2024-11-26 03:52 م

دراسة إسرائيلية تفضح مساعي الاحتلال للضم السياسي تحت ستار “التعاون الاقتصادي”

2019-10-25
وديع عواودة
يلقي تقرير إسرائيلي جديد الضوء على ما يتعرض له الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية في العقود الأخيرة من مخاطر حقيقية أخطرها الضم السياسي تحت ستار “التعاون الاقتصادي”.

وفي دراسة ترجمها المركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية (مدار) يفضح الباحثان دوتان ليشم وشير حيفر كيف تسعى إسرائيل لتطبيع الاحتلال بوسائل اقتصادية وسط صمت أو تواطؤ دولي معها. ويقول التقرير الإسرائيلي إن مستشار الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنير استطاع في سياق عرض الشقّ الاقتصادي من “صفقة القرن” أن يبيّن المِحَن التي تُلِمّ بالاقتصاد الفلسطيني بقدر كبير من الإسهاب دون أن يأتي على ذكر الاحتلال الإسرائيلي.

واستحضر كوشنير وهْم الرخاء الاقتصادي الذي سينعُم به الفلسطينيون كما لو أن القوات الإسرائيلية لم يكن لها وجود في الحيّز الفلسطيني. ويتابع: “في الوقت نفسه، نقلت إدارة دونالد ترامب سفارتها إلى القدس واعترفت لإسرائيل ببسط سيادتها السياسية على الجولان السوري الذي ضمّته إلى إقليمها دون وجه قانوني، وحيث كُشِف النقاب عن إقامة مستعمرة يقتصر السكن فيها على اليهود دون غيرهم، وهي مستعمرة “رامات ترامب”. كما يشير لإعلان سفير الولايات المتحدة ديفيد فريدمان وكبير المفاوضين الأمريكيين جيسون غرينبلات عن دعمهما لضمّ المستوطنات غير القانونية المقامة على أراضي الضفة الغربية.

ويعتبر التقرير الإسرائيلي أن هذا تطبيق واعٍ ومدروس للعزل من الناحية النظرية: ففي وُسع إسرائيل أن تتوسع كما لو كأن الفلسطينيين ليس لهم وجود. وفي المقابل، تستطيع فلسطين أن تنمو كما لو تكن تقبع تحت نير الاحتلال. ويتساءل كيف غدا الاحتلال العسكري الإسرائيلي، الذي عارضته كلّ الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة في مستهلّ الأمر، يحظى بالتطبيع إلى درجة تجرّأت فيها حكومتا إسرائيل والولايات المتحدة على استبعاد واجهة الاحتلال “المؤقت” واعتناق فكرة دولة “إسرائيل الكبرى” التي ترتكز على الفصل العنصري في أساسها، حيث تفرض أقلية يهودية حكمها على الأغلبية الفلسطينية بوسائل تتنافى مع الديموقراطية وبالقوة العسكرية؟

ويوضح أن هذه العملية التي ترمي إلى تطبيع الاحتلال قد صيغت بعنايةٍ في قاعات مجالس إدارة خبراء الاقتصاد والإحصاء ومكاتبهم، ولا سيما في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، من خلال الاستعانة بالنظام القانوني “للإقليم الاقتصادي” من أجل التسليم بالضم باعتباره حقيقة قائمة بحكم الأمر الواقع.

حدود الإحصاءات

وينبه التقرير الإسرائيلي لـدأب الجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي، منذ أمد بعيد، على نشر البيانات الإحصائية التي تتناول النشاط الاقتصادي الذي يديره المستوطنون اليهود في الأرض الفلسطينية المحتلة، وبذلك يوسع هذا الجهاز حدود إحصاءاته لتشمل المناطق التي تقع خارج الخط الأخضر. أما في الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية)، فلا ينشر الجهاز سوى بيانات إحصائية ترصد الأنشطة الاقتصادية التي يرعاها السكان اليهود فيها، مما يضفي طابعاً عنصرياً على حدود الإحصاءات الإسرائيلية.

وبرأي الباحثين وظّفت السلطات الإسرائيلية إنشاء الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في العام 1994 باعتباره ذريعةً لتجاهل الأغلبية الساحقة من سكان الأرض الفلسطينية المحتلة، والتعامل مع هذه المنطقة كما لو كانت منطقة تقلّ فيها كثافة السكان الإسرائيليين اليهود.

منظمة التعاون والتنمية الدولية

ونوه إلى أن هذه الممارسة تبوأت موقعاً محورياً في الخلاف الذي نشب بين إسرائيل والدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الدولية في الميدان الاقتصادي عندما خاضت المفاوضات بطريقتها الخاصة للانضمام إلى عضوية هذا النادي الحصري. فلم تكن الدول الأعضاء في المنظمة تقرّ بما قامت به إسرائيل من توسيع حدودها إحصاءاتها على أسس عنصرية.

ومن جانب آخر، لم تُبدِ إسرائيل الاستعداد للتنازل عن الطموح الاقتصادي الذي يشكّل أحد محاور سيادتها. وقد اقترح شلومو يتسحاك، رئيس الجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي، على منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، أن تُدرِج إسرائيل المستوطنات اليهودية في حساباتها القومية بوصفها منطقة اقتصادية خالصة، باعتبارها وسيلةً للخروج من ذلك المأزق والسماح لإسرائيل بالانضمام إلى المنظمة.

ويضيف التقرير: “وقد خرجت المنطقة الاقتصادية الخالصة نفسُها إلى حيّز الوجود بوصفها آلية من آليات القانون الدولي، التي اجترحها مؤتمر الأمم المتحدة لقانون البحار في العام 1982. وقد وظّف المجتمع الدولي المنطقة الاقتصادية الخالصة كوسيلة لتهدئة العالم الذي شهد إدماناً متزايداً على الوقود الأحفوري في الفترة التي تلت انقضاء الحرب العالمية الثانية، وذلك من خلال ترسيم مجموعة جديدة من الحدود التي تتخطى الحدود السياسية واصطُلِح على تسميتها “بالإقليم الاقتصادي”.

ويستذكر التقرير أنه بعدما دخلت المنطقة الاقتصادية الخالصة حيز النفاذ والسريان في العام 1994، غدت كل دولة ساحلية على وجه الأرض تملك، فجأةً، مجموعتين من الحدود، إحداهما سياسية والأخرى اقتصادية. وقد تمتدّ الحدود الاقتصادية حتى مسافة تبلغ 200 ميل بحري داخل الأراضي التي تقع في قاع البحر على امتداد شواطئ الدولة الساحلية. وحسب التقرير تستطيع دولة ما، في هذه المنطقة، التي تسمّى “المناطق الاقتصادية الخالصة”، أن تفرض الاحتكار الاقتصادي على استغلال الأحافير التي باتت تُعَدّ من الموارد الطبيعية في يومنا هذا. ويؤكد أنه في وُسع هذه الدولة، كما هي حال النرويج مثلاً، أن تستغل هذه الموارد الطبيعية وأن تنشئ صندوقاً للثروة من شأنه أن يضمن الأمن الاقتصادي لمواطنيها.

“المنطقة الاقتصادية الخالصة”

وحسب التقرير وبخلاف ذلك، تستطيع هذه الدولة أن تعهد بالحق الحصري في جني الأرباح من هذه الموارد إلى مصادر خارجية وفرض الضرائب عليها مقابل نسبة مئوية من الإيرادات المتحصّلة منها. ويتابع: “فضلاً ذلك، ففي وسع تلك الدولة أن تتنازل عن هذا الحق دون مقابل لحفنة من الشركات المتعددة الجنسيات. وأخيراً، فقد تترك الدولة المعنية تلك المناطق وشأنها بدافع من حرصها على رفاه الكوكب وسكانه”.

ويقول التقرير إن مصطلح المنطقة الاقتصادية الخالصة الذي وظّفه يتسحاك على نحو غير تقليدي لم يغير، وتعامل بموجبه مع الضفة الغربية باعتبارها محيطاً والمستوطنين الإسرائيليين كما لو كانوا أحافير، الواقع الذي يقول إنه كان يقترح نهجاً إحصائياً قائماً على العزل العنصري: ففي الأرض الفلسطينية المحتلة، تشمل الإحصاءات تعداد من لا يتجاوز عددهم 600 ألف إسرائيلي يهودي، في حين لا يرِد ذكر الفلسطينيين الذي يبلغ تعدادهم 5ر4 مليون نسمة في الإحصاءات بكل بساطة.

وقد رفضت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي طرح يتسحاك، وطالبت إسرائيل بإرسال الإحصاءات التي لا تشمل الأرض الفلسطينية المحتلة على الإطلاق. ويشير التقرير الإسرائيلي إلى أن الحل التوفيقي الذي جرى التوصل إليه تمثل في أن تنضم إسرائيل إلى منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في العام 2010، وأن تضع بين يديْ المنظمة إحصاءات جديدة في غضون عام واحد، بحيث تميّز بين إسرائيل ضمن حدودها التي تحظى باعتراف دولي والأرض الفلسطينية المحتلة. وقد أخلّت إسرائيل بهذا الاتفاق، واستعانت المنظمة بخبرائها الاقتصاديين في سياق المحاولة التي بذلتها للخروج بهذا التمييز.

تواطؤ دولي

ويؤكد التقرير الإسرائيلي أن الفشل كان من نصيب المنظمة بالطبع، حيث انتهى بها المطاف إلى نشر تقارير حول إسرائيل على النحو الذي أراده يتسحاك تماماً: فقد أدرجت الإحصاءات التي تشمل جميع المواطنين الإسرائيليين في إسرائيل وفي الأرض الفلسطينية المحتلة، وغضّت الطرف عن 5ر4 مليون فلسطيني يعيشون في الأرض الفلسطينية المحتلة ويقبعون تحت السيطرة الاقتصادية الكاملة التي تفرضها إسرائيل عليهم.

ويكشف أن أي امرئ يسعى إلى كتابة قصة الاقتصاد الذي يشهد التمييز في إقليم فلسطين التاريخية يواجه عقبات عدّة فإسرائيل لا تنفكّ تخالف الاتفاق الذي أبرمته مع منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ولا تقدّم مجموعتين من الحسابات القومية، إحداهما تشمل المنظمة الاقتصادية الخالصة والأخرى لا تشملها.

وينبه التقرير أنه في البيانات الإحصائية التي ينشرها الجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي على الملأ، لا يصنَّف النشاط الاقتصادي في المنطقة الاقتصادية التابعة لإسرائيل إلى نشاطين واحد في الأرض الفلسطينية المحتلة وآخر داخل إسرائيل، ولذلك، فليس هناك من طريقة سهلة لحساب الإحصاءات التي تتناول إسرائيل ضمن نطاق حدودها السياسية.

ولا يُعَدّ جمع الحسابات القومية التي ينشرها جهازا الإحصاء المركزيان الإسرائيلي والفلسطيني مع بعضها بعضاً مهمة يسيرة كذلك، لأن كلاً من هذين الجهازين يستخدم منهجيات مختلفة، ويُجري التعداد السكاني في أعوام مختلفة ويوظِّف تعاريف مختلفة في ترسيم حدود المناطق. ويظهر هذا الأمر بجلاء في أكبر مدينة إسرائيلية وأكبر مدينة فلسطينية -القدس- التي يدّعي جهاز الإحصاء المركزي الإسرائيلي وجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني أنها جزء من منطقته الاقتصادية.

الاقتصاد الواحد

وحسب هذا التقرير تحظى إسرائيل بسمعة دولية بوصفها دولة حديثة تملك اقتصاداً مزدهراً قائماً على التكنولوجيا المتقدمة ونظامين ممتازين في التعليم والصحة. ويؤكد التقرير أن هذه النظرة إلى الاقتصاد الإسرائيلي لا تتيسّر إلا بالتسليم الضمني بالعزل المتأصل في المنظومة السياسية الإسرائيلية.

وفي ظل واقع الاحتلال والنظام العنصري المنتهج في إسرائيل ضد الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر ينبه التقرير أن رئيس حكومتها نتنياهو يتمنّى أن يقدّم للعالم اقتصاداً إسرائيلياً لا يقيم وزناً إلا لما نسبته 63 % من المواطنين، ونحو 42 % من السكان في الاقتصاد الواحد. وبناءً على ذلك يتساءل ما الذي تبدو عليه إحصاءات الاقتصاد الواحد في الواقع؟ وما متوسط الناتج المحلي الإجمالي للفرد في منطقة إسرائيل/فلسطين برمّتها؟ وما النسبة المئوية للأفراد العاطلين عن العمل والأفراد الذين يعيشون تحت خط الفقر؟ وما متوسط سن العمل؟

وتبيّن العقبات المنهجية التي تواجه هذه الأسئلة، التي تبدو بسيطة في ظاهرها، مدى تطرُّف فكرة الدمج، حتى من وجهة نظر إحصائية فحسب. ويضيف التقرير: “هذه الحسابات تتطلب اقتطاع مقتطفات من تقارير تكاد لا تتوائم معاً وتقدّم بيانات غير متزامنة ومجمّعة حسب منهجيات مختلفة وحياكتها معاً”.

المصدر: القدس العربي