التقرير كشف أن معدلات طلب الهجرة من قبل السعوديين زادت بنسبة 318% مقارنة بما كانت عليه في 2012، لافتًا إلى أن 815 سعوديًا تقدموا بطلبات رسمية للهجرة لدول أوروبية وأمريكية خلال عام 2017 فقط وأن هذا العدد مرشح للزيادة، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين.
ليس شرطًا أن تكون طلبات اللجوء لأبعاد حقوقية أو سياسية، ومع ذلك فإن التوجه نحو مغادرة الوطن لا تقتصر على السعوديين فحسب، إذ تشير المجلة في تقريرها إلى أن الإماراتيين كانوا الأقرب للسعوديين في هذا الاتجاه حيث زادت معدلات طلب اللجوء قرابة 300% مقارنة بالعام 2012 فيما تذيل القطريون قائمة الدول الأكثر طلبا للجوء بين الخليجيين.
أصابع الاتهام في المقام الأول تذهب وفق المجلة إلى سياسات ولي العهد إلا أنها تعلق على ذلك بقولها إن ظاهرة هروب السعوديين ومساعيهم لمغادرة بلادهم سبقت وصول ابن سلمان للمشهد السياسي، وهو ما يشي إلى طبيعة الحياة في المملكة والتي باتت طاردة لمواطنيها في ظل تمسكها ببعض السياسات التي لم تعد تلقى قبولا لدى قطاع كبير من المواطنين.
طلبات اللجوءومعدلات الهروب
الضجة التي أحدثتها قضية رهف وانتهت بحصولها على اللجوء لكندا واستقبال وزيرة الخارجية الكندية لها قد لاتعطي الصورة الكاملة عن حالات الهروب من المملكة، فليس كل هارب من بلاده شرطًا أن يكون ذلك عبر بوابة اللجوء، خاصة وأن هذا المفهوم ربما يتسبب في أزمة لصاحبه تعكر صفو علاقته بسلطات حكومته التي بدورها ربما تنتقم منه أو تنكل به.
كثير ممن غادروا السعودية هربا من واقعهم غادروها في صمت، سفر عادي تحول بعد ذلك إلى إقامة كاملة في دولة خارجية، وإن تطور الأمر وتم تضييق الخناق ربما يتحول إلى طلب لجوء، ولعل قضية جمال خاشقجي تكشف هذا الواقع بصورة كاملة، فالرجل لم يغادر بلاده بطلب لجوء إلى أي دولة، لكنه اختار أن يحيا في منفى خارجي، ما بين لندن وواشنطن، ظنا منه أنه سيكون بمأمن فيه هربا من الخوف
الذي كان بلاحقه في بلاده.
ومع ذلك ورغم أن الرجل لم يكن من طالبي اللجوء فقد اغتالته يد الغدر في مقر قنصلية بلاده في اسطنبول أكتوبر الماضي، وهناك عشرات ألالاف ممن هم على شاكلة خاشقجي، فطلبات اللجوء لا تعكس الحجم الحقيقي لحالات الهروب من المملكة، هذا في الوقت الذي تشير فيه التوقعات إلى زيادة مثل هذه المعدلات هذه الأونة بعدما تحولت السعودية إلى سجن كبير لكثير من المغردين خارج السرب أو حتى
الممتنعين عن التغريد داخل السرب.
هربا من القمع
في سبتمبر الماضي وبعد الأزمة التي نشبت بين السعودية وكندا في اعقاب طلب وزيرة الخارجية الكندية المملكة بالإفراج عن الناشطات الحقوقيات في مجال المرأة المعتقلات في السجون السعودية، وهو ما أعتبرته الرياض تدخلا مرفوضا في شئونها وعليه طلبت من رعاياها المقيمين هناك العودة إلى بلادهم، رفض الكثير من الطلاب السعوديين المقيمين في كندا العودة.
موقع هيئة الإذاعة الكندية CBC كشف حينهاعن تقديم 20 طالبا سعوديا طلبات اللجوء إلى كندا وبقائهم هناك، وذلك بعد انقضاء الموعد النهائي لعودتهم إلى بلادهم في 31 أغسطس الماضي، الإذاعة نقلت عن المحامي المختص في شؤون الهجرة بيتر إيدلمان، ضرورة توفر شرط “اللجوء تفاديا للاضطهاد” لقبول طلب بقاء الطلاب السعوديين وقال: “إذا كانت العواقب أنك لن تحصل على منحة دراسية لاحقا،
فهذا لا يرتقي إلى مستوى الاضطهاد لطلب اللجوء… لكن إذا كانت النتيجة أنك ستلقى في السجن لعدة سنوات أو ترسل إلى معسكر لإعادة التأهيل، فذلك سيعتبر اضطهادا”.
خوف الطلاب السعوديين العودة إلى بلادهم تزامن مع حملة الاعتقالات التي شنها ولي العهد تحت مسميات عدة، ما بين مكافحة الفساد ومحاربة الإرهاب وقمع الغلو والتطرف، أسفرت عن الزج بمئات السعوديين داخل السجون ما بين دعاة وعلماء وأكاديميين ومفكرين وصحفيين ونشطاء حقوقيين وغيرهم، نسبة ليست بالقليلة منهم من النساء.
مناخ الخوف والرعب الذي نجح ابن سلمان في بثه داخل المجتمع السعودي ظنًا أنه الوسيلة الآمنة لبقاءه على الكرسي دون مناوشات أو معارضة لتخطيه المرتكزات الأساسية للجلوس على العرش، بخلاف ضمان عدم الخروج علي سياساته في إدارة الدولة والتي ضربت بالثوابت الوطنية للمملكة عرض الحائط، حيث الهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني والخنوع لابتزاز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فضلا عن
تجريد بلاده من سمتها الإسلامي الذي يعد قوام بقائها الأول ومحاولة زجها في درب العولمة إرضاء للغرب وتحسينًا لصورته الخارجية، كل هذا وضع فكرة البقاء داخل المملكة في ميزان الدراسة والنقاش لدى الكثيرين.
هل تتحول إلى ظاهرة؟
قبل عامين من الآن وحين تصدر ولي العهد الثلاثيني المشهد استشعر بعض الشباب خيرًا إيهاما بأنه سيكون المخلص والمصلح لحزمة القيود الخانقة التي طوقت بها المملكة، وبالفعل نجح في تسكين الشارع السعودي عبر عدد من القرارات التي تم الترويج لها إعلاميًا بشكل يعبد الطريق أمام الأمير الشباب، فكان السماح للمرأة بالقيادة وافتتاح قاعات السينما وإقامة الحفلات الموسيقية بشكل رسمي وغير ذلك من المسائل التي كانت من المحرمات قبل مجيئه.
لكن سرعان ما تحول الحلم إلى كابوس، إذ وجدت المملكة نفسها بفضل تهور ولي العهد في محط انتقادات وإدانات العالم، بدءًا بالانتهاكات الحقوقية التي يمارسها ضد شعبه، مرورًا بالحرب في اليمن والتي صنفت بأنها واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، هذا بخلاف تشويهه لصورة بلاده في قضية خاشقجي التي باتت حديث العالم طيلة الأشهر الماضية.
الواقع المذري الذي باتت عليه السعودية أصاب ولي عهدها ورفاقه بحالة من الهذيان خشية أي تحرك هنا وهناك خاصة مع تصاعد بعض الدعوات التي تطالب بالإصلاح وعليه شنً الرجل حملات اعتقالات غير مسبوقة في تاريخ المملكة، فضلا عن تشريعه لعدد من القوانين والإجراءات التي أدخلت حرية الرأي والتعبير غرف الإنعاش مبكرًا.
وأمام هذا كله فقد الكثير من السعوديين شعورهم بالأمن والأمان في بلادهم، ولعل هذا هو فحوى التقرير الذي نشرته المجلة البريطانية، التي أعربت عن خشيتها من أن يتحول الهروب من المملكة أيا كان الأسلوب، لجوء أو إقامة عادية، إلى ظاهرة لافتة خلال السنوات القادمة.