2024-11-30 06:31 م

هل يجرؤ!؟.

2019-02-17
بقلم: سمير الفزاع
منذ زمن طويل، لم يكن المشرق العربي في مثل هذا الاضطراب الحاد، ونقطة متفجرة لمشاريع محلية-إقليمية-دولية متصارعة، تتوافر فيه فرص جديّة وحقيقيّة لوقوع تغييرات واسعة في خرائطه السياسية المعروفة، وتبدل عميق لمستوى وشكل علاقة هذا المشرق بالقوى الاقليمية والدولية. على نحو ما، تشبه حالة الإقليم اليوم حاله لحظة انهيار الدولة العثمانية، وتشكّل دول المشرق استناداً إلى تفاهمات تقاسم النفوذ الدولي-الإقليمي... ولكن مع جملة من الفروق الهامّة جداً، والتي إن استغلت جيداً وتمّ المضي بها حتى نهاياتها مهما عَظُم الثمن، ستفتح أفق نادر وتاريخي لبناء مشرق عربي مغاير يقلب التوازنات المحلية والدولية على نحو جذري ونهائي... وعنوان هذه الفروق الهامة، وفاتحة التغيير الجذري: الإنتصار بمعركة الإرادة في سورية والعراق، وبناء قاعدة إرتكاز لمشروع التغيير، والتحول مباشرة إلى بقيّة المهام الجسام المطروحة. إستناداً إلى هذه المقدمة، سأحاول إنتخاب عنصر أساسي يوضح الخطورة القصوى لهذه "الفُرجة" التي طال انتظارنا لها، لمناقشة تفاصيله ما أمكنني ذلك من إيضاح وإيجاز في آن: ما هي العلاقة بين كلام السيد حسن نصر الله في مقابلته مع قناة الميادين عن حرب تنشأ بسبب خطأ بالحساب، وتحديداً على الجبهة السوريّة من جهة، وخطة "جدار النار" التي شُرع العمل بها تحت مقولة إعادة الإنتشار الأمريكي، من جهة ثانية؟. *حفر الخنادق، وحشد الحلفاء: عندما تندلع الحرب ويهزم أحد الأطراف في معركة، فإنه يعمل على إنشاء خطوط دفاعه بالقرب من الميدان الذي خسر فيه المعركة، هو يفعل ذلك لعدة أسباب، منها: أن يمنع خصمه من تحقيق المزيد من التقدم ولتنغيص نصره عليه، ولمنح بقيّة مواقعه وجنوده وثكناته شعوراً بالأمن بأنّه ما زال قادراً على القتال، ولمنع إنهيار بقيّة جبهاته وخطوط دفاعه، والتشبث بالأرض إلى أبعد مدى ريثما يتم التوصل إلى هدنة أو تسوية ما تخفف من وطأة الهزيمة والإنكسار، أو مراكمة عناصر القوة للقيام بهجوم معاكس يستعيد عبره ما خسره، وأكثر إن استطاع. هذا بالضبط ما تقوم به أمريكا وحلفائها بالمنطقة عبر سلسلة من الإجراءات العسكرية والسياسية والإقتصادية والدعائية... . تسليماً بالهزيمة في سورية وبعض العراق وتحسبا للمواجهة القادمة، رفعت واشنطن وعملائها في المنطقة من وتيرة عملهم على: تظهير بناء جدار من القواعد العسكرية الممتدة من حفر الباطن في مملكة آل سعود الى بلدة عرعر الحدودية مع العراق، امتداداً للصحراء الاردنية-العراقية وصولاً الى طريبيل والرطبة وحتى قاعدة عين الأسد في البغدادي، وقاعدة التنف على المثلث الحدودي العراقي-السوري-الأردني، وبتمويل سعودي-إمارتي. كما بدأت واشنطن بإيجاد طرق إمداد لهذه القواعد تكون بعيدة نوعا ما عن ساحات القتل والممرات المائية التي قد تغلق خلال المواجهة، مثل هرمز والمندب والسويس... فدشنت خطاً جوياً وبريّاً كان "مستتراً" نوعاً ما، ليصبح اكثر وضوحاً وكثافة وخطورة مع مرور الوقت: الموانئ والمطارات الصهيونية-الاردن-جنوب وغرب العراق وحتى كامل هذا الجدار. وفي هذا الممر خطر واضح على فلسطين والاردن والعراق وسورية كل من موقعه ولأسبابه. وافتتاح هذا الخط يُظهر النوايا المبيتة لدى واشنطن وحلفائها: تقسيم العراق، تهديد جدي ومباشر لسورية، دمج الاردن والجزيرة العربية والكيان الصهيوني في بناء عسكري-أمني واحد كخطوة أولى في النيتو الشرق اوسطي، تشغيل وتعزيز خطوط الطاقة من الجزيرة العربية والعراق الى الاردن ثم فلسطين ومن الجزيرة الى مصر ومن هناك الى اوروبا عبر قبرص وصولا الى اوروبا، لتحجيم عقدة الطاقة التركية، وضرب التفرد الروسي بالسوق الأوروبية... وبالتالي اضعاف موسكو اقتصادياً وجيوسياسياً، وحصار إيران، وتصفية القضية الفلسطينية، ودرء الخطر الوجودي عن كيان العدو الصهيوني... ويمكن اعتبار الحديث عن خطوط سكك الحديد والطيران المباشر بين فلسطين والاردن والجزيرة العربية، وبيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ومخططات ترويض غزة، وحصار سورية، ومحاولة إغرائها بالانفتاح "العربي" عليها ثم تجميد هذا الانفتاح... محطات ضمن هذا المخطط. *خطأ الحساب الذي سيُشعل الحرب: عندما "غامر" نتنياهو ورئيس أركانه الجديد بتصعيد هجماته على سورية إلى مستوى جديد، كان أمام أعينهم رزمة من الأهداف والرهانات، ومنها: 1-ضرب مكونات الدفاع الجوي السوري، السدّ الدفاعي الأخير في المنطقة، لتخلو أجواء شرق المتوسط من أي تهديد جدي لطائرات كيان العدو وحلفائه... وهناك رهانين على الاقل تحت هذا العنوان:أولاً، أن روسيا لن تدخل في حرب مع تل أبيب أو واشنطن من أجل حماية الأجواء السورية، ومنع واشنطن من إقامة هذا الحزام الناري. ثانياً، طمعاً بالارتقاء بهذه الإعتداءات إن أمكن أو على الأقل تثبيتها عند هذا المستوى، وتحت هذا السقف من قواعد الإشتباك تُلجم سورية، ويتم بناء نيتو الشرق الأوسط. 2-منع إعادة بناء أنساق الدفاع الجوي السوري على خط الجبهة من دمشق وحتى السويداء بعمق 100كم تقريبا، وتتكفل واشنطن بالحدود الجنوبية السورية من الاراضي الاردنية والعراقية. 3-فتح "كريدور" لسلاح الجو الصهيوني عبر الأجواء الأردنية لاستهداف الحشد الشعبي في العراق، كونه أحد مكونات حلف المقاومة التي سيؤثر اكتمال تكوينها ونضجها على مجمل الصراع في المنطقة، وخصوصاً مع الكيان الصهيوني... وسيكون الرافعة الفعلية لتحرير العراق من الإحتلالين الأمريكي والتركي. وقد استخدم سلاح جو العدو الصهيوني هذا الممر الجوي أكثر من مرة عبر التخفي بالنداءات والممرات التي يستخدمها الطيران الأمريكي. والرهان هنا، أن العراق بجيشه وحشده لا يملكون عناصر القدرة على الردّ على الكيان الصهيوني إلا عبر سورية أو لبنان، وهنا ندخل في دهاليز العلاقات الدولية وألاعيبها. 4-أن الكيان الصهيوني استعاد موقعه المميز في الاستراتيجية الأمريكية للمنطقة من بوابة إعادة التموضع الأمريكي، وسلامة خطوط إمداده، ومصالحه الاقتصادية والجيوسياسية التي لا غنى عنها. لذا، وبعد تدهور امكانات صيغة المعركة بين الحروب بفعل تطور ردّ الدفاعات الجوية السورية، حيث مثلاً، كان هدف العدوان الصهيوني الأخير من ثمانية وثلاثين صاروخاً وقنبلة موجهة تدمير قرابة خمسة عشر هدفا سورياً، لكن تم اعتراض أربعة وثلاثين منها، ولم تنجح سوى اربعة صواريخ من بلوغ اهدافها فأصابت رادار وعربتي دفاع جوي وموقع عسكري آخر. ربما يحاول العدو الارتقاء الى عتبة جديدة يمكن عنونتها بمقولة "العملية العسكرية المحدودة" ويمكن تلخيصها على النحو التالي: جهد عسكري نوعي محدد زمنياً وجغرافياً وبطبيعة القوات المشتركة لتحقيق هدف أو مجموعة من الاهداف الاستراتيجية والتكتيكية... فبدلا من غارات تستمر لساعة تقريباً قد تستمر العملية المحدودة من بضعة ساعات إلى يوم او بضعة ايام. وبدلا من استخدام 4-6 طائرات قد يستخدم 6-24 طائرة مثلاً. وبدلا من استخدام راجمة صواريخ او اثنتين قد يتضاعف العدد لمرتين او ثلاثة. وبدلا من استخدام الطائرات النفاثة المسيرة وصواريخ أرض-أرض فقط ومن مسافة بعيدة، ستدخل الطائرات الى مرحلة الاشتباك المتوسط والقريب وقد تستخدم نيران المروحيات والدبابات والمدفعية خصوصا لاستهداف الخطوط الامامية... أي، محاكاة نموذج غزة وإنما بشكل موسع. *كلمة أخيرة: لهذه الأسباب وغيرها، حذّر محور المقاومة على لسان السيد حسن نصر الله، نتنياهو ومن خلفه أن يخطئوا بالحساب، فأمريكا غير قادرة على شنّ حرب لا من اجل عيون محمد بن زايد وعيون محمد بن سلمان، ولا من أجل عيونك يا نتنياهو. خطأ بالحساب قد يستدعي رداً موجعاً يفتح الباب على مواجهة شاملة او ردع من مستوى جديد لكيان العدو، نوعي وكمي، لا يستطيع تحمله أو التعايش معه... مثل، تحريم تسلّله الى الاجواء اللبنانية أو منعه حتى من التحليق في شمال فلسطين بالقرب من الحدود السورية واللبنانية، أو أن كل قصف صهيوني سيقابله ردّ سوري بالعمق؛ مطار بن غوريون مقابل كل رصاصة تطلق على مطار دمشق كما أعلن السفير بشار الجعفري مؤخراً. نتنياهو، أنت وبالاعتماد على واشنطن، تراهن على حرب تبدأ بعدوان محدود، تنقذ كيانك من مصيره المحتوم قد تشنها، وفي ظل إنكفاء روسي. ونحن نراهن على حرب ترى فيها أحداق رجال لم تعهدهم من قبل، تلحق بك والأمريكي هزيمة استراتيجية بتداعيات كبرى على المنطقة والعالم في ظل العجز الأمريكي... لن تعرف كيف سيكون مآل الرهانين ما لم تجرب، فهل تجرؤ؟.