2024-11-30 12:35 م

من مذكرات غراب في بلاد الاعراب

2019-08-19
بقلم: كمال خلف

سدت أمام الغراب الأبواب،  ومنعت عنه الشاشات بعد أن كانت تستقبله بالدولارت، نعق وزعق عليها طول سنين، وبين الحين والحين يبث سموم الطائفية متلحفا بالدين، مهنة اكسبته الملايين وأكل اللوز والتين، ولكن المسكين اليوم أمام واقع مستكين.

فلم يعد أمام الغراب إلا الدموع بعد أن سقط المشروع . فالأمور تغيرت وتبدلت .فمن خال نفسه بالأمس يقود.. قعد على قفاه قعود، ولم يعد دوره محمود، وضاع الغراب، فكيف يصبح عاطلا عن العمل وقد  عقد الأمل على شريعة الغاب، ولن  ينفعه العتاب فالأمور خرجت عن السيطرة والموازين أنقلبت، والماء في الجرار انسكبت،  والزمن لا يعود  فالخصوم نجحوا في الصمود، وال فرعون وثمود عليهم شهود، فماذا يفعل المقرود؟ وهل يكافئ على هذا المجهود بالنكران والجحود.

فكر أن يلاحق التغيير، وأن يجد لنفسه موقعا خطير في الوضع الجديد المثير، لكن لن يصدقه أحد.. فهو في الخصومة فجر، وبالتحريض استعر، وهبط بالخطاب إلى سقر، وما إدراك ما خطاب سقر. مكان يهوي فيه اللسان  إلى مستوى روث البقر.

فكيف يبدل جلده وويلون خده ، ويلوي اللسان، ويغير وجهة البنان، ويتحدث كإنسان، والغراب خبير بالنعق والزعق والتكفير والتزفير، وماله باع في لغة السباع أو بصفير العصافير.

من أين سيعيش، إذا ترك رعاته الامر، وانقلبوا على السحر، وسلموا بواقع الأمر. فقد كان لديهم مشروع، في المنطقة مزروع، يبشرون بالربيع في الربوع، ورائحة الدم منه تضوع، لكنهم انتهوا إلى الحسرة والدموع ، فقرروا ترك الموضوع، وتجفيف الينبوع، وإغلاق فم الغراب المطيع السموع، لكنه بهذا الوضع يجوع، فمن سيدفع له إذا تقاربت الجموع.

قرر الغراب أن يحل الأزمة، وأن يحتال على الغمة، فقد أهدته التكنولوجيا نعمة وقدمت له ولامثاله خدمة، فليس له إلا مكان واحد، يبث فيه السموم و يمارس هواية المحروم في قذف وسب الخصوم.

هناك نعم هناك في “السوشل ميديا”، في الفضاء الاجتماعي في توتير وفيسبوك.. يلعن أبوك ، ويلعن من خلفوك، ولا من يحاسبه أو يعاتبه، ولن يظهر انه محسوب على طرف، ولن يضغط عليه الخلف والسلف، والقبض هناك سلف، وفي الخفاء يحرك الدهماء ، ويضحك على البسطاء، ويقول هذا حسابي وانا حر، فمن يناقش احذفه بكبسة زر.

 وقد يحصل على المراد في صراع الأضداد، فالأمثال تقول  عندما تتقاتل  الثيران  تشبع الثعالب، وعلى حواشي برك الماء تنمو الطحالب، “إذا فليكن عملي الجديد في هذا الفضاء المديد”، صاح الغراب، وسانشر الخراب، واحرض  الذئاب واطعم الذباب مما لذ طاب، وسأملا الدنيا سباب دون عتاب أو سؤال أو جواب، ولن احتاج إلا لهاتف أو تاب . وانترنت مع كرسي وأمامي كتاب، وموقع جذاب، وتعال تفرج يا حباب.

 وبالفعل تحول الغراب المتشرد إلى مغرد ،وصار له متابعون ومريدون، يصفقون ويمدحون ويرتوتون.

وصعد نجم الغراب، حتى صارت تفرش له الأعتاب ، ويستقبل في القصور مع المفكرين والكتاب، فقد أصبح من قادة الرأي، ويؤثر في الناس، كالوساس الخناس، وعلى هذا المنوال تبدلت الأحوال، وصار الغراب مرتزق جوال ، يغرد لمن يدفع له المال . فقد أصبح الأرتزاق له مهنة، وزالت المحنة.

 ففي بلاد العرب ترى العجب.

كاتب واعلامي فلسطيني