2024-11-24 05:01 م

هل تقبل روسيا بأبوظبي في شمال سوريا مقابل دفع تكاليف «الإعمار»؟

2019-09-28
وائل عصام

كان من المعروف أن الأمريكيين يبذلون جهودا مع أبوظبي والرياض، للعب دور في شمال سوريا بحماية مناطق الأكراد، في ضوء ترتيبات الأمريكيين للانسحاب بعد قرار ترامب .
لكن يبدو ان موسكو دخلت على الخط هي الأخرى! فباتت لا تمانع من تواصل الإماراتيين مع الأكراد شمال سوريا، مقابل مبادرات أبوظبي الإيجابية تجاه دمشق، المتمثلة في المساهمة بإعادة الإعمار، ودفع الرياض وتشجيع الدول العربية لاتباع المسار نفسه تجاه التطبيع مع الأسد، خصوصا بعد الإعلان عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين ابوظبي ودمشق.
بداية، علينا أن نتذكر أن الأمريكيين زجوا السعودية والإمارات في شمال سوريا، منذ نحو العامين، وكان الهدف المشترك هو إيجاد داعم إقليمي للقوى الكردية، بوجه أنقرة، الراغبة بمسح مشروع روجافا من حدودها الجنوبية، وقد ظهرت للعلن عدة نشاطات في هذا الإطار، ففي نهاية شهر مايو/أيار من العام الماضي، ظهرت أنباء عن اجتماع عقد في قاعدة «خراب عشك» الأمريكية قرب مدينة عين العرب «كوباني»، ضم ضباطا من السعودية والإمارات مع الأمريكيين، وكان الحديث يدور حينها، عن تشكيل قوات «حرس حدود» على الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، وأثار هذا الاجتماع حفيظة الأتراك، ووتر العلاقات المتوترة حتى اليوم مع واشنطن .ولعل الاجتماع الاشهر، هو الذي عقده الوزير السعودي السبهان قبل نحو ثلاثة أشهر، في القاعدة الأمريكية داخل حقل العمر النفطي في ريف دير الزور، حيث التقى ممثلي عشائر عربية وأعضاء المجلس المدني لدير الزور التابعين لـ»قسد».. ولم تفت السبهان ممارسة طقوس البترودولار في الدبلوماسية السعودية، إذ وزع مبالغ نقدية على من التقاهم..
حتى الان، يبدو سياق هذا النشاط السعودي الإماراتي واضحا، إذ أنه يدور في الفلك الأمريكي، الهادف لإيجاد قوة إقليمية تعزل الأكراد عن حدود تركيا.. ولكن الدور الروسي جاء كعامل دولي جديد، يهدف على ما يبدو، لسرقة أوراق اللعبة في الشمال السوري من الأمريكيين، وتوجيهها لصالح الرؤية الروسية بدعم نظام الأسد، مقابل تفهم مطالب الأكراد شمال سوريا .
يلاحظ طالب الدكتوراه في جامعة أكسفورد صامويل راماني، في مقال كتبه لمركز كارنجي، أن روسيا ترى فرصا للتعاون مع الإمارات في سوريا بعد قرار إعادة العلاقات الدبلوماسية، ويشير للنقاش المثار داخل أروقة الكرملين حول هذا الأمر، فنائب رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي (RIAC)، ألكسندر أكسينينوك، كان يأمل أن تؤدي سياسة الإمارات إلى تحسين موقف الدول العربية والسعودية، خصوصا من الأسد. ويتحدث راماني عن اجتماع عقده أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف مع مستشار الأمن الوطني الإماراتي الأمير طحنون بن زايد آل نهيان، وتم تخصيصه لشمال سوريا، وهو إشارة اخرى، لرغبة موسكو ايضا سحب الورقة الكردية بالعمل على التعاون مع الإمارات في احتواء النفوذ التركي شمال سوريا، والأهم دفع ابوظبي لتقديم خدمات مالية وتطبيقية لنظام الاسد، الذي تسعى موسكو لإعادة تأهيله عسكريا وسياسيا. ولعل اللافت هو الاستجابة الإماراتية السريعة والحماسية إذ ذاك، فكان قرارها بمشاركة رجال الأعمال الإماراتيين في معرض دمشق الدولي نهاية الشهر الماضي، وسط حديث عن احتمالية أن توجه موسكو دعوة لابوظبي المشاركة كمراقب في اجتماعات أستانة.
ولعل الموقف البارز الآخر للدبلوماسية الاماراتية في هذا الشأن، هو تبني ابوظبي خطاب النظام السوري، في ما يتعلق بالمنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها شمال سوريا، إذ خرج وزير الدولة الإماراتي قرقاش بتصريحات يرفض فيها إقامة تركيا منطقة عازلة شمال سوريا، داعياً لتوفير حماية للأكراد، مؤكدا رفض بلاده للوجود التركي في سوريا .كانت تصريحات قرقاش تصدر حينها، وسط أنباء نشرها موقع ديبكا الإسرائيلي، عن احتمالية ضغط روسي على الأسد، لقبول نشر جنود إماراتيين ومصريين، مقابل تمويل أبوظبي لعمليات إعادة الإعمار .
لا تزال موسكو اذن، تحاول مسك خيوط اللعبة كاملة في سوريا، فبعد علاقاتها التحالفية مع طهران ودمشق وأنقرة، ها هي تحاول إنجاز تسوية مع الأكراد وتقديم نفسها كبديل يراعي مصالحهم بدلا من واشنطن، وقبول تواجد سياسي للاماراتيين شمال سوريا وإرضاء تركيا، بان هذا التواجد سيمثل فاصلا «عربيا» يؤمن عزل أكراد سوريا عن أكراد تركيا، ومنح تركيا مساحة لإبعاد النازحين السوريين الذين سيشكلون أيضا شريطا ديمغرافيا عربيا عازلا بين الاكراد، وبالمقابل استثمار المال الإماراتي لإعمار ما دمره الأسد، هذه كلها نوايا مفترضة لموسكو، لكن تطبيقها قد لا يسير بشكل سلس وسط عواصف سوريا الهوجاء.

القدس العربي