2024-11-30 06:39 م

وارسو وسوتشي ... ما بين الفشل والنجاح

2019-02-15
بقلم: المهندس ميشيل كلاغاصي
على الرغم من التجاذبات والتناقضات الدولية والمواقف المتباينة لعديد الدول تجاه الدولة الإيرانية, وعلى الرغم من أهمية العلاقات الإيرانية مع غالبية الدول الكبرى حول العالم, وعلاقاتها المميزة والإستراتيجية مع الصين وروسيا وتركيا وغيرها, وتشعب علاقاتها ومصالحها الإقتصادية والسياسية معها, بالإضافة لشراكة بعض الدول الأوروبية وإتفاقها النووي مع طهران , وعلى الرغم من إنخفاض سقف التوقعات المسبق حيال نجاح الغاية المباشرة والمعلنة لإجتماع وارسو, إلاّ أن واشنطن ضاعفت جهودها لعقده, الأمر الذي يؤكد إخفائها لغاياتها وأسبابها الحقيقية من عقد المؤتمر, وأقله لحرف الأنظار عن قمة سوتشي. فبالتوازي مع الاجتماع الثلاثي للدول الضامنة في نسخة سوتشي الرابعة، عُقد مؤتمر وارسو في رحاب العاصمة البولندية، بحضورٍ دولي كبير لستون دولة وبتمثيلٍ دبلوماسي منخفض، وبحضور ثلاثون وزير خارجية من بينهم عشرة وزراء عرب، وسط غيابٍ واضح لقادة الصف الأوروبي الأول، ومقاطعة موسكو والصين وتركيا والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى "تجم" المؤتمر رئيس الحكومة الإسرائيلية، العدو السابق لبعض قادة الأنظمة العربية، ويمكن تلخيص المؤتمر من حيث الشكل بأنه اجتماع دولي بدعوةٍ وإدارةٍ أمريكية وبحضورٍ عربي – إسرائيلي. فقد اختارت واشنطن أن تعقد مؤتمرها بحسب الزمان وفق دلالاتٍ رمزية استهدفت بالدرجة الأولى سرقة الأضواء والتعمية على قمة سوتشي، والتي تتجه بثقة نحو إنتاج بوادر حلولٍ عملياتية عسكرية وسياسية لإنهاء الحرب ولتأمين إنطلاقة فعلية وحقيقية للعملية السياسية في سوريا... أما من حيث المكان فقد أرادته وفق أبعادٍ تاريخية وسياسية، ليكون على الأرض التي تحتضن أهم مركز يهودي يُعنى ب "المحرقة اليهودية"، والتي تشكل عماد السياسة الصهيونية الضاغطة على غالبية دول العالم. فقد أرادته واشنطن إجتماعا ً لتحشيدٍ دولي ضد إيران، ومناسبة ً لإطلاق التطبيع العلني مع العدو الإسرائيلي، تحت عنوان مناقشة قضايا الشرق الأوسط، مع مفارقةٍ عجيبة ألا وهي غياب القضية الفلسطينية من على جدول أعماله؟، في وقتٍ إدعى فيه وزير الخارجية الأمريكية أن المؤتمر لا يستهدف دولة ً بعينها، وأن إيران لا تشكل موضوعه الوحيد، وأن المؤتمر معنيٌ بمناقشة العديد من المواضيع الهامة كالأزمة السورية واليمنية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط. في الوقت الذي استبق فيه الوزير محمد جواد ظريف المؤتمر بالقول أن: "المؤتمر ولد ميتا ً"، تهافت الوزراء العرب علنا ً إلى لقاء نتنياهو، والذي إعتبر أن اللقاء يشكل "إنعطافة ً تاريخية"، وأنهم:" يصنعون التاريخ"، إذ يدرك بأن ولادة تحالفه مع العرب عبر هذا المؤتمر سيفتح باب التطبيع السياسي والعسكري والإقتصادي والثقافي على مصراعيه، بما يضمن دخول "إسرائيل" إلى داخل العمق العربي والخليجي خصوصا ً, ويفتح أمامها أبواب الخليج بأسواقه العسكرية والتجارية لمختلف البضائع الإسرائيلية, لتشارك أو ترث الدور الأمريكي الذي يتحين مغادرة المنطقة وفق جدوله الزمني الخاص. كان من الطبيعي أن يأتي الرفض الفلسطينيي الموحد والمطلق لحضور هذا المؤتمر، منسجما ً مع طبيعة المؤتمر الذي تفوح منه رائحة التطبيع وتصفية القضية الفلسطينية ويبدو مدخلا ً رئيسيا ً لتمرير صفقة القرن، في وقتٍ بدا فيه من الغرابة أن تغيب فلسطين وسوريا ولبنان والعراق وتركيا إيران عن جدول أعمال إدعى مناقشة أوضاع الشرق الأوسط، والذي تُعتبر القضية الفلسطينية والإحتلال الإسرائيلي أساسا ً لكافة صراعاته. في الوقت الي بدت فيه واشنطن غير واثقةٍ بخروج المؤتمر بنتائج هامة ومؤثرة على إيران أو على المنطقة, نتيجة خلافاتها وسيرها بعكس مصالح كل الدول التي تخطب ودها عبر المؤتمر, لذلك عهدت إلى وزير خارجيتها الفقير سياسيا ً, ولنائب الرئيس مايك بنس الذي كاد يمل من تهميشه وجلوسه على مقعد الإحتياط, فكانا عنوانين للفشل المشترك, واكتفى الوزير بتوضيح التناقض في كلامه في الإجتماع والمؤتمر الصحفي من بعده, أما نائب الرئيس فإستخدم اللهجة العالية والنبرة القاسية لتعويض النقص في قوة حضوره بالإضافة إلى ضعف وهزالة المؤتمر أصلا ً, وأتى كلامه بلا معنى وهو يطالب الدول الأوروبية بالإنسحاب من الاتفاق النووي مع طهران, وبوقاحة تعبيره حول "تقاسم إسرائيل والعرب الخبز" ...ومن الواضح أن المؤتمر فشل في تشكيل جبهة إقليمية – دولية ضد إيران, فيما اكتفى بتحويل اللقاءات العربية – الإسرائيلية من السر إلى العلن, وساهم بإظهار المزيد من قباحة بعض الوجوه العربية التي حضرت بجسدها وتلك التي كانت حاضرة بالروح عبر حلفائها ومؤيديها في العالم العربي ... أما الحقيقة الساطعة حول فشل المؤتمر فجاءت عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية التي أكدت أن "وارسو مؤتمرٌ مهم لكن المنتصرين كانوا في سوتشي". وعلى الضفة الثانية، وفي مدينة سوتشي، كان الموعد ولقاء قمتها الثلاثية الروسية والإيرانية والتركية, من خلال النسخة الرابعة وفي إطار منصة أستانا, والتي تأتي في أجواء مختلفة عن الجولات السابقة, وعلى خلفية تغييرات جذرية ومعطيات جديدة ومستجدة, تتمثل بعدة نقاط, أولها إنتهاء مهمة المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا وحلول السيد غير بيدرسون مكانه, ثانيا ً في إعلان الرئيس الأمريكي قراره بإنسحاب قواته العسكرية من سوريا, وما حمله من إعادة خلطٍ للأوراق جراء ضبابية كافة مفاعيل القرار والشكوك الروسية حيال تطبيقه, ثالثا ً في التغييرات والتطورات على الأرض والتي حملت عنوانا ً كبيرا ً وهو صبغٌ تركي للسيطرة على إدلب والمناطق المحيطة بها باللون الأسود وبأعلام جبهة النصرة الإرهابية. لقد حمل المؤتمر شيئا ً كبيرا ً من التفاؤل، وعكس بطريقةٍ ما إرتياحا ً في الشارع السوري، من خلال الكلمات التي ألقيت فيه ومن خلال البيان الختامي والمؤتمر الصحفي من بعده، فقد جاء كلام الرئيسين الروسي والإيراني هاما ً ومطمئنا ً، فيما بقيت كلمات ووعود الرئيس التركي موضع شك وحذر وفي خانة عدم الثقة ... فقد سمعنا بالأمس كلاما ً واضحا ً يعبر عن رفض الرئيس الروسي إقامة ما تسمى المنطقة الاّمنة وفق المفهوم الأمريكي أو التركي، وتأكيده بأن: "إقامة أي منطقة اّمنة في سوريا مرهون بموافقة دمشق"، كما حمل إصرارا ً روسيا ً إيرانيا ًعلى إنهاء الحالة الإرهابية في إدلب وشرقي الفرات، ويمكن تلخيص أهم النقاط التي خرجت بها القمة ب : * دعم اللجنة الدستورية والإعلان عن إنتهاء تشكيلها, * التأكيد على استقلال ووحدة الأراضي السورية, * مكافحة الإرهاب في إدلب وشرقي الفرات, * العمل على تخفيض التوتر على كامل الأراضي السورية, * القضاء التام على الإرهاب مهما كانت مسمياته, * مناقشة خروج القوات الأمريكية تدريجيا ً من سوريا, * عودة التنسيبق الأمني بين الدولتين السورية والتركية وفق إتفاقية أضنة وعودة العلاقات الطبيعية بينهما, * عودة اللاجئين السوريين, * التأكيد على أن الكرد جزء لا يتجزأ من الشعب السوري, بمعنى إنهاء المشروع الإنفصالي, * عودة العلاقات مع الدول العربية, * التأكيد وتشجيع الدول على الاهتمام بالإستقرار الاقتصادي في سوريا والذي يعتبر بوابة العمل على إعادة إعمار سوريا. يبدو أن ساعة البدء بتحرير إدلب من الإرهاب توشك على الإنطلاق، ويبقى مدى إلتزام الدولة التركية والرئيس أردوغان بنتائج اللقاء الثلاثي أمرٌ على غاية من الأهمية، خصوصا ً أنه لا يملك هامشا ً كبيرا ً للتهرب، بعدما حصل على صك تفرده بالقرار من الرئيس دونالد ترامب بقوله:" سوريا لك "، وهذا يؤكد ما تحدثنا عنه سابقا ً بأن تفويض ترامب لأردوغان هو لإدارة الهزيمة وليس لإدارة النصر. من الواضح أن إنتصار سوريا العسكري قد سبق إنتصارها السياسي، بفضل المماطلة الأمريكية والأموال الخليجية، مضافا ً إليها الأطماع التركية، والأدوار السلبية لغالبية الدول الأوروبية الإستعمارية في سوريا والمنطقة، ويبدو أن المسألة السورية بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية وبالأطر القانونية المرتبطة بالقرارات الدولية, من خلال إنطلاق عمل اللجنة الدستورية، والبحث عن إلتزام الدول بالقرار 2254, والإنطلاق بثقة نحو إعادة بناء ما تهدم , لتعود الدولة السورية قوية ً وقادرة وكما كانت دائما ً قلب الشرق ونقطة توازن العالم.