2024-11-25 01:33 م

اقزام ترامب الثلاثة للشؤون الفلسطينية… في خدمة نتنياهو!

2019-06-11
في الميثولوجيا الإسكندنافية يعتبر «الأقزام» مخلوقات مشوهة تثير الغضب وضارة، وهي بشكل عام غير ذكية. بعد أن حصلوا على انتشار جديد في الكتب والأفلام الشعبية مثل «وزير الخواتم» و«هوبت»، فإن مصطلح الأقزام تبناه مجتمع الإنترنت من أجل وصف المستخدمين الذين يغيظون ويستخفون بالآخرين هدف إثارة الضجة في الإنترنت ومن أجل تسميم نقاشات شرعية في الشؤون اليومية. في مصطلحات الإنترنت يفرقون بين هؤلاء الأقزام المارقين والأقزام الذين تستهدف إغاظتهم تحقيق أهداف تكتيكية أو استراتيجية، بما في ذلك السيطرة على كل الخطاب.
سفير أمريكا في إسرائيل، ديفيد فريدمان، والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، وبمستوى أقل المستشار جاريد كوشنر، هم أقزام ترامب للشؤون الفلسطينية. وتحت اسم «طاقم السلام» في «تويتر»، فريدمان وغرينبلات وكوشنر لا يتوقفون عن إغاظة الفلسطينيين والاستخفاف بمطالبهم وكرامتهم، من جهة، ومن الجهة الأخرى تكرار الرسائل الأساسية لليمين في إسرائيل. إعلان فريدمان في مقابلة أجراها مع «نيويورك تايمز» بأنه يحق لإسرائيل «ضم أجزاء من الضفة الغربية، لكن ليس جميعها»، قدم مثالاً واضحاً على قدرة الإغاظة الترامبية، على إثارة مشاعر عصبية الفلسطينيين وإخراجهم عن طورهم.
هذه الإغاظة هي من النوع الاستراتيجي كما يبدو. وقد استهدفت خفض منسوب مطالب الفلسطينيين، و«إعادتهم إلى أرض الواقع» وتمهيد الطريق لمفاوضات «واقعية»، كما يبدو، حول حل الصراع. كوشنر قال إن الفلسطينيين غير قادرين على حكم أنفسهم. وغرينبلات يوبخهم بشكل دائم وكأنهم أطفال مارقون. وفريدمان يطلق بين الفينة والأخرى تصريحاً يوضح بأن إدارة ترامب تبنت مصطلحات ومواقف مجلس «يشع» للمستوطنين.
ومن أجل أن تكون رسالة حاسمة وواضحة، فإن الأمريكيين أيضاً يقلصون المساعدة المقدمة للسلطة الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» ويحاربون الفلسطينيين في الساحة الدولية بحماسة، يمكن للمراسلين الإسرائيليين فقط حسدها.
الفلسطينيون يرفضون حتى الآن استيعاب الرسالة. هم يتحصنون في زاويتهم مهانين، ولا يرون في مقاربة أمريكا تكتيكاً بل أمراً جوهرياً. هم على قناعة بأن يد أمريكا الممدودة لهم تهدف إلى خنقهم وخنق طموحاتهم الوطنية. بالنسبة لهم، الأمريكيون ليسوا وسطاء نزيهين، بل بوق لنتنياهو. في هذه الظروف ليس غريباً أن قمة الاقتصاد في البحرين التي أعلنت عنها الإدارة الأمريكية إنما هي اقتراح مرفوض. الأمر بالنسبة لهم يدور حول محاولة لشراء كرامتهم وشراء استسلامهم مقابل حفنة دولارات.
محاولة تحقيق أهداف سياسية واقتصادية عن طريق الشتائم والتهديد ليست أمراً خاصاً بالصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. الحديث يدور عن نموذج محبب على ترامب، من كوريا الشمالية والصين ومروراً بإيران والسلطة الفلسطينية وانتهاء بالجارات القريبة كندا والمكسيك. حتى الآن تكتيك الإغاظة أثمر نتائج هامشية، هذا إذا كانت هناك نتائج، مثلما يمكننا رؤية ذلك مؤخراً في أعقاب تهديد ترامب بفرض رسوم دفاعية تبلغ 5 في المئة على الصادرات من المكسيك إذا لم تقم بوقف موجة الهجرة من أراضيها. المكسيك رفضت التراجع، وتهديدات الرئيس أثارت الغضب في الحزب الجمهوري، وترامب اضطر إلى التراجع والإعلان عن الانتصار بدون تحقيق أي شيء فعلياً.
بنيامين نتنياهو واليمين سعداء جداً. هم يبررون لأنفسهم أن مهمتهم تنفذ على أيدي آخرين، وليس مجرد آخرين، بل على أيدي دولة عظمى هي الأقوى في العالم. من ناحية نتنياهو يدور الحديث عن «ربح ـ ربح». الأمريكيون تبنوا روايته أحادية الجانب التي يمكن تلخيصها بالشعار الهزلي حول الدعاية الإسرائيلية «العرب سيئون، الإسرائيليون جيدون». وفهموا كذلك المقاربة المتعالية ذات الملامح العنصرية بأن العرب لا يعرفون إلا لغة القوة. النتيجة هي القطيعة بين الفلسطينيين وإدارة ترامب الذي يتساوق مع موقف رئيس الحكومة الذي لا يرى الفلسطينيين على بعد متر. وفي السنوات الأخيرة امتنع عن أي اتصال مع قادتهم.
الأمريكيون يعرضون نتنياهو وحكومته مثل حمائم بيضاء تسعى إلى السلام، والفلسطينيون كرافضين بدافع الضمير. ذات يوم غير بعيد، يمكن لنتنياهو الادعاء بأنه رغم التخريب الفلسطيني، إلا أن إسرائيل ستتطوع للقيام بدورها في «صفقة القرن» لترامب، أي أن تقوم بضم تلك المناطق التي هي حسب أقوال فريدمان تعود لها أصلاً. في كل يوم تقريباً، أحد أعضاء طاقم خطة السلام الأمريكية يضيف دليلاً قاطعاً على أن هذا هو الهدف الأسمى: ضم «أجزاء» كما يقول فريدمان، الذي يعني فعلياً الضم الكامل.
سياسة أمريكا تخدم كذلك المصالح السياسية والشخصية الضيقة لنتنياهو، بما في ذلك جهوده للتهرب من رعب المحاكمة.
الحلف الأخوي بين نتنياهو وترامب وإمكانية أن يؤدي إلى تحقيق الحلم الجميل المتمثل في قمع الفلسطينيين وضم المناطق، يحث اليمين في إسرائيل على الدفاع عن ترامب وحماية حكمه بأي ثمن، بما في ذلك تجاهل الاتهامات ضده ومحاولته لإخضاع سلطة القانون لأغراضه. تصريح كهذا، الذي أسمعه فريدمان لمراسل «نيويورك تايمز» يذكر أعضاء الائتلاف الحالي والمستقبلي لنتنياهو بأن هدف ضم مناطق الآباء يبرر وسائل الشراكة الفعلية في مخالفاته.
من ينتقدون الحكومة وسياستها من ناحيتهم يحتفظون بهدوء مصطنع. كثيرون منهم يعتقدون أن سياسة أمريكا كارثية، «هي تضر بحل الدولتين، وتؤدي إلى انهيار السلطة واندلاع أعمال العنف في الضفة الغربية»، وحسب موقفهم، ستقرب إسرائيل من مفترق طرق الجنون الذي ستضطر فيه إلى الاختيار بين الأبرتهايد والدولة ثنائية القومية. ولكن في حالة انتصار نتنياهو، فإن معظم الرأي العام يعتبر ترامب بطل الأحلام، ويعتبر سياسته عدلاً تاريخياً وتجسيداً لنبوءة الأنبياء. في هذه الظروف، من يريد الحفاظ على حياته السياسية سيبتعد وسيغلق فمه ويقول بتلعثم كلمات مؤدبة ومشجعة لا يؤمن بها.
لو لم يتعلق الحديث بالرئيس الأمريكي ومبعوثيه، وبمسألة تعتبر مسألة حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل الديمقراطية والمساواتية، لأمكن الرد على تصريحات كوشنر وغرينبلات وفريدمان بشكل ساخر. لأن الأمر يتعلق بمهزلة من الدرجة الأولى، كوميديا فنية على ما يرام، مسرحية هزلية تثير السخرية يحاول فيها الدبلوماسيون الأمريكيون تحفيز الفلسطينيين على التعاون معهم بواسطة صفير مستخف. إن لم يكن هذا مخيفاً بما يكفي، فهو مضحك جداً.
من أجل فهم السخرية بالكامل، يكفي أن نجري تمريناً ذهنياً بسيطاً لعكس الأدوار. لنفترض أن الرئيس لم يكن هو الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، بل هو رئيس ديمقراطي باسم رونالد غرامب انتخب بفضل التجند الكبير للأوساط الراديكالية المناهضة لإسرائيل في اليسار الأمريكي. ابنته المحببة أسلمت من أجل الزواج من رجل أعمال أمريكي من أصل لبناني، الذي تفاخر بأنه في شبابه أخلى سريره لصالح زيارة محمود عباس. ومن أجل التوضيح للإسرائيليين تصميمه، فإن الإدارة تتبنى المبدأ الذي وضعه المندوب السامي في عهد الانتداب والذي يقول إنه يجب ضرب اليهود في المنطقة المؤلمة لهم، جيوبهم.
إسرائيل كانت ستدخل إلى الملاجئ، أعمال العنف كانت ستحدث كل يوم أمام السفارة الأمريكية في تل أبيب، حيث صفة «اللاسامية» يرددها المتظاهرون. نتنياهو كان سيصف غرامب بـ «كاره اليهود منذ الولادة»، ويجند الجمهوريين ضده وحتى التنازل عن كبريائه من أجل تسوية الصفوف مع يهود أمريكا. في اليمين، تجدر الإشارة، كانوا سيدعون إلى قطع العلاقات وإعلان الحرب. في هذه المرآة، يظهر رد الفلسطينيين في الواقع مثل قمة في الاعتدال وضبط النفس.

حيمي شليف
هآرتس 10/6/2019