2024-11-30 09:38 ص

أقرب نقطة الى... الجحيم!

2019-06-25
بقلم: نبيه البرجي
أما وقد بتنا في أقرب نقطة من الجحيم، لا بد أن كل كائن بشري من ضفاف المتوسط الى ضفاف الخليج، وصولاً الى ضفاف البحر الأحمر، راح يفكر بالطريقة التي سيلقى بها حتفه. على الأقل فكّر بطريقة الفرار أو اللجؤ الى أي مكان آخر.

هذا لا يعني أنه لا يوجد هناك من قال «فلتكن الحرب». القائلون ليسوا في مقاهي مانهاتن، ولا في منتجعات ميامي، وانما في المنطقة. تابعنا مواقف مسؤولين حاليين أو سابقين في بعض دول الخليج. كثيرون رأوا أن الحرب هي السبيل الوحيد «لوقف الهيستيريا الايديولوجية والهيستيريا الجيوسياسية لدى آيات الله».

قالوا بالضربات الصاعقة. المؤسسات السياسية والعسكرية، المفاعلات النووية، المختبرات التكنولوجية، المصانع، حقول ومصافي النفط، المرافئ، المطارات، محطات توليد الكهرباء.

هذا لا يفضي فقط الى اعادة ايران مائة عام الى الوراء. حتماً، يتناثرالنظام، وتتفكك الدولة اتنياً، ومذهبياً, وجغرافياً، دون أن يكون بالامكان قيام سلطة مركزية قوية في ظل الانهيارات البنيوية على المستويات كافة.

هؤلاء يرون أن الأضرار التي يمكن «أن تلحق بنا قد تكون مروعة، لكن نتائجها لا تقاس بالأضرار الراهنة التي أمتدت لسنوات، وقد تمتد لسنوات أكثر». الجراحة أفضل بكثير، خصوصاً، وأن لدى الأميركيين الامكانات الاسطورية للحد من الضربات الايرانية أو لشلها بصورة كلية.

حرب صاعقة لا حرب بالتقسيط. هذا هو رأيهم. آخرون اعتبروا أن اندلاع الصراع العسكري يعني «الأبوكاليبس». الأميركيون لن ينزلوا الى الأرض لادراكهم أن النظام الأفغاني سيسقط، يليه النظام العراقي، لتتشكل جبهة ثلاثية يدعمها الروس والصينيون بكل ألوسائل العملانية واللوجيستية لطرد الولايات المتحدة من المنطقة.

يقولون ان الايرانيين «أكثر ذكاء مما نعتقد». يعلمون أن الضربات الجراحية ستنهال على المراكز القيادية. لهذا أقاموا غرف عمليات في سائر المناطق، ولديها كل الصلاحيات، وكل الامكانات، للقتال، ولاطلاق الصواريخ في اتجاه أهداف ذات طبيعة استراتيجية على امتداد الضفة الأخرى من الخليج، ناهيك عن قطع الأسطول الجاثمة في المحيط.

هكذا يفكر، أيضاً، المخططون الاستراتيجيون في البنتاغون اذا ما نشبت الحرب. من الطبيعي أن تتداعى الحدود بين ايران وأفغانستان، وبين ايران والعراق، ليقع آلاف الجنود الأميركيين في المصيدة الكبرى.

ما يتردد في وسائل الاعلام الأميركية أن الايرانيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي حيال أي ضربة مهما كانت موضعية، أو محدودة، بالمعنى التكتيكي للكلمة. القرار اتخذه آية الله خامنئي شخصياً. السكوت يعني الاستسلام لادارة دونالد ترامب. البنتاغون شديد الحذر. أي ضربة يمكن أن تؤدي الى حرب طويلة وكارثية.

اللافت هنا أن بعض المحللين في واشنطن تساءلوا ما اذا كان اسقاط الطائرة يمكن أن يقود الى ردهة المفاوضات بين أميركا وايران. سؤال منطقي دون شك...

المحللون اياهم لاحظوا أنه بعدما لوّح الرئيس الأميركي بالرد بين لحظة واخرى، عاد ليخفف من وقع الحادثة، بالقول أنه ربما حدث ذلك خطأ أو أن شخصاً غبياً (أي ذئباً منفرداً) هو من أطلق الصاروخ، دون أن يغفل التفريق بين الطائرة المأهولة والطائرة من دون طيار.

في هذا الوقت، كانت طهران تؤكد، المرة تلو المرة، أنها استهدفت الطائرة عن عمد حتى ولو كانت فوق البحر لأن باستطاعتها، من حيث قالت واشنطن أنها كانت تحلق، التقاط صور لمحطات الرادار، كما للقواعد الصاروخية الحساسة على مسافة عشرات الكيلومترات في الداخل الايراني.

للمرة الأولى اكتفى دونالد ترامب بتغريدة واحدة. راح يبحث عن وسيلة لتغطية تراجعه، في تلك الساعات على الأقل. دعا أركان الكونغرس الى البيت الأبيض بعدما كان يقفز فوق ظهورهم جميعاً في أي قرار يتخذه.

كلام عن أن السيناتور لندزي غراهام اتصل ببنيامين نتنياهو ليبلغه اعتزام الرئيس توجيه ضربة الى ايران. هذا لم يحدث. لا أحد بوسعه القول ان الأمور توقفت هنا، ولكن حين لا يحدث أي شيء في تلك الساعات من حبس الأنفاس، فهذا يعني أن واشنطن سترد بوسائل غير عسكرية أو أنها تعد لعملية واسعة على نار باردة.

غراهام، خليفة جون ماكين في ادارة سياسات الكراهية حيال ايران، والعاشق التاريخي لاسرائيل، اعتبر أن «النوم» على الضربة لا بد أن يحدث تداعيات دراماتيكية لدى الحلفاء الذين يزدادون تشكيكاً في صدقية دونالد ترامب، بعدما ثابر على قرع الطبول منذ حادثة ناقلتي النفط في بحر عمان.

داخل البنتاغون من يفكر بطريقة مختلفة. حرب أميركا الحقيقية في الباسيفيك لا في الخليج. لا وقوع في الفخ. ثم ان الجنود لن يعودوا بالتوابيت بل ان جثثهم ستبقى في مستنقعات الدم (والنار) في تلك المناطق الوعرة جغرافياً وتاريخياً.

يستذكرون كيف أن الأمبراطورية السوفياتية تفككت داخل التضاريس الأفغانية. من المفروض ألا يحدث ذلك للأمبراطورية الأميركية داخل التضاريس الايرانية.

فلاديمير بوتين وشين جينبينغ جاهزان لضرب الولايات المتحدة في الظهر. كبار الخبراء الاقتصاديين يحذرون من أن أي انزلاق عسكري يمكن أن يفضي الى زلزال مالي أشد هولاً بكثير مما حدث عام 2008.

دونالد ترامب يدرك ماهي الهزات الارتدادية لسكوته بالنسبة لحملته الانتخابية البالغة الدقة. بطبيعة الحال، لديه أوراق أخرى ليلعبها. ولكن هل هو الرجل الذي يلوذ بالصمت ازاء تحدي الأعداء واسقاطهم طائرة فوق المياه الدولية دون أي رد فوري وصاعق؟ ثمة من بدأ يتحدث عن السقوط المدوي في صناديق الاقتراع.

ساعات، وربما أيام، من حبس الأنفاس. الايرانيون لوحوا بقبضاتهم «أنظروا كم نحن أقوياء». أين العرب في هذه الحال؟ نترك للنص القرآني أن يصف الحالة: لعلهم يتفكرون!!