2024-11-26 12:54 م

السودان: لماذا تدعم الإمارات قائد مليشيا؟

2019-11-09
شمائل النور
يتعدى التحالف بين الإمارات العربية المتحدة و"حميدتي"، قائد "قوات الدعم السريع" السودانية، تجنيد المقاتلين إلى "تجنيد" الموارد: الذهب والنحاس ومؤخراً اليورانيوم، وعلى ذلك النفط! ويسيطر "الدعم السريع" بشكل شبه كامل على قطاع المعادن الذي يدر أموالاً هائلة، يذهب القليل منها إلى خزينة الدولة فيما يُهرّب الجزء الأكبر إلى الخارج.

كانت زيارة قائد "قوات الدعم السريع" السودانية إلى القاهرة في تموز/ يوليو الفائت، فاصلة في مشروعه السياسي الكبير الذي تخطط له الإمارات العربية المتحدة وتسانده فيه. فالنتائج لم تأتِ كما أراد لها القائد القبلي محمد حمدان )"حميدتي"( صاحب الطموح الجامح، والذي تسيّد المشهد بعد سقوط البشير في نيسان/أبريل 2019. فقد أبلغته مصر رسمياً أنها لن تسمح بتمدد ميليشيا قبلية مسلحة خصماً ل"قوات الشعب" المسلحة السودانية (الجيش السوداني). ولم تتوقف مصر عند هذا الحد، بل أبلغت القيادة الإماراتية بأنها غير راضية عن مشروع الإمارات القاضي في محصلته بتفكيك الجيش الرسمي وإبداله بميليشيا، وهي حاولت إيقاف عمليات التسليح الثقيل التي تنوي الإمارات تزويده بها.. قبل أن تعاود الإمارات الدعم مجدداً.

و"الدعم السريع" هي ميليشيا قبلية عربية أسسها البشير لمجابهة الحركات الأفريقية المتمردة في دارفور، قبل أن يصنع منها إمبراطورية عسكرية موازية للجيش السوداني، تحولت إلى قوة نظامية بعد إجازة قانون خاص بها في البرلمان السوداني في كانون الثاني/ يناير 2017.

بعد إزاحة البشير، سارعت الإمارات لتأييد ودعم "المجلس العسكري السوداني" الذي يتزعمه قائد الدعم السريع "حميدتي" مع بعض جنرالات الجيش الموالين للخليج، وأرسلت وفداً مشتركاً مع السعودية يتقدمه الفريق طه الحسين، المدير الأسبق لمكتب الرئيس المخلوع، والذي يشغل حالياً منصب مستشار لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد حصوله على الجنسية السعودية. وحصل السودان على دعم مشترك إماراتي - سعودي بقيمة 3 مليار دولار، وأرسلت الإمارات أكثر من 2000 سيارة من طراز "تويوتا بوكس" لقوات الدعم السريع، انتشرت في شوارع الخرطوم واستخدمت في مجزرة فض الاعتصام في محيط القيادة، عطفاً على دعم القوات بالمدرعات الصغيرة وناقلات الجنود.

الدعم الإماراتي للعسكر بدأ منذ عهد الرئيس المخلوع

المساندة الإماراتية السعودية للعسكريين بعد إزاحة البشير لم تكن مفاجِئة. فخلال السنوات الأخيرة لحكم البشير، اختارت حكومته الانخراط في معسكر السعودية - الإمارات، بعد إعلان الانضمام إلى "التحالف العربي" في اليمن الذي تقوده السعودية تحت مسمى عملية "عاصفة الحزم" منذ 2015. ثم توالت مواقف البشير وتصريحاته ضد تنظيم جماعة الإخوان المسلمين. وفعلياً هو كان قرر في كانون الأول/ ديسمبر 2013 إزاحة كبار الإسلاميين من مناصبهم في الدولة، وعلى رأسهم نافع علي نافع وعلي عثمان طه. ثم شرع في تفكيك بعض الأجسام ذات الصبغة "الإخوانية"، وهي كانت موازية لأجهزة الدولة، وانخفضت حدة الخطاب الإيدولوجي الإسلاموي الرسمي وفقاً لشرط أمريكي، مقابل التطبيع الذي كانت بوابته الإمارات والسعودية. مقابل ذلك انتزعت حكومة البشير قراراً أمريكياً مدعوم خليجياً برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ التسعينيات الفائتة. وتوالى بعد ذلك الدعم الخليجي للبشير الذي كانت تحاصره أزمة اقتصادية طاحنة نتيجة فقدان مورد النفط بعد انفصال جنوب السودان. واستمرت دول الخليج في الدعم قبل أن يتوقف كلياً بعد فقدان الثقة في البشير، الذي أدمن سياسة اللعب على الحبال. فمخاوفه المتصاعدة من حلفائه الإسلاميين، المدنيين والعسكريين، اضطرته للاحتفاظ بشعرة معاوية بينه والتنظيم.

ربما اضطراراً، لجأ البشير إلى إضعاف مؤسسة الجيش، الذي ظل متوجساً من انقلابه عليه في أية لحظة، على الرغم من الأدلجة التي طالته وحوّلته خلال عهد البشير إلى مؤسسة تنظيمية حزبية. وهكذا لجأ البشير إلى تأسيس ميليشيا موالية له وفقاً لتقديراته، فهي غير حاملة لإيدولوجيا كما أنها قادرة على القتال لمن يدفع المال، وكثيراً ما تباهى البشير بإمبراطورية "الدعم السريع" العسكرية وقدراتها القتالية، وكان يقول على الدوام " أنا عندي رجال".

في هذا المناخ الهش، بدأ "حميدتي"، قائد الدعم السريع، يتمدد شيئاً فشيئاً. فجنوده الذين يقاتلون في اليمن منحوه قوة عسكرية وسياسية داخل مؤسسات الدولة السودانية، ليتحول إلى لاعب أساسي في منظومة الحكم والسلطة فرضته قوته العسكرية الهائلة.
تنشط عمليات التجنيد لصالح الدعم السريع في دارفور وعلى الشريط الحدودي ذي الوجود القبلي المتداخل، قبل أن توسّع مشروعها بفتح باب التجنيد في كل السودان، وأظهرت مقاطع مصورة انتشرت مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي بعض قيادات القبائل في شرق السودان، يحثون الشباب على الاستجابة للتجنيد وسط صفوف الدعم السريع الذي يوفر رواتب مجزية جداً لمجنديه في ظل بطالة متفشية في السودان، وبالفعل فإن الاستجابة للتجنيد في صفوف الدعم السريع مثيرة للاهتمام.

تجنيد لتعزيز نفوذ الإمارات مقابله تسليح ثقيل

حينما توسعت تدريجياً عمليات الإمارات عسكرياً في اليمن، كانت بحاجة إلى جنود يقاتلون ويسندون الوجود العسكري للدولة النفطية الصغيرة، والتي تتطلع إلى دور رئيسي في الإقليم. فلم يكن هناك من خيار أفضل من الجنود السودانيين. في 2017 طلبت الإمارات من حليفها "حميدتي" تجنيد عناصر عربية من قواته يتميزون بسحنات تطابق إلى حد ما السحنة الإماراتية. أُنجزت المهمة بتجنيد الآلاف، وهم الآن يرتدون زي الجيش الإماراتي ويقاتلون في اليمن! ولما كانت الحاجة مستمرة لمقاتلين سودانيين، استطاعت الإمارات إنشاء جسر جوي لنقل الجنود من معسكرات التجنيد في دارفور إلى اليمن مباشرة. ثم انتقل الأمر إلى ليبيا التي تبحث الإمارات عن نفوذ فيها، فأرسل "حميدتي" ما يقرب من 2000 جندي كدفعة أولى تقاتل بجانب المشير خليفة حفتر، الذي تدعمه الإمارات ضد الجماعات الإسلامية، ويُورّخ لبداية التعامل المباشر بين الإمارات و"حميدتي" بأواخر 2017 وبداية 2018.

مع التمدد العسكري لهذه القوات، أسست نحو 3 معسكرات رئيسية في أطراف الخرطوم، و7 معاهد عسكرية لتأهيل وتدريب عناصرها. وفي وقت سابق استطاع قائد القوات ("حميدتي") بمعاونة بعض جنرالات الجيش السوداني الاستحواذ على منحة روسية لتدريب قوات خاصة قوامها 5000 رجل، كان من المفترض أن تكون لصالح الجيش السوداني علاوة على صفقة أسلحة ثقيلة تكفلت بها الإمارات، تقرر لها أن تكتمل بعد سقوط البشير، إلا أنها أُرجئت مع تصاعد موقف الرأي العام ضدها، سواء داخل الجيش أو في الشارع. وتشمل الصفقة دبابات وطائرات، وهي الأسلحة التي يتفوق بها الجيش السوداني على تلك الميليشيا إذا ما أجرينا مقارنة بينهما على مستوى التسليح.

لم يتوقف التمدد عند هذا الحد، فاتجهت قوات الدعم السريع إلى تأسيس مطارين حربيين في إقليم دارفور غربي السودان (الزُرُق والمثلث) ونشّطت في هذه المناطق المنهكة بالحروب مشروعات خدمية وتنموية واسعة تنفذها بنفسها ما يكشف عن مشروعها السياسي الكبير.

"الموارد" هي سرّ التحالف

ربما تعتقد الإمارات أن الجيش السوداني هو مجرد تنظيم إخواني بواجهة وطنية شاملة. لكن هذا الاعتقاد ليس السبب الرئيس في دعم ميليشيا قبلية وفي محاولة إحلالها محل الجيش. فملف التجنيد المستمر للمقاتلين له أهمية كبيرة للإمارات التي توسعت عسكرياً في اليمن وفي ليبيا. غير أنه وبالنسبة لـ "حميدتي"، فهو لا يمثل - كما يتصور كثيرون - مصدراً مالياً رئيسياً لإمبراطوريته الاقتصادية. فالتحالف بينه والإمارات يتعدى تجنيد المقاتلين إلى "تجنيد" الموارد.

الدعم السريع الذي يسعى إلى وراثة إمبراطورية النظام البائد الاقتصادية، يسيطر بشكل شبه كامل على قطاع المعادن الذي يدر أموالاً هائلة، يذهب القليل منها إلى خزينة الدولة، فيما تحصد القوات الأمنية والعسكرية هذه الموارد عبر التهريب إلى الخارج. وعلى سبيل المثال، فإن منطقة جبل عامر غربي السودان، الغنية بالذهب والمعادن، تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع وبعض مليشيات حرس الحدود، التي تنشط أيضاً في التنقيب بمناطق جنوب كردفان، وفي مناطق نهر النيل شمال الخرطوم. الذهب يتم تهريبه بشكل مستمر إلى خارج السودان، ويُباع في الإمارات، حيث أعلنت وزارة المعادن السودانية في وقت سابق أن الفاقد من الذهب تجاوز 48 طناً خلال النصف الأول من 2018، وقُدرت نسبة الفاقد بـ 77 في المئة من الإنتاج الكلي.

ولا يمكن الدخول الى منطقة مثل "حفرة النحاس" الغنية بالمعدن إلا بموافقة قائد "قوات الدعم السريع" وفقاً لما أعلنه مسؤول في وزارة المعادن. كما لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة حول احتياطي المعادن ولا الشركات العاملة في المجال، فالقطاع برمته تحت سيطرة تلك القوات، ويتداول بعض العسكريين النظاميين معلومات حول بداية نشاط في تهريب اليورانيوم، وسبق أن أعلنت الحكومة السودانية في آذار/ مارس 2018 فتح الباب للاستثمار في معدن اليورانيوم في دارفور.

تهرّب المعادن لتباع في الإمارات وسط معلومات بوجود شراكة بين "حميدتي" وأمراء بارزين. وتتطلع الإمارات إلى استثمار زراعي طويل الأجل شرعت في ترتيب معطياته، وهو يخص مساحات شاسعة في غرب السودان، وتحديداً في "دار زغاوة". ومناطق قبيلة الزغاوة منحدرة من أصول أفريقية (غير عربية) وقد تعرضت لحملات إبادة جماعية مهولة على يد الميليشيات "العربية"، مما يخيف الإمارات.

... المشروع الذي يبدو في ظاهره زراعياً ينطوي على موارد هائلة. فأرض المشروع تقع على الحدود مع ليبيا، كان سبق أن استكشف فيها النفط بواسطة شركة شيفرون الأمريكية. وتشير المعلومات إلى وجود احتياطي هائل من النفط، علاوة على مناجم الذهب واليورانيوم في وادي العطرون الواقع داخل نطاق المشروع.
السفير العربي