بقلم: نبيه البرجي
أما وقد قادنا دونالد ترامب الى أبواب الجحيم، ألا تعتقدون أن الوقت حان لكي نتوقف عن السياسات الراهنة، عن الاستراتيجيات الراهنة، وقد دفعت بنا
الى قاع القرن؟ من لا يعرف ما هوية الجثث التي تتناثر في الهواء؟ ما هوية المنازل التي تسقط على أهلها؟
ذاك الفلاح السوري الرائع الذي دمرت قنبلة شجرة زيتون هرمة أمام منزله. حفر لها قبراً، وأهال عليها التراب، ثم وضع شاهدة للقبر: «هنا ترقد الأمة العربية». فاته القول... الأمة الأرملة !
قبور كثيرة تبعثرت. جثث كثيرة تبعثرت. الايرانيون لا يموتون، الأتراك لا يموتون، الاسرائيليون لا يموتون، الأميركيون لا يموتون، الروس لا يموتون. العرب فقط هم الذين يموتون...
ما الجدوى، اذاً، من قمة عربية، قمتين عربيتين، للمضي في السياسات اياها، الاستراتيجيات اياها، وكنا على قاب قوسين أو أدنى من حرب لا تبقي ولا تذر؟
ثمة من ينصحنا بأن نتصور أن الحرب قد وقعت، وأن علينا، ليس فقط دفن موتانا، بل اعادة «تشغيل» طريق الحياة، وقد أضنانا الطريق الى الموت. لتكن رؤيا (لا رؤية فقط) ما بعد النهاية...
ايران لا تخيفنا مهما تعالى صراخها. الأميركيون ليسوا وحدهم الذين رسموا الخطوط الحمراء. أكثر من سيناريو وضع من أجل تقويض البنى التاريخية، والبنى الجغرافية، للشرق الأوسط. ايران حلقة من السيناريو، تركيا أيضاً.
رجب طيب اردوغان الذي حمل قميص جمال خاشقجي، وراح يلوّح به للعالم، ضد السعودية، بموقفها المعروف من «الاخوان المسلمين»، وكأنه لم يزج بعشرات الصحافيين وراء القضبان، وكأنه لم يقفل الصحف، والمحطات التلفزيونية، والاذاعية، لكي لا يبقى سوى وقع قدميه في آذان الناس، في ذاكرة الناس.
اردوغان الذي يغتصب أرضاً سورية، ويحاول الحاقها، مع أهلها، بالسلطنة. اردوغان الذي استجلب، واستضاف، الظواهر الأكثر بربرية في الزمن الحديث، ثم قام بنشرها في الأراضي السورية. اردوغان الذي يستخدم شبح عبدالله أوجلان للدخول الى العراق، وللتدخل في العراق، كما لو أن بغداد لا تزال ولاية عثمانية، ولم تعد، مع سائر المناطق الأخرى، الى أهلها.
اياه يحاول التقرب الى المملكة. اللاعب على الخيوط، بكل الحمولة العثمانية، وبكل الحمولة السلجوقية. نقول للأمير محمد بن سلمان: اياك أن تثق بالثعبان...
الايرانيون شيء آخر. أين يمكن تطبيق النموذج الايراني, بالهوية الايديولوجية، وبالظلال التاريخية، في أي دولة عربية ؟
ها أن الحرس الثوري يحذو حذو «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». اقتحم ثلاثة دور للأزياء في طهران بتهمة «الترويج للابتذال»، من خلال نشر صور العارضات, في حين كانت صور حاملات الطائرات، والقاذفات النووية، التي تحاصر ايران، وتمنع عنها (ان استطاعت ) كل أسباب الحياة، تملأ صحف، وشاشات، الدنيا.
قمة عربية !! دعونا نسأل عما حققه مسلسل القمم، بالايقاع الدرامي الرث، منذ قمة أنشاص (قرب الاسكندرية) عام 1946 وحتى الآن. لا شيء. لاشيء على الاطلاق. ثم أين هي الدول العربية لتكون هناك قمة عربية ؟
الدول العربية، دون استثناء، أمام أزمة وجود. الأيام الأخيرة أظهرت مدى هشاشتنا في حضرة لاعب بدا، جليّاً، أنه لا يكترث بحلفائه، بل انه يتعمد اهانتهم أمام جمهور هو عبارة عن كمية بشرية تبدو وقد خرجت للتو، بصلفها، وبضحالتها، وبانغلاقها، من أسنان تورا بورا.
الذي حدث، والطبول تقرع، والاساطيل تمخر العباب، والقاذفات تجثم، كما الديناصورات، في عقر دارنا، لم يكن مفاجئاً ما دامت الحرب السرية قائمة على قدم وساق. كان هذا منتظراً، ومن تداعيات التصعيد الدراماتيكي في اللغة العسكرية. القبلة، القبلة الساخنة، على مؤخرة الرأس.
كيف كانت ردة فعل دونالد ترامب؟ حاول أن يوظف الحوادث التي طاولت أهدافاً عربية (أهدافاً حليفة)، في خدمة الأمبراطورية. هذا رجل يقتل العرب، ثروات العرب، أرصدة العرب، أزمنة العرب.
على وقع الأقدام الثقيلة، عاودت حكومة بنيامين نتنياهو الغارات السورية على سوريا. هذا ما تقتضيه اللحظة الأوركسترالية. ندخل أكثر، فأكثر، في جلباب دونالد ترامب. رجل أثار سخط العالم، بالماركنتيلية الفظة، بالغطرسة الفظة، بالنرجسية الفظة. لا أحد رفع في وجهه الصوت: كفى اذلالاً أيها الأحمق!
ثم، أين العرب لتكون هناك قمة للعرب؟ ومن هم العرب الأن؟ لا نبحث عن تحديدات، أو عن فذلكات، فلسفية أو أنتروبولوجية. نبحث عن تحديدات، وعن بديهيات، وجودية. القبائل تمضي، بخطى حثيثة، نحو الاندثار. لا رد، من السيد آدم، على سؤالنا: هل حقاً أننا من انتاج تلك الخطيئة الخلاقة؟
كل تلك الضوضاء على أرضنا، وقد ارتدينا ثياب الجحيم. مايك بومبيو كان ينتقل من مكان الى مكان ليقول «لاحرب» لماذا، اذاً، قعقعة السلاح ؟ ها أن ايران تبدو أكثر قوة، وأكثر صلابة (وتصلباً)، ربما أكثر شراسة. مصادر خليجية تتحدث عن احتمال نجاح سلطنة عمان في احداث ثغرة في جبل الجليد، أو في جبل النار، بين واشنطن وطهران.
القمة التي اختيرت مكة مكاناً لها، وهذا له دلالاته الكبرى، للتصدي للجانب الأمامي للأزمة (السطح الزجاجي للأزمة)، دون الولوج الى ديناميات الصراع. كل هذا لا يعدو كونه تكريساً لـ«ستاتيكو الرعب»، وحيث السقوط، المرة تلو المرة، في ثقافة اليأس، وفي ثقافة الفجيعة...
اذا كان هناك من منطق يحكم مسار القمة، لا بد من البحث في اعادة وصل العلاقات التي تقطعت أوصالها. الكل يدرك اين موقعنا في القاع. أي خلاص اذا كان على يدي دونالد ترامب؟ رجل يحمل عصا الشيطان ويطارد حتى الملائكة. هكذا كتبت الزنجية الحائزة جائزة نوبل توني موريسون. لا نقرأ....
(الديــار)