بقلم: نبيه البرجي
تودون أن تروا الجحيم بالعين المجردة؟ أنظروا في وجه جون بولتون. المعلق الفرنسي آلان دوهاميل كتب «كما لو أنه يحمل الفأس على كتفه لكي يقطع أي رئيس يصادفه حتى خلال القداس».
حتى اللحظة، ما زال يتجول بحذائه، وبشاربيه، في رأس دونالد ترامب. دوهاميل قال «انه وديعة الديناصورات في أروقة البيت الأبيض». هذا هو، أيضاً، رأي وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في حديثه الأخير الى الـ«CNN» اذا كان الرئيس لا يريد الحرب، الذين حوله يريدون ذلك.
ظريف لا يقصد جاريد كوشنير الذي يقال في واشنطن انه يشبه الزجاجة الفارغة. قريباً سيزور المنطقة ببدائل جديدة تتعلق بـ«صفقة القرن». صهر الرئيس لا يمتلك الحد الأدنى من الحنكة. أقرب ما يكون الى الرومانسية اللاهوتية التي قد يكون استوحاها من القراءة اليومية للتوراة.
حتى زوجته ايفانكا التي طالما اختالت تحت الثريات في لاس فيغاس تخشى من التداعيات التراجيدية للحرب. مايك بومبيو يميل الى حيثما تميل الرياح. لكنه مثل ترامب لا يتحمل رؤية الجنود وهم يعودون بالتوابيت. بولتون «مخلوق عجيب». في البنتاغون يسخرون من مقاربته الفظة، والبدائية، لأكثر المسائل حساسية. حتى الآن لم يتمكنوا من القائه في صندوق القمامة.
هو من قال للرئيس «اذا كان سقوط بغداد لم يستغرق أكثر من أسبوعين، واذا كان الدخول الى كابول قد حدث خلال شهر، فان الحد الأقصى للقبض على آيات الله في طهران لا يتعدى الأربعين يوماً لأن الايرانيين سيستقبلوننا بالورود مثلما فعل العراقيون حين تهاوى صدام حسين، ومعه تمثاله البرونزي».
هذا، قطعاً، لم يكن رأي جيمس ماتيس، حين كان وزيراً للدفاع، ولا رأي هربرت ماكماستر حين كان مستشاراً للأمن القومي. الاثنان يعتقدان أن الحرب الكلاسيكية ضد ايران قد تستغرق مائة عام، وربما أكثر، ما دام المستنقع الأفغاني ما زال «شغّالاً» منذ 18 عاماً. البديل في هذه الحال... القنبلة النووية !
حتى أجهزة الاستخبارات التي تنظر الى البنية التيوقراطية للنظام على أنها «ظاهرة مضادة للقرن»، تعتبر أن هذا النظام تمكن من تعبئة الملايين للقتال الى جانبه.
في رأي ماكماستر «لا نريد مقبرة أخرى تماثل المقبرة الفيتنامية التي ما برحت تلاحقنا حتى الآن». وكان الجنرال نورستاد يقول «هنا، على ضفاف الميكونغ، أشعر بأنني في مقبرة للأحياء لا في مقبرة للموتى».
أما غراهام فولر، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، فقال «لا نريد أن تدفن أميركا حيث دفن الأنبياء القدامى».
اذ يبدو المسرح، للوهلة الأولى، وحتى للوهلة الثانية، في حال صعود الى الهاوية، تشير مصادر خليجية رفيعة المستوى الى أن الاتصالات الديبلوماسية المكثفة من أجل تفكيك الأزمة فاقت، في ديناميكيتها، أي اتصالات أخرى في أي أزمة شهدها العالم منذ مؤتمر يالطا في شباط عام 1945. العصا بيد والقفاز الحريري في يد أخرى.
الروس يرصدون التطورات من وراء الزجاج. هم من نصحوا الايرانيين بأن يلاعبوا دونالد ترامب الى حين تبدأ السنة الانتخابية. قد يكون أقل استعداداً للاصغاء لجون بولتون، وقد تردد أنه وضع استقالته بين يدي الرئيس بعد تراجع هذا الأخير عن توجيه ضربة صاعقة الى ايران. ترامب لا يريد احداث صدمة في قاعدته التي كانت تراهن على تظاهرة القوة ضد آيات الله.
كان في رأي مستشار الأمن القومي أن على الولايات المتحدة أن تجعل من ايران حطاماً على غرار حطام الطائرة. اذاً، انظروا الى وجهه، ألا يشبه الجحيم؟
الايرانيون يعلمون ما هو دور واشنطن في احتجازناقلة النفط في مضيق جبل طارق. المعلومات تؤكد أن الاسرائيليين ضغطوا، بدورهم، لأن العملية تستكمل الحصار على كل من ايران وسوريا. في هذه الحال، ستجد القيادة الايرانية نفسها أمام خيارين: اما السكوت، كدليل على الوهن الاستراتيجي الذي يزعزع ثقة الداخل والخارج بها، أو الرد، وهو ما يمكن أن يدفع بالوضع أكثر فأكثر نحو... الانفجار.
غالباً ما توصف بريطانيا، حتى من قبل الفرنسيين والألمان، بأنها حصان طروادة (ديفيد هيرست وصفها بحصان الكاوبوي). حين كان ايمانويل ماكرون يتلقى اشارات تدعو الى التفاؤل من طهران حول الأفكار التي حملها مستشاره ايمانويل بون، تم احتجاز الناقلة. حدث هذا دون التواصل مع الشركاء في مسألة بلورة الآلية الخاصة بالالتفاف على العقوبات الأميركية التي أعقبت الخروج من الاتفاق النووي.
ثمة شيء ما جرى وراء الضوء وأدى الى احتجاز الناقلة. تيريزا ماي، ووزير خارجيتها جيريمي هانت، واثقان من أن دونالد ترامب لا يريد النزول الى الخندق. هل يريد من البريطانيين الذين خلعوا ملابسهم المرقطة منذ حرب الفوكلاند (1982) التورط في مجازفة انتحارية مع «مجانين الله» في ايران؟
كلام في الخليج عن محاولة تبذلها سلطنة عمان للاعداد للقاء سري بين الأميركيين والايرانيين، ولو كان على مستوى نائبي وزير الخارجية، كتمهيد سيكولوجي لتكريس قناة اتصال بين الجانبين. الايرانيون اذ يرفضون السرية في الظروف الراهنة، يعتبرون أن الخطوة الأولى ينبغي أن تأتي من الأميركيين الذين هم من تولى تفجير الأزمة بكل تشعباتها.
العمانيون يراهنون على براغماتية الايرانيين الذين اذ يدركون أين هي نقاط الضعف في سياسات دونالد ترامب، لا بد أنهم يعانون من التبعات الدراماتيكية للحصار. حتى اللحظة، الدوران في حلقة مقفلة. من يخرج أولاً من عنق الزجاجة؟
المثير ما يتردد، حالياً، في الخليج من أن دونالد ترامب الذي يعتبر أن مكوثه في البيت الأبيض، لولاية ثانية، معركة حياة او موت، قد يجد أن لقاءه مع حسن روحاني، في ذروة الحملة الانتخابية، قد يدفع في اتجاه بقائه في المكتب البيضاوي. هل من يرفع علامات التعجب، أو علامات الاستفهام، في وجه هذا الكلام؟