تغمر السعادة الكثيرين فرحاً بقدوم فصل الشتاء، فيما تجتمع العائلات وتحتسي مشروب السحلب وجوز الهند، وتأكل الكستناء والشعرية والعوامة التي يزداد إقبال سكان غزة على تناولها، لأنها تمد الطاقة والشعور بالدفء، إلا أن عائلات كثيرة في قطاع غزّة تسكن منازل متهالكة لا تجد القليل من مقومات العيش، لا يجدون ما يملأ بطوناً خاوية أنهكها زمهرير البرد، وتتمنى القفز فوق هذا الفصل وصولاً إلى فصل الربيع.
يتسلّل البرد إلى كل ركن من أركان منزل عائلة عبد العال شمالي غزة، إذ لا يصلح المنزل للسكن بغرفته الواحدة وساحته الضيّقة، فيما ترتسم على محيّا رب البيت علامات الوجوم والغضب، إذ لا يملك ثمن الفحم لإشعال نار التدفئة لأطفاله الزغب.
تجوّلت «البيان» في المنزل، الذي يقع في مخيم جباليا، قطعٌ من الخبز اليابس، وبرميل مياه قديم، وعلبة حليب فارغة على رف أكله الصدأ، وصندوق خشبي به زجاجات فارغة، ويحمل الطفل الصغير في يده صحناً صغيراً من الرز.
تختلط قصة الشتاء مع الهم والألم في حياة هذه العائلة، فهي لا تستمتع بزخات المطر واحتساء المشروبات الشتوية، فلن يروا إلى الفرحة طريقاً ما دام الفقر باقياً، بل متوطناً في المنزل، مع استمرار الأزمة الاقتصادية التي أرخت بظلالها على غالبية المطحونين.
شتاء قاسٍ
لا يرى أحمد عبد العال في الشتاء سوى كابوس يؤرّق مضجعه واختباراً قاسياً له وعائلته، فبدلاً من أن تغسل الأمطار العناء والشقاء عن وجوه الفقراء، تزيد معاناتهم. ولعل حال أحمد في ظل بيت مسقوف بألواح الصفيح وتكسوه قطع الحصير الممزق، يغني عن السؤال! سرعان ما ينكشف المستور مع بدء المنخفض، وعندما تدخل سيول الأمطار منزله البسيط، ويبدأ يهرول مع زوجته مطلقاً العنان لنداءات الاستغاثة لنجدته.
فقر
يقول أبو أشرف لـ«البيان» إنه يعجز مع قلة الحال عن شراء المشروبات والمأكولات الشتوية التي تشتهيها عائلته، ويكتفي بشراء العدس ويهمل الكثير من الأنواع، لأنه يعتبرها من الكماليات لارتفاع أسعارها مثل الكستناء وجوز الهند. ويضيف: «بشق الأنفس أشتري الخبز لأولادي، ولا يوجد عمل على الإطلاق، الحمد لله على كل حال، نحن أفضل من غيرنا». ويؤكد عبد العال أنه لا يستطيع أن يلبي أدنى متطلبات البيت الأساسية، وأنه يلجأ إلى الاقتراض من الأسواق لشراء الخضراوات والمجمدات، فيما يأمل بأن يرزق بعمل أو وظيفة لقطع الطريق أمام كابوس الشتاء حتى لا ينال منه وعائلته ويستطيع العيش بكرامة.
مأساة
وتقول أم أشرف: «فصل الشتاء مأساة لي وعائلتي، حيث سقف البيت المطرز بالثقوب والفتحات يقوم بتسريب مياه الأمطار إلى داخل كل زاوية في المنزل، وهو ما يجعل البيت أشبه ببركة ماء، في حين تضطر أم أشرف إلى وضع الأواني البلاستيكية أسفل الثقوب من أجل تلافي غرق أغطية الأولاد وملابسهم».
البيان الاماراتية