2024-11-30 06:36 م

فلسطين تطلب الحماية الدولية

2019-09-15
بقلم: نهلة الشهال
الحماية الدولية يمكن ان تطلبها السلطة الفلسطينية وتعتبرها آخر أعمالها، فتضع الأمم المتحدة أمام مسئولياتها. وهو مخرج من الورطة يستحق ان يدور حوله الصراع الحيوي بغض النظر عن مقدار تحققه، لأنه ينقل الارضية التي تجري عليها الأمور الى سوية أخرى. وأما الاستمرار بآليات الوضع الحالي والمحاجة في نطاقه فعقيم.
نعرف أن فلسطين لم تُمحَ ولا يمكن لها أنْ، ليس فحسب كقضية في الوجدان، وجدان الملايين من أبنائها وأيضاً الملايين ممن يتمسكون بالعدالة في العالم.. بل لأنها ترتبط بمسألة إسرائيل ككيان استعماري مزروع في منطقتنا، كانت له وستبقى "وظائف" تتعلق بالهيمنة، وبالتدخل لمنع مسارات وتطورات تخص مجتمعاتنا – انظروا ما يتكشّف الآن بالوثائق وليس بالظنون عن دور إسرائيل في العدوانات على العراق، وعن جنونها الحالي فيما يخص إيران... جنون إسرائيل يمكنه أن يطال أي حدث في أي بلد من المنطقة ولن يُهدئ من قوته التدميرية أي اتفاق مهما كان: ستبقى المراقب والشرطي على المجتمعات العربية بنصف مليارها أو يكاد!

إسرائيل ليست دولة عادية ويمكن أن تصبح "طبيعية"، ليس لأنها نشأت بطريقة ظالمة لسواها، بل لأن إسرائيل تطابق وظائفها تلك بشكل تام. هي وظائفها. ولذا فمقارنتها بنشوء الولايات المتحدة الامريكية مثلاً وسائر دول القارة على أنقاض السكان الاصليين، وعبر إبادتهم عملياً، ليست سوى جزء من الصورة.

ثم أن اعلان نتنياهو ضم غور الأردن وشمال البحر الميت ليس مفاجأة. صحيح انه كتم هذا الترسيم ليستخدمه في تعزيز حظوظه في كسب الانتخابات البرلمانية الوشيكة (من دون ان تكون هذه الحظوظ مهددة فعلاً، فمعظم الاسرائيليين يتخطونه في بشاعة مواقفهم)، لكن واقع ضم غور الأردن قطع اشواطاً بعيدة منذ احتلاله في 1967. هو اليوم وبنسبة 88 في المئة من مساحته (التي تبلغ ثلث مساحة الضفة الغربية أو 1155 كلم مربع) تحت السيطرة العسكرية الاسرائيلية المباشرة والمشددة، وتحت رحمة 31 مستوطنة يقطن فيها اكثر من 11 الف مستوطن.

مقالات ذات صلة

 استحالة تقسيم فلسطين: بين الاستعمار والاستعمار الاستيطانيّ

ضم الغور رسمياً، بامكاناته الزراعية المهمة (60 في المئة من الانتاج الزراعي لفلسطين) والمائية (فهو حوضها المائي الفعلي) يعني مصادرة كل ذلك وتجاوز "الترتيبات الصغيرة" التي كان معمولاً بها حتى الآن. بقيت في الغور مدينة أريحا و27 قرية فلسطينية تضم حوالي 60 الف ساكن. هل هي مشكلة؟ بل يرحَّلون كما حدث مع سواهم، أو يُستعْبَدون، وتنقطع الضفة الغربية عن الأردن تماماً، وهي أيضاً غاية رئيسية لهذا الترسيم.

استُفز الاردن، بل استُفزت حتى السعودية التي كانت تعمل مع جاريد كوشنر – صهر ترامب – على الاعلان عن "صفقة القرن". عما سيعلنون الآن؟ سحب نتنياهو البساط من تحت أقدامهم.

وحين أقال ترامب بعد ذلك بيوم جون بولتون، مستشاره للأمن القومي، وأشدّ رجاله "حربجية"، ومن كان يقال فيه "انه هنا ليمنع ترامب من إقامة اتفاقات تضر بمصالح امريكا"، حينها ذُكِرت مسائل مثل العلاقات مع روسيا وكوريا وإيران وافغانستان، والخلافات بين الرجلين بخصوصها.. ولم تُذكر فلسطين! ومعلوم أن بولتون صهيوني متعصب للغاية، ولكن يبدو أنه وترامب متفقان في هذا الشأن.

وأما ما يغيظ في المشهد، فهي ردود فعل السلطة الفلسطينية: يدينون اسرائيل التي "لا تريد السلام" و"تخالف الشرعية الدولية". هم يا قوم قالوها بالحرف وبصراحة ومنذ زمن، وبكل الاشكال الكلامية والعملية الممكنة، فأي اكتشاف هذا؟ ورئيس السلطة يهدد بـ"الغاء كل الاتفاقيات": فهل يقدر على الإعلان، وهو الجانب الشكلي المتبقي منها، لأنها واقعياً ملغاة أو لم تقم أصلاً ومنذ اللحظة الاولى لأوسلو، إلا فيما يخص الجانب المتعلق بتكليف السلطة وأجهزتها وقوات أمنها بإدارة الضفة الغربية بأحسن ما يمكن.. لإسرائيل.

فهل يُعلن ذلك ويتخلى عن امتيازاته (الشخصية) هو ووزرائه وزمرته، ويعرّض نفسه ويعرضهم لغضب اسرائيلي ينصب عليهم مباشرة؟ وأما الناس فهم تورطوا مع إدارة هذه السلطة لشؤونهم بكل السيئات الممكنة.

يمكن لعباس أن يجد "مخرجاً" من الورطة، وهو يستحق ان يدور حوله الصراع الذي يمكنه أن يكون دينامياً بغض النظر عن مقدار تحققه، لأنه ينقل الارضية التي تجري عليها الأمور الى سوية أخرى. يطلب وضع فلسطين – أو الضفة والقدس على أقل تقدير، ومعهما قطاع غزة، وإلا يكون التخلي عنه عيباً اخلاقياً قبل ان يكون سياسياً - تحت الحماية الدولية. سيكون ذلك جواباً على الوضع البائس الذي وصلت إليه الأمور بسبب العدوانية الاسرائيلية والتواطؤ الدولي والعربي معها، وبسبب كل السياق الذي اختارت السلطة الفلسطينية المضي فيه. سيكون ذلك جواباً على إعلان نتنياهو هذا الذي يأتي بعد ضم القدس، وعلى صفقة القرن (لو ما زالت واردة)، وعلى التحركات السرية التي تدور في فلكها، بحيث صار كل تصرف مشبوه يُنسب إليها، فيشار الى الضغوط على الفلسطينيين في لبنان لتهجيرهم كبديل عن توطينهم بطلب أمريكي، وعن حصيلة معارك دمشق التي لم تُبقِ عملياً فلسطينيون في البلاد خصوصاً بعد تدمير مخيم اليرموك.. وحتى عن النوايا التي تقف خلف الإعلان مؤخراً عن "مملكة الجبل الاصفر" – أو الأخضر - في طرف حلايب، أعلى السودان المطل على البحر الاحمر والسعودية والقريب من سيناء، كمكان محتمل لتوطين الفلسطينيين..

الحماية الدولية يمكن ان تطلبها السلطة الفلسطينية وتعتبرها آخر أعمالها. فتضع الأمم المتحدة أمام مسئولياتها. وأما الاستمرار بآليات الوضع الحالي والمحاجة في نطاقه فعقيم إن لم نقل أنه تواطؤ مع العدو.

السفير العربي