2024-11-30 12:49 م

الثعلب الاغبر

2019-08-13
بقلم: نبيه البرجي
هذه هي الأوراق الذهبية بين يدي رجب طيب اردوغان. الأوراق التي يمكن أن تدمر صاحبها ان أخطأ في اللعب، أو اذا ما تغيرت الظروف في اتجاه آخر.

يعلم أن ادارة دونالد ترامب لا يمكن أن تستغني عنه. ليس بسبب أهمية قاعدة انجرليك التي تختزن عشرات الرؤوس النووية الأميركية، وليس لأن تركيا عضو في حلف الأطلسي، وعلى أرضها منشآت الدرع الصاروخية بأبعادها الفولكلورية، وانما لأن اقتراب أنقرة أكثر قأكثر من كل من موسكو وطهران، لا بد أن يحدث تداعيات كارثية على الدور الأميركي، وربما على الوجود الأميركي، في الشرق الأوسط.

يعلم أيضاً أن الروس بحاجة اليه ليس لكون البلدين يشاطئان البحر الأسود، وما لمضيق الدردنيل من حساسية بالنسبة الى الأسطول الروسي، ومع اعتبار أن العلاقات بين القياصرة والسلاطين مرت في مراحل دموية، وصاخبة، امتداداً الى العهد الجمهوري الذي اختار الانضواء تحت الراية الأميركية. .

فلاديمير بوتين يدرك، بانورامياً، ما كان الدور التركي في تفجير الأزمة السورية، كما يدرك أن العلاقات الجيدة مع اردوغان يمكن أن تساعد في اقفال ملف الأزمة، خصوصاً بعدما بدا، بالدليل القاطع، أن تفكيك سوريا يستتبع، ميكانيكياً، تفكيك تركيا بتركيبتها الاتنية، والطائفية التي طالما عانت من ارتجاجات عاصفة.

اردوغان يعلم أن ايران بحاجة اليه. تركيا هي البوابة الكبرى للحد من انعكاسات الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة. ثم ان الايرانيين معنيون بوحدة سوريا، وهذا لا يمكن أن يتحقق الا بالتفاهم مع الرئيس التركي الذي يعتقد

أنه، بعلاقاته المتشابكة، يستطيع التفلت من الحبل الأميركي الذي يلتف حول عنقه، ولطالما أشاع بأن لديه من الوثائق ما يثبت أن الأميركيين كانوا ضالعين، بصورة أو بأخرى، في انقلاب عام 2016.

المشكلة الآن في الثمن الذي يريده اردوغان، ان للخروج من الأراضي السورية التي يتواجد فيها أو لتفكيك الفصائل المسلحة في مناطق ادلب.

لا مجال البتة لقبول أركان الدولة في سوريا باشراك «الاخوان المسلمين» في هيكلية السلطة. هؤلاء الذين يلعبون، كما الأفاعي، داخل الجدران للانقضاض، في اللحظة المناسبة، على كل من حولهم.

منذ البداية «الاخوان المسلمون كانوا يعملون، بادارة تركية، لوضع اليد على سوريا، بالتزامن مع وضع اليد على مصر. هذا ما يؤمن لاردوغان المضي، في مسيرته العثمانية، والسيطرة على المنطقة العربية التي تتهاوى بلدانها تباعاً، وباعتبار أن مصر وسوريا هما المحوران الأساسيان في البنية التاريخية، والجغرافية، للمنطقة.

نقاط قوة الرئيس التركي هي نقاط ضعفه أيضاً. وزيرالدفاع الأميركي مارك اسبر أكد أن بلاده ستمنع القوات التركية من التوغل في مناطق شرق الفرات. هذا لا يحول، أبداً، دون عقد صفقة على حساب الأكراد، بتلك القيادات التي دأبت على دفعهم الى المتاهة.

بطبيعة الحال، ليس باستطاعة واشنطن أن تفرض كانتوناً أو دويلة كردية على الأرض السورية. غير أن بامكانها استنزاف الرئيس التركي من هذه الزاوية، كما أن الأميركيين يعتبرون أن التواجد التركي على الأرض السورية يبقي الأزمة مشرعة على الاحتمالات، فضلاً عن أنه يربك النظام وحلفاءه.

الادارة الأميركية هي من أعطت الضوء الأخضر لاردوغان ليبعث بدباباته الى قطر. هذا كان حلمه في أن يكون له موطئ قدم في الخليج، وان كان وجوده هناك يخضع لمراقبة مجهرية تحول بينه وبين التحرك، ولو لخطوة واحدة، في أي اتجاه.

المعلومات المتداولة تشير الى أن سلة العقوبات على تركيا جاهزة. داخل الدولة العميقة تباين حاد في وجهات النظر حول اخراجها الى العلن، لا سيما وأن اردوغان مستعد للعب لحساب أميركا في أكثر من ملف اقليمي.

الخبراء يؤكدون ان بوسع وزارة الخزانة الأميركية زعزعة الاقتصاد التركي ساعة تشاء. لا حدود لملفات تبييض الأموال، أو لسائر التجاوزات الأخرى. الاقتصاد بات الرهان الوحيد أمام اردوغان بعدما أظهرت الانتخابات البلدية تصدعاً دراماتيكياً في قاعدته الشعبية.

في نهاية المطاف، لا بد أن ينسحب الأميركيون من القواعد السبع في شرق الفرات. حتى اللحظة خطتهم اللعب في الزاوية الى اشعار آخر. هم، حتماً، ضد استعادة الدولة السورية كامل قواها، وكامل أراضيها. حديث وراء الضوء عن الاورانيوم الذي يشكل، مع النفط والغاز، القوة الاقتصادية للدولة السورية.

هذه الثروات تتقاطع مع طاقة بشرية لطالما عرفت بديناميكيتها، ما يضفي على دمشق امكانية الاضطلاع بدور جيوسياسي بالغ التأثير في المحيط، وهي التي لم تكن، في وقت من الأوقات، ظلاً للسياسات الأميركية في الشرق الأوسط.

من السذاجة الرهان على انفجار العلاقات بين ترامب واردوغان اللذين يتصفان بالنرجسية، وبالمكيافيلية، بأقصى مظاهرها. مثل هذا الانفجار لا بد أن يكون لمصلحة دمشق وطهران، وموسكو. واذ لا امكانية لاعادة الأزمة السورية الى الوراء, يبدو الأكراد مجرد وقود تكتيكي في معركة لن يحصد منها الأميركيون والأتراك سوى الهباء...

اردوغان يعلم ذلك. الكانتون الكردي ممنوع. غير أن أجهزة استخباراته لاحظت أن ثمة قوة عسكرية كردية قد تشكلت على الحدود التركية، وهذه لا تتعاطف، وجدانياً فحسب، مع تطلعات عبدالله أوجلان، بل انها تتعاطف معه ميدانياً. الأتراك لا يتحملون الخنجر في الخاصرة. المحادثات التركية ـ الأميركية تتمحور حول نزع الأسلحة الثقيلة من قوات سوريا الديمقراطية وابعاد بعض القيادات التي عرفت باتجاهاتها الراديكالية.

دمشق تصر على رفض أي وجود عسكري غير شرعي على أراضيها. الروس والايرانيون يعلمون أن اردوغان يلعب في قعر الزجاجة. الخطوط الحمر تحدق به من كل حدب وصوب. لا أحد الا ويعلم الكثير عن تفاصيل الدور البشع الذي قام به في تفجير الساحة السورية، ثم ادارتها بالوكالة عن الأطراف الاقليمية والدولية.

لو بقي الذين أطلقوا على كمال أتاتورك لقب «الذئب الأغبر» على قيد الحياة لأطلقوا على رجب طيب اردوغان لقب «الثعلب الأغبر». ماذا يمكن للثعلب أن يفعل اذا كان محاطاً بالأسلاك الشائكة ؟ هدد بتنفيذ العملية العسكرية بعد عيد الأضحى. قيل الأكراد بدل الخراف. هذا لن يحدث الا مسرحياً. الصفقة على النار.

الحاجة الى ريشة سريالية للاحاطة بكل تفاصيل المسرح. مسرح. .. اللامعقول !!