2024-11-25 06:54 م

ماذا تحمل حكومة اشتية للفلسطينيين؟!

2019-04-18
ميرفت عوف
تابع الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة مساء السبت 13 أبريل (نيسان) 2019، خبر أداء رئيس وأعضاء الحكومة الجديدة اليمين القانوني أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس دون الاهتمام المعتاد لحدث مصيري كهذا. أمر آخر ربما جذب اهتمام الفلسطينيين أكثر من خبر تشكيل الحكومة نفسه، يتعلق بخطأ في أداء اليمين الذي اقتطع منه نص يتعلق بالمادة 35 من القانون الدستوري، حيث تم اجتزاء جملة من المادة تخص قسم الوزراء المكلفين ورئيسهم على الإخلاص «للشعب وتراثه القومي»، وما خلف هذا الخطأ من قرار بإعادة أداء اليمين في اليوم التالي، لتصحيح الخطأ.

لكن ما هو مصير هذه الحكومة خاصة على صعيد العلاقة مع قطاع غزة المعاقب من الحكومة السابقة، وعلى صعيد العلاقة مع إسرائيل التي ستشكل هي الأخرى حكومة جديدة قريبًا؟

«ضعيف ويدين بالولاء المطلق لعباس»

في العاشر من مارس (آذار) 2019، كلّف الرئيس الفلسطيني محمود عباس عضو اللجنة المركزّية لحركة «فتح» والوزير السابق محمد أشتية بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة هي الثامنة عشرة منذ توقيع اتفاقيّة أوسلو الموقعة في العام 1993.

وقد خلف أشتية رئيس الوزراء السابق رامي الحمد الله الذي استقال في يناير (كانون الثاني) 2019 الماضي وقبل عباس بسرعة استقالته، وأشتية المولود في العام 1958 حاصل على شهادة الدكتوراه في دراسات التنمية الاقتصادية من جامعة ساسكس في بريطانيا، وقد شغل عدة مناصب قيادية سياسية واقتصادية أهمها رئاسة «المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار)»، ومنصب وزير الأشغال العامة والإسكان، كما أسند إلى أشتية معظم البرامج التنموية وبرامج إعمار فلسطين، وشارك في مفاوضات متعددة الأطراف تتناول مواضيع التجارة والمالية والبنية التحتية والسياحة في منطقة الشرق الأوسط.

وشكل أشتية أمس السبت الموافق 13 من أبريل حكومة تضم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها «فتح»، فيما رفضت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» والفصيلان الرئيسيان من منظمة التحرير الفلسطينية (الجبهتان الشعبية والديمقراطية) المشاركة في هذه الحكومة.

وباختيار هذه الحكومة بقيادة أشتية يرى المراقبون أن عباس الذي ينتهج عدوانية شديدة تجاه مراكز القوة داخل حركة «فتح»، أو داخل السلطة، أو داخل «منظمة التحرير»، قد نجح بتصدير شخصية ضعيفة تنظيميًا وشعبيًّا وتدين بالولاء الكامل له مثل أشتية لقيادة منصب كبير، فعباس يدرك أن وجود شخصية فتحاويّة قويّة في رئاسة الحكومة سيكون مرهقًا له، وسيخلق مركز قوّة طبيعيًا وحقيقيًا بجانب مركزه، ناهيك عن التخوف من شبح البديل عنه.

لذلك من غير المتوقع أن يتخذ أشتية خطوات جوهرية تختلف عن الحكومات السابقة التي كان دورها خدماتيًا وإداريًا أكثر من أي شيء آخر، فمطبخ القرار في السلطة سيبقى في يد عباس وفريقه، وهؤلاء -برأي المراقبين- غير معنيين البتة بإعطاء مجالات واسعة للحكومة الجديدة ورئيسها في عهده، ولن يسمحوا بالإمساك بملفات حساسة داخل الأجسام التي يتولانها، وفي حال اصطدم أشتية بخلاف مع عباس فإن أقصى ما يمكن أن يفعله هو تقديم استقالة مبكرة كما يرى المراقبون.

وصفتها بالانفصالية.. ما خيارات «حماس» أمام هذه الحكومة؟

«تشكيل حركة فتح حكومة أشتية استمرار لسياسة التفرد والإقصاء، وتعزيز الانقسام تلبية لمصالح حركة فتح ورغباتها على حساب مصالح شعبنا الفلسطيني ووحدته وتضحياته ونضالاته»، جزء مما جاء في البيان الخاص الذي أصدرت «حماس» لإبداء موقفها من الحكومة الفلسطينية الجديدة. وصف البيان كذلك هذه الحكومة بأنها «انفصالية فاقدة للشرعية الدستورية والوطنية، وستعزز من فرص فصل الضفة عن غزة باعتبارها خطوة عملية لتنفيذ صفقة القرن».

وفيما وراء هذا البيان قرأ المحللون السياسيون عدة سيناريوهات أمام الحركة لتعامل مع هذه الحكومة، كإعادة تشكيل لجنة إدارية توافقية تدير القطاع، وعدم التعاطي مع حكومة أشتية كونها «انقلابًا» على اتفاقيات المصالحة، وسيناريو آخر يتعلق بالتعاطي مع ملف الحكومة بصمت، أي إبقاء الأمور ضبابية، كي تستطيع الحركة «حماس» تحميل حكومة أشتية مسؤولية القطاع.

كما تعالت الأصوات التي تؤكد أن هذه الحكومة ستدفع نحو  عزل حركة «حماس» التي تسيطر على قطاع غزة منذ العام 2007، أي بعد عام من فوزها في الانتخابات التشريعية، خاصة في ظل استمرار أو تفاقم الإجراءات العقابية التي اتخذتها السلطة الفلسطينية ضد قطاع غزّة في أبريل 2017.

تحدثنا إلى رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل في الضفة الغربية بلال الشوبكي فأكد لـ«ساسة بوست» أن علاقة السلطة الفلسطينية مع قطاع غزة غير مرتبطة بتشكيل الحكومة الجديدة، فالقول بأن الحكومة الجديدة ستقوم بفك الحصار أو تخفيفه أو تشديد العقوبات على قطاع غزة هو أمر غريب على اعتبار أن هذه الحكومات هي حكومات وظيفية تنفذ سياسيات الرئيس محمود عباس ولا تخرج عن سياسته، فسواء كان رامي الحمدلله أو محمد أشتية يقود هذه الحكومة، فتغيير الأوضاع هو بيد عباس.

ويستدرك الشوبكي القول أن «ما يميز هذه الحكومة هو أنها لا يمكنها التنصل من ارتباطها بحركة فتح، بمعنى أنه كان بإمكانها سابقًا الادعاء بأن الحكومات في الضفة الغربية لا تمثل بالضرورة حركة فتح لكون شخصياتها كانت تحسب أكثر أنها شخصيات تكنوقراطية، فهذه الحكومة واضحة أنها تمثل حركة فتح وشخصياتها هي شخصيات من الحركة، وبالتالي ستصبح أي سياسة جديدة بحق قطاع غزة أكثر إحراجًا لحركة فتح من الحكومات السابقة على اعتبار أن إمكانية التنصل مستحيلة الآن».

وينتقد الشوبكي موقف حماس المندد بتشكيل الحكومة واعتبارها غير شرعية، فيقول: «لا توجد أي جهة فلسطينية يمكنها أن تناظر بأنها تتمتع بالشرعية القانونية التي يمكن من خلالها أن توصم الآخرين بعدم شرعيتهم، فلا يوجد أي سلطة تنفيذية تمتلك شرعية شعبية قانونية، وكذلك لا يوجد سلطة قضائية شرعية».

معقبًا: «حتى هذه اللحظة لم تطور حركة حماس ولا حركة فتح أي برنامج سياسي يخلق تقاسمًا مشتركًا ينهي حالة الخلاف السياسي، ودون أن يكون هذا البرنامج واقعيًا وحقيقيًا مطروحًا من أي جهة كانت في الساحة الفلسطينية، لن يكون هناك أي توافق فلسطيني وستبقى حالة النزاع قائمة».

إسرائيل «قلبها مطمئن» من الحكومة الجديدة

يعرف أشتية بأنه من مؤيدي فكرة حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، وهو كغيره من قادة «فتح» شارك في المفاوضات مع إسرائيل التي كانت تتم برعاية أمريكية، ففي العام 1991 شارك في هذه المفاوضات، وكذلك في عامي 2013- 2014، والتي قادها حينذاك وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.


وسيكون للرجل في علاقته مع الاحتلال بوصفه رئيس حكومة العديد من التحديات، منها الأزمة المالية التي تسببت في أن يتلقى موظفو السلطة في الشهرين الماضيين نصف راتب بعد رفض السلطة الفلسطينية تسلم أموال الضرائب من إسرائيل التي خصمت جزءًا منها تدفعه السلطة رواتب لأسر المعتقلين الفلسطينيين في سجونها.

وبرغم اهتمامها المعتاد بالشئون الفلسطينية الداخلية، إلا أن إسرائيل لم تكترث بأمر تولي تشكيل حكومة فلسطينية جديدة سواء على المستوي الرسمي أو الإعلامي، ويوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي أن: «الإسرائيليون غير مكترثين بالحكومة الجديدة لأنهم يدركون أنها لن تقدم أو تأخر، وهم يعلمون أن من يحرك الأمور هو أبو مازن وليس حكومته».

ويعتقد النعامي أن حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية تتبنى سياسة واضحة تحدد وظيفة أساسية في العلاقة مع السلطة الفلسطينية وهي رفع عبء المتطلبات اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية عن إسرائيل، ثم التعاون الأمني وهذه وظيفة بدون أي مقابل.

ويشير «النعامي» خلال حديثه لـ«ساسة بوست» أنه بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة أضيفت تحديات جديدة من باب المناكفة داخل أحزاب اليمين الإسرائيلي، منها فرض المزيد من العقوبات المالية على السلطة لاستهداف أسر الشهداء والجرحى والأسرى الفلسطينيين، ويعقب: «من الواضح أن هذا المنحى سيتفاقم  بعد الانتخابات، بل أكثر من ذلك، فالقضاء الإسرائيلي سمح برفع دعاوى من قبل إسرائيليين قتلوا أو أصيبوا في العمليات الفدائية ضد السلطة الفلسطينية للحصول على تعويضات مالية منها وتم قبول أول دعوى قبل شهر».

ويشدد النعامي على أن إسرائيل في ظل الحكومة اليمينية التي يرأسها بنيامين نتنياهو ستواصل تضييق الخناق على السلطة من ناحية اقتصادية ومن ناحية تقليص هامش المناورة أمامها في كل ما يتعلق بقضية المسجد الأقصى والاستيطان وعدم التحرك لمواجهة اعتداءات المستوطنين، وهو خناق متزامن مع تراجع الدعم الدولي للسلطة بل وتهديدها بوقف دعم الأجهزة الأمنية بعد قطع الدعم الأمريكي لهذه الأجهزة.

وحول تأثير ذلك على التنسيق الأمني الذي تعنى به إسرائيل، يجيب النعامي: «من المعروف أن اليمين الإسرائيلي تعبوي وليس بالضرورة أن يعمل لصالح إسرائيل أو أن تنسجم قرارات مع المصالح الإسرائيلية الأمنية، كذلك أبو مازن سياساته تخدم بشكل أو بآخر الإسرائيليين».




ساسة بوست