2024-11-25 07:38 م

كاس اسيا وتداعيات نهج الحكم في بلدان الخليج

2019-02-10
السفير العربيانتهت بطولة كأس آسيا لكرة القدم لعام 2019 التي عُقِدت في إمارة أبوظبي في الشهر الماضي بأحراز المنتخب القطري على الكأس بعد أن تغلب على المنتخب الياباني في المباراة الختامية. وعلى الرغم مما لهذا الحدث من أهمية لدى المهتمين بالرياضة، نظراً للفارق الكبير بين التاريخ الكروي لليابان ولقطر، إلا إنه لم يكن بأهمية ما أسفرت عنه المباراة التي سبقته بيومين بين منتخبي قطر والأمارات، وخاصة لجهة إثارة موضوع التباهي بين العوائل الحاكمة في الخليج العربي وتنافس أفرادها على شراء أصحاب وصاحبات المواهب الرياضية وتجنيسهم.

مباراة قطر - الإمارات

في مباراة الدور نصف النهائي، تغلّب المنتخب القطري على نظيره الإماراتي بأربعة أهداف مقابل صفر. وعلى الرغم من ذلك، فقد كان سير المباراة كما كانت نتيجتها صدمة لأغلب الجمهور الحاضر في ملعب الكرة في أبو ظبي. وبيّنت الصور المنتشرة في مختلف المواقع إن الحماس وخيبة الأمل دفعتا قسماً من الجمهور إلى قذف أحذية ونُعل وقوارير مياه ومشروبات غازية على أرض الملعب. إلا إن الأمور، لحسن الحظ، لم تتدهور إلى حد الإشتباك بالأيدي كما يحدث أحياناً عندما تعبِّر غوغاء مشجعي الكرة عن حماسها أو خيبة أملها. فلقد تكفلت إجراءات الحصار التي تفرضها الأمارات على قطر بمنع مشجعي الكرة القطريين من دخول الأراضي الإماراتية والمجيء إلى الملعب. من جهتها، شهدت مواقع التواصل الإجتماعي "معارك طاحنة" بين المحتفلين بالفوز القطري والمستائين منه.

لم تشكل تلك "المعارك" بداية سعيدة للشهر الأول من العام 2019 الذي أعلنت سلطات الأمارات بضجيج إعلامي ملحوظ إنه "عام التسامح". بل لم تتوقف بذاءات تلك المعارك عند حدود. من المفارقات المضحكة كما ذكرت إحدى المغردات في "تويتر" أن "تُقرأ تغريدات يتهكم فيها إعلاميون عرب جنَّستهم دول خليجية، يصفون فوز منتخب قطر بأنه فوزٌ للمرتزقة". على أية حال لم تنحصر تلك البذاءات فيما تداوله من يُعرفون ب"الذباب الإلكتروني"، بل شملت كبار القوم في البلدين، بمن فيهم أكاديميين ووزراء وكبار موظفي الأجهزة الرسمية علاوة على الإعلام الرسمي في البلدين وإمتداداته الخارجية.

عكست التداعيات المعيبة لنتيجة المباراة بين الأمارات وقطر مستوى التفكير السياسي لدى المتحكمين في القرار السياسي في البلدين. فهؤلاء لم يعتبروا المباراة بين منتخبيهما حدثاً رياضياً بل تعاملوا معها بإعتبارها معركة وجودية تعتمد كرامة العائلة الحاكمة فيها على ركلة كرة. ولهذا سارعت الأمارات في أقل من ساعتين بعد إنتهاء المباراة إلى تقديم شكوى رسمية إلى إتحاد الكرة الآسيوي و"الفيفا" تطعن في أهلية مشاركة بعض لاعبي المنتخب القطري. ولتأكيد جدية الشكوى، كما ذكرت وسائل الإعلام، قدم الاتحاد الإماراتي المستندات اللازمة لإثبات صحة موقفه بما فيها "ملفاً يتضمن مستندات ثبوتية رسمية، تثبت التزوير القطري في تجنيس لاعبيَن على الأقل". (جريدة الإتحاد الإماراتية 31/1/2019). وحسبما ذكرت الجريدة، فإن الجانب الإماراتي يتوقع أن يؤدي كشف التلاعب في جنسيات المنتخب القطري إلى إعلان فوز منتخب الإمارات بدلاً من قطر وإلى إنتزاع كأس آسيا منها وتسليمه إلى اليابان. إلا إن اللجان المختصة في الفيفا وفي الاتحاد الآسيوي لكرة القدم قررت عدم قبول الشكوى التي قدمها الاتحاد الإماراتي. وكان لافتاً إن ذلك القرار صدر قبيل بدء المباراة الختامية بين قطر واليابان. وبذلك أمكن تحاشي التعقيدات التنظيمية والقانونية المحتملة من قبول الشكوى الإماراتية.

ملف التجنيس في بلدان مجلس التعاون

ثمة مفارقة في الشكوى الإماراتية ضد "شرعية تجنيس" لاعبيْن في منتخب الكرة القطري. إحدى المفارقات تكمن في إن تلك الشكوى يمكن أن تُرفع على جميع بلدان مجلس التعاون بما فيها دولة الأمارات. فأغلب الميداليات التي تفوز بها هذه الدول في الدورات الأولمبية والمسابقات الدولية والإقليمية هي نتاج جهود رياضيين ورياضيات وُلدوا خارج منطقة الخليج العربي. يأتي أغلب أصحاب المواهب الرياضية إلى الإمارات وقطر وغيرهما من بلدان الخليج العربي عن طريق شبكات متخصصة في توريد هذه المواهب مقابل عمولات مالية تتحكم فيها شروط العرض والطلب. ويُمنح هؤلاء الرياضيين جنسية البلد الخليجي دون إشتراط إقامتهم فيه أو حتى مشاركتهم في أنشطته الرياضية المحلية. فدورهم محصور في تلميع الصورة الخارجية لبلدهم الجديد ورفع علمه في المحافل الرياضية العالمية لتوفير الفرص الدورية لولاة الأمر أو أولادهم بالإحتفال بما حققوه من إنجازات. نعم. يحصل الرياضيون المجنسون على تعويضات مالية وإمتيازات تفوق ما يمكن أن يحصلوا عليه في بلدانهم الفقيرة. إلا إنهم معرضون دائماً للحرمان من تلك التعويضات والإمتيازات في حال لم يحرزوا النتائج التي يتوقع المسئول الخليجي منهم إحرازها. مقابل ذلك فبين المجنسين الرياضيين من تؤهله/تؤهلها مواهبهم وقدراتهم على عرضها في السوق الرياضي العالمي على من يدفع أكثر.

عكست التداعيات المعيبة لنتيجة المباراة بين الأمارات وقطر مستوى التفكير السياسي لدى المتحكمين في القرار السياسي في البلدين. فهؤلاء لم يعتبروا المباراة بين منتخبيهما حدثاً رياضياً بل تعاملوا معها بإعتبارها معركة وجودية تعتمد كرامة العائلة الحاكمة فيها على ركلة كرة. ولهذا سارعت الأمارات في أقل من ساعتين بعد إنتهاء المباراة إلى تقديم شكوى رسمية إلى إتحاد الكرة الآسيوي و"الفيفا" تطعن في أهلية مشاركة بعض لاعبي المنتخب القطري. ولتأكيد جدية الشكوى، كما ذكرت وسائل الإعلام، قدم الاتحاد الإماراتي المستندات اللازمة لإثبات صحة موقفه بما فيها "ملفاً يتضمن مستندات ثبوتية رسمية، تثبت التزوير القطري في تجنيس لاعبيَن على الأقل". (جريدة الإتحاد الإماراتية 31/1/2019). وحسبما ذكرت الجريدة، فإن الجانب الإماراتي يتوقع أن يؤدي كشف التلاعب في جنسيات المنتخب القطري إلى إعلان فوز منتخب الإمارات بدلاً من قطر وإلى إنتزاع كأس آسيا منها وتسليمه إلى اليابان. إلا إن اللجان المختصة في الفيفا وفي الاتحاد الآسيوي لكرة القدم قررت عدم قبول الشكوى التي قدمها الاتحاد الإماراتي. وكان لافتاً إن ذلك القرار صدر قبيل بدء المباراة الختامية بين قطر واليابان. وبذلك أمكن تحاشي التعقيدات التنظيمية والقانونية المحتملة من قبول الشكوى الإماراتية.

ملف التجنيس في بلدان مجلس التعاون

ثمة مفارقة في الشكوى الإماراتية ضد "شرعية تجنيس" لاعبيْن في منتخب الكرة القطري. إحدى المفارقات تكمن في إن تلك الشكوى يمكن أن تُرفع على جميع بلدان مجلس التعاون بما فيها دولة الأمارات. فأغلب الميداليات التي تفوز بها هذه الدول في الدورات الأولمبية والمسابقات الدولية والإقليمية هي نتاج جهود رياضيين ورياضيات وُلدوا خارج منطقة الخليج العربي. يأتي أغلب أصحاب المواهب الرياضية إلى الإمارات وقطر وغيرهما من بلدان الخليج العربي عن طريق شبكات متخصصة في توريد هذه المواهب مقابل عمولات مالية تتحكم فيها شروط العرض والطلب. ويُمنح هؤلاء الرياضيين جنسية البلد الخليجي دون إشتراط إقامتهم فيه أو حتى مشاركتهم في أنشطته الرياضية المحلية. فدورهم محصور في تلميع الصورة الخارجية لبلدهم الجديد ورفع علمه في المحافل الرياضية العالمية لتوفير الفرص الدورية لولاة الأمر أو أولادهم بالإحتفال بما حققوه من إنجازات. نعم. يحصل الرياضيون المجنسون على تعويضات مالية وإمتيازات تفوق ما يمكن أن يحصلوا عليه في بلدانهم الفقيرة. إلا إنهم معرضون دائماً للحرمان من تلك التعويضات والإمتيازات في حال لم يحرزوا النتائج التي يتوقع المسئول الخليجي منهم إحرازها. مقابل ذلك فبين المجنسين الرياضيين من تؤهله/تؤهلها مواهبهم وقدراتهم على عرضها في السوق الرياضي العالمي على من يدفع أكثر.

من الخطأ حصر "ملف التجنيس" في بلدان الخليج العربي في تجنيس بضع عشرات من لاعبي كرة القدم أو كرة اليد. فهو ملف أوسع من ذلك بكثير ويتداخل فيه التجنيس بالإرتزاق العسكري والأكاديمي والإعلامي. فكما أصبح مقبولاً أن تكون قوات حرس الرئاسة في دولة الأمارات المتحدة تحت إمرة جنرال أسترالي، أو أن تحارب قواتها الخاصة في اليمن تحت قيادة ضابط من كولومبيا، فليس عجيباً أن يفاخر مسئولو الرياضة فيها أو في غيرها بشرائهم إنجازات رياضية حققتها لهم فتيات وفتيان من أوزبكستان أو كينيا.

أكبر من مباراة

عكست المخازي التي رافقت إنعقاد بطولة كأس آسيا لكرة القدم لعام 2019 في ملاعب الأمارات بعضاً من تداعيات أساليب الحكم في بلدان الخليج العربي. فالحاكم الخليجي يتصرف في المجال الرياضي كما يتصرف في مجالات أخرى إقتصادية وعسكرية وإعلامية وثقافية. فهو يعتبرها جميعاً مجالات للتباهي والمفاخرة بين أشقائه من حكام الخليج. ولقد وفّرت عائدات النفط لهؤلاء الحكام إمكانيات كبيرة لإستيراد ما يحتاجونه من أدوات لذلك التباهي والتفاخر. فحين يبني الحاكمُ جيشاً أو جامعة أو متحفاً ، على سبيل المثال، فهو يتوجه إلى الخارج لإستيراد ما يحتاجه من عدة وعديد لجيشه وأساتذة وإداريين لجامعته وتحفٍ فنية يعرضها في متحفه. ويتكرر الأمر في تأسيس القنوات الفضائية وغيرها من أجهزة الإعلام كما يتكرر في ملاعب الرياضة. وعلى الرغم من الكلفة المالية العالية التي يتحملها الحاكم العربي جراء الإعتماد على الأجانب، سواءً أكانوا عسكريين أو إعلاميين أوأكاديميين أو رياضيين، إلا إن تلك الكلفة تقل كثيراً عن الكلفة السياسية المحتملة التي يخشى الحاكم من دفعها في حال إعتمد على أبناء وبنات بلده.

على أية حال، لم يعد الحاكم الخليجي يرى نفسه في حاجة إلى تبرير تفضيله للخبرات الأجنبية حتى حين تتوفر بدائل لها. بل هو يسعى جاهداً للتخلص قدر ما يستطيع من الإعتماد على مواطنيه. فحين يقرر الحاكم الخليجي بناء حركة رياضية أو نشاطاً ثقافياً أو إعلامياً في بلاده لا يحتاج أن يكلف نفسه عناء تنمية القدرات المحلية طالما هو يستطيع إستيراد المواهب والمدربين والإداريين من بلدان أخرى. يدين هؤلاء له بالولاء مقابل ما يدفع لهم كما يتيحون له التخلص من أعباء الإعتماد على مواطنيه. ما حدث في السنوات الأخيرة يشير إلى إن الحاكم الخليجي لم يعُد يرى إنه في حاجة إلى سند داخلي لشرعيته. شيئاً فشيئاً تتآكل أهمية الأدوار التي كانت تقوم بها مكرمات الدولة الريعية والتحالفات القبلية وأنشطة المؤسسة الدينية في تثبيت شرعية الحاكم. إلا إن بديلها ليس المواطنة المتساوية بل قدرة الحاكم على الإمساك بقدرات الدولة المالية والأمنية وتحالفاتها الخارجية.