2024-11-30 06:32 م

مؤتمر "بيلدلبيرغ" وصفقة القرن

2019-06-08
إيهاب شوقي
كثيرة هي المؤامرات الدولية، وكثيرة هي المبالغات والتمادي في وصف كافة الأحداث بالمؤامرات، والنتيجة الحتمية لهكذا حالة، هو التشوش وعدم القدرة على فرز ما هو نتاج التآمر فيتطلب الحيطة، وما هو نتاج تفاعلات الأحداث فيتطلب المعالجة الرصينة والسياسة الصائبة.

إلا أن هناك محطات ينبغي التوقف عندها ولا تمنع حالة التشوش من فرزها ومحاولة تحليلها، ومن أبرز هذه المحطات هي المنظمات الدولية الغامضة، والتي قد تفتعل الغموض وتبالغ به لممارسة حرب نفسية على الشعوب، وعلى رأس هذه المنظمات، تأتي منظمة بيلدربيرغ والتي انطلقت الدورة الـ67 لمؤتمرها في 31 ايار/ مايو واختتمت فعالياتها في 2 حزيران/ يونيو 2019، في مدينة مونتور بسويسرا.

تحدث "جوردون تيثر"، في صحيفة "فاينانشيال تايمز" سنة 1975، عن المنظمة بالقول: "إذا لم تكن مجموعة بيلدربيرغ مؤامرة من نوع ما، فقد صممت بطريقة تجعلنا نظن أنها كذلك".

ولأننا جزء من هذا العالم الذي تجري به مؤتمرات لمنظمات غامضة كهذه المنظمة، فإننا يجب أن نلقي الضوء ونحاول تفحص وتحليل هكذا مؤتمرات، إلا أن هناك أسباب مضافة تتعدى ذلك وهناك ما يخص تاريخها وتكوينها، وهناك ما يخص المؤتمر الأخير الذي أتم أعماله منذ أيام قليلة.

بخصوص تاريخ المنظمة وتكوينها يمكن إلقاء الضوء على هذه الأشياء اللافتة:

1ـ لمؤتمر بيلدربيرغ انعكاسات لافتة على أرض الواقع، منها مثلا أن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون حضر قمة بيلدربيرغ سنة 1991، وأصبح رئيسا بعد عامين، وتكرر الأمر مع توني بيلسر، حيث تمت دعوته للحضور قبل أربعة أعوام من توليه رئاسة الوزراء البريطانية، ونفس الأمر مع السيناريو ديفيد كاميرون الذي وجهت له الدعوة، قبل توليه منصب رئيس الوزراء في بريطانيا، وهذا خلق فكرة أن المجموعة تتحكم وتختار قادة العالم.

2ـ هناك بشأن التكوين مجموعة لافتة من التنوعات، وقد كشف عنها أكبر مؤيد لنظرية المؤامرة في الولايات المتحدة، وهو مقدم البرامج الشهير "أليكس جونز"، والذي أكد أن هناك مجموعات قوية من الشركات التي تتجاوز سلطتها ونفوذها الحكومة، مضيفا أن دورها يتمثل في التلاعب بالأحداث لإبقاء السكان في متناول أياديهم. إذ كما يتهم عدد من الأفراد مجموعة بلدربيرغ بإشعال الأحداث والأزمات الدولية وإقناع الزعماء بطريقة وكيفية التعامل مع القضايا العالميّة والتلاعب بالرأي العام العالمي لتوجيهه تحت حكومة وسوق واحد.

3ـ الغموض الذي يمنع المشاركين في الاجتماع من الكشف عن المناقشات التي تدور فيه، كما لا تصدر عن المنظمة أي ملاحظات أو ملخصات لاجتماعاتها، ويمنع الصحفيون من تغطية فعاليات المؤتمر.

4ـ موقع المنظمة على شبكة الانترنت الهزيل والذي يعود في تصميمه للتسعينيات، وفقا للخبراء، والمعلومات القليلة المنشورة، حيث ترد بالموقع معلومات مقتضبة تقول أن مؤتمر بيلدربيرغ يلتقي به القادة السياسيون وخبراء الصناعة والاقتصاد والأكاديميون البارزون ومنظمو وسائل الإعلام، بشكل دوري سنة في أميركا الشمالية وسنة في أوروبا. يتراوح عدد المشاركين بين 120 و140 فردا، ينتمي ثلثاهم إلى بلدان أوروبية ويأتي الباقون من أميركا الشمالية. وينشط ربع الحاضرين في مجال السياسة ويتوزع الباقون على مجالات أخرى.

وهو يمثل ريبة كبيرة بسبب التنوع اللافت للحضور وعدم صدور أي بيانات عن حضور متنوع ولافت بهذا الشكل!

أما بخصوص أهمية المؤتمر الأخير فهو يكتتسب أهمية لهذه الأسباب:

أولا: طبيعة الحضور وتعلق شخصياتهم بملفات المنطقة بشكل مباشر، فقد جاء في البيان الصحافي المقتضب أن حوالي 130 مشاركا من 23 دولة، سيبحثون القضايا العالمية الراهنة ومنهم:

يترأس الكونت الفرنسي هنري دي كاستري مجلس إدارة المؤتمر الذي يجمع شخصيات عالمية بارزة مثل ملك هولندا فيليم ألكساندر، ومن الحاضرين وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون ديرلاين، وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو، وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، مستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر، وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر، مدير غوغل للأفكار جاريد كوهين والرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا.

ثانيا: بخصوص القضايا التي يناقشها المؤتمر وهي:

ما هو التالي بالنسبة لأوروبا وأزمة المناخ والصين وروسيا ومستقبل الرأسمالية والبريكست وعسكرة وسائل التواصل الاجتماعي وسباق التسلح نحو الفضاء وتنمية الذكاء الاصطناعي وخطر التهديدات السيبرانية على البنية التحتية.

وأفادت التقارير، أنه ونظرا لخصوصية المؤتمر، يتوقع أن تكون هناك ملفات أخرى محل نقاش لم يتم الإعلام عنها، على غرار صفقة القرن، التي يعتبر كوشنر عرابها.

إن مؤتمرا سريا وهام كهذا لم يدرج مسبقا على جدول الأعمال الرسمي للجولة الأوروبية لوزير الخارجية الأميركي بومبيو، والذي لم يرد في لائحة بأسماء نشرها المنظمون، لدرجة أنه برر وجوده في سويسرا منذ بعد ظهر الجمعة حتى صباح الاثنين، بالقول للصحافيين الذين يرافقونه إنه "من كبار محبي الشوكولا والجبنة"، لهو مؤتمر لافت، وأهم ما يلفت إليه، أن المنطقة على لائحة المؤتمر لهذه الدورة، وأن وجود بومبيو وكوشنر و"صفقة القرن" هي صفقة تناقش على مستويات متعددة الأوجه وتشمل ما هو اقتصادي وعسكري واعلامي سيبراني وما هو يتعلق بغوغل ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يؤكد رؤية المقاومة بأن الاستهداف للمقاومة ولقضايا الأمة هو استهداف عالمي متعدد النطاقات والوسائل، وأن التآمر  يشمل وسائل الاعلام ووسائل التواصل، وهو ما يستدعي الحيطة والتمكن من جميع هذه الوسائل لأنها هي الأخرى تمثل جبهات للمقاومة.
موقع العهد الاخباري