الوحيد الذي استطاع توحيد الأراضي السوريّة مع الاراضي العراقيّة يوماً، باعتبار أن عقوداً مرّت ولم تستطع أنظمة كلّ من البلدين فعل ذلك!!..

اقرأ أيضا: البغدادي وبعده لوميزوريه.. إرهابيو الغرب يتساقطون لإخفاء جرائمهم في سورية

-مئات منابر مساجد العالم العربيّ كانت تتغنّى بانجازات “دولة الخلافة”، فتجمع لها الأموال والصدقات والزكاة، أملا بهزيمة نظام الأسد في بلاد الشام، ونظام آيات الله في طهران!!!..

-طبعاً كلّ ذلك كان بمباركة الإدارة الأمريكيّة التي رأت في “دولة الخلافة” أداة قادرة على تعبئة الفراغ الذي كان يتشكّل في سوريّة نتيجة هزيمة الرئيس الأسد أمام مجموعات مسلحة استباحت مساحات واسعة من جغرافيا شرق الفرات وغربه!!..

-الحقيقة أن “دولة الخلافة” لم تكن تعبيراً موضوعيّاً حقيقيّاً عمّا كانت تفيض به هذه المناطق أو هذه الجغرافيا، بمقدار ما كانت تركيباً سريعاً عمدت إلى إنجازه الاستخبارات الأمريكيّة بمساعدة استخبارات خليجيّة وتركيّة، أملا في إنجاز كيان سياسيّ يكون طارداً لنظامين، سوريّ وعراقيّ، يرون فيهما أنظمة تساهم في دعم الدور الإيراني على مستوى الإقليم!!!..

-في ظلّ هذه اللعبة الكبيرة ركب عربة “تنظيم الدولة” عشرات آلاف المساكين من أبناء المنطقة، نتيجة أنّ استخبارات بعينها خلقت مناخات التشجيع على الالتحاق بهذا التنظيم، ودفعت أبناء هذه المناطق كي يكونوا وقوداً لها، حيث تمّ تقديم إسلام غريب عجيب دفع المسلمين جميعاً إلى لحظة محرجة عصيبة جدّاً..

-نعم لقد عمدت الاستخبارات الأمريكية بدعم من دول الكاز والغاز إلى إنجاز نسخة إسلاميّة قاتمة وبغيضة جدّاً، لم تكن تعبيراً حقيقيّاً عن تاريخ المنطقة وحضارتها..

-أجيالٌ بكاملها عُبث بها وتمّ طحنها تحت مطرقة الفوضى أملاً في دفع المنطقة بكاملها خارج سياق التاريخ والحاضر والمستقبل، وأملاً في تمكين “الأمريكيّ” من السيطرة على المنطقة بحجة وذريعة الفوضى ذاتها..

-لم يكن “أبو بكر البغدادي” أوّل أو آخر “داعشيّ” يُقتل، ولم يكن أوّل أو آخر من طحنته آلة الموت “الأمريكيّ” على ضفاف “الفرات”، فقد سبقه إلى ذلك مئات آلاف الضحايا والقتلى من أبناء المنطقة، أولئك الذين سحقتهم فوضى “الأمريكيّ” ولم يجدوا من يُنصفهم أو حتّى يتجرأ على البوح بحقيقتهم الموجعة!!..

-عشرات آلاف الضحايا على أطراف “دجلة” و”الفرات” قتلتهم آلة الموت الأمريكيّة، بشكل مباشر وغير مباشر، لا تصدّقوا أنّ “دولة” ظهرت بغفلةٍ من الزمن ومارست بسنوات قليلة كلّ هذه الموبقات، من قتل وتشريد وتهجير، ثمّ هكذا تبخّرت دون أن تترك أثراً من آثارها..

-ولا تصدّقوا أنّ جماعةً بشريّة تستفيق ذات فجرٍ كي تتحوّل إلى ماكنات من الذبح تقطع الرؤوس وتشرّد الناس وتنكّل بهم، ثمّ هكذا، وبذات الغفلة تمضي وتذوب وكأنّ شيئاً لم يكن!!!..

-“البغداديّ” بهذا المعنى يبقى ضحيّة من ضحايا أبناء المنطقة، ممّن طحنتهم آلة الموت الأمريكيّة، طمعاً بخيرات هذه المنطقة، وممّن استعملتهم الغرفُ السوداء لبارونات رأس المال العالميّ، ثم ألقت بهم على قارعة طريق الموت!!!..

-في لغة التكثيف الاعلاميّ لمقتل “البغداديّ” تدرك تماماً انّك أمام سيناريوهات مفجعة وخطيرة، بحقّ هذه الشعوب وبحقّ المساكين الذين كانوا جميعاً نسخة كاملة عن “البغداديّ” لكنّهم يختلفون في أدوارهم ومواقعهم!!!..

-“فالبغداديّ” لم يكن فرداً وإنّما كان نسقاً استُعمِل في سياقٍ لأهدافٍ معينة، كذلك “الاكراد” الذين ألقي بهم في حلق “الفرات” و”ثوّار” الجنوب و”الغوطة” وباقي المناطق الاخرى، باعتبارهم جميعاً لا يختلفون كثيراً عن “البغداديّ” في تلك الأهداف المعيّنة والمحدّدة!!!..

-“والبغداديّ” ليس فرداً في مشهد يتمّ التخلّص منه، وإنّما هو نسخة من نسخٍ أخرى لا تبدو متجانسة في ظاهرها لكنّها في الجوهر ليست كذلك، باعتبار انّها لا تختلف كثيراً عمّن زجّ بهم في أتون حريق كبيرٍ، منهم بعمائم ومنهم بربطات عنق حمراء حمراء، ومنهم بخُوَذٍ بيضاء وسوداء!!..

-أين هم “العربان” التافهون، وأين إعلامهم الفاجر الساقط، وهو يغنّي ويسوّق يوماً “لدولة الخلافة” و”لجبهة النصرة”؟!!!..
و”لمعاذ الخطيب” باعتباره “رئيس الدولة السوريّة العتيد”..
أين هم العربان التافهون وهم يهتفون “لجيش ثورةٍ” لم يكن حرّاً، ولمدنٍ كانت تحترق، من “حلب” وصولا إلى “حلب” مروراً بكلّ الاسماء والألقاب الأخرى!!!..

-نعم يا سادة..
“البغداديّ” لم يكن وحيداً..
في موته لم يكن وحيداً..
كان معه الكثيرون الكثيرون..
من الحمير والخونة والعملاء والجهلة والأميّون والمساكين والجياع..
كانت معه مئات الأسماء الأخرى..
من “حجاب، الخطيب، سيدا، ميدا، إدريس، غليون، مناع، صبرا، مالح، ملاح، مليح، الاملح، وسليمان، سلمان، كيلو، ونص كيلو..”..
وباقي آلاف غرامات الخنوع الأخرى التي عامت في بحر الموت والذلّ، الذين ابتلعتهم نيران مشاريع الالحاق والاستتباع والسيطرة..
وممّن نجح الأسد في تظهيرهم وأسيادهم وهم ينهبون هذا الشرق..
ويعيدون هندسته على مقاس أطماع أحفاد “سايكس” و”بيكو” و”رامسفيلد”..
هؤلاء جميعاً قُتِلوا مع “البغداديّ”..
ودُفِنوا في “إدلب”..
عاصمة ومقبرة ثورة الحمير!!!..
شام تايمز