2024-11-24 03:44 م

العقل الاستعماري الغربي في مواجهة التكتلات السياسية لبلدان العالم الثالث

2018-12-22
عميرة أيسر
العقل الاستعماري الغربي الامبريالي الذي يؤمن بفلسفة القوة كأحد أهم الركائز الأساسية لبنيته الأيديولوجية والثقافية والسِّياسية، والذي عمل بعد أن فشل في بسط سيطرته العسكرية على الكثير من دول العالم الثالث على محاولة السيطرة عليها بأساليب وطرق مختلفة، وهي تلك الدول التي استطاعت بعد مؤتمر باندونغ ان تبلور مفاهيم سياسية ومصطلحات فكرية ومعرفية ، وتحاول التأسيس لقوة ثقافية واقتصادية مضادة لمحاولته الهيمنة علىيها، التي صاغت رؤيتها المستقبلية لكيفية العلاقة معه في إطار تكتل فكرة الأفروسيوية و هي الفكرة الرئيسية التي جاءت في كتاب الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي في كتابه الذي سماه فكرة الأفرسيوية في ضوء مؤتمر باندونغ، والذي أكد من خلاله على أن الغرب عمل ولا يزال على عرقلة التطور الطبيعي لدول العالم الثالث الحديثة الاستقلال عن طريق استعمال فواعله العسكرية والسِّياسية وخاصة تلك التي تمكنه من إجهاض القرارات الدولية، الصادرة من الأمم المتحدة لصالح استقلال تلك الدول وسيادتها، عن طريق استعمال حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي. إذ يقول في هذا الإطار: إن هذه الحالة الخاصة بالعقل الغربي، يجب أن نبحث عن مبعث هذه الجهود المنحرفة، التي لا يكفون عن أن يقفوا بها في وجه التطور الطبيعي للعالم، وفي سبيل التطور العلمي الأفرسيوية، وإن إرادة الكبار بما تتمتع به من حق الاعتراض الفيتو، في المناقشات الدولية، لتعتبر في الواقع التيار المضاد لاطراد التاريخ، تيارا مضاداً بكل العناصر السلبية التي تمتلكها حضارة لم تستطع أن تتغلب على مصاعبها الأخلاقية، وهذا الجمود الأخلاقي كله هو الذي يضغط بثقله على المصير الإنساني، معطلاً التاريخ، تاركاً الأحداث تجري في مكانها. فالغرب عندما فشل في تطويع إرادة هذه الدول وكسر شوكتها عن طريق إتباع إستراتيجية التخويف والتهديد بفرض العقوبات العسكرية والاقتصادية عليها، عمد إلى التركيز على إبقاء حروبه عليها مستمرة، ولكن عن طريق استعمال وسائل الضغط السِّياسي هذه المرة تطبيقاً لمقولة كارل كان كلوزفيتر القائد الألماني الشهير(1785-1831) وصاحب كتاب اسمه في الحرب، القاضية حسب منظورها بأن السِّياسة ماهي إلاَّ استمرار للحرب ولكن بوسائل أخرى. لأن الدول الاستعمارية الغربية الكبرى وعلى رأسها طبعا الولايات المتحدة الأمريكية، تبرر دائماً أفعالها وفق نظرة و فلسفة الفيلسوف والسِّياسي الفرنسي تاليران، مهندس السِّياسة الخارجية لفرنسا في عهد نابليون الأول، والتي ترى بأن الخطأ أقبح من الجريمة. فالتكتلات السِّياسية والاقتصادية بين دول العالم النامي، و التي بدأت في خمسينيات القرن المنصرم، وتستمر بأشكال أخرى عن طريق عقد تحالفات سياسية واقتصادية وحتى ثقافية مختلفة، وفي كل قارات العالم تقريباً، خطأ كبير جداً لا يغتفر بالنسبة لها باعتبارها الدولة الاستعمارية الغربية الأقوى حالياً، ولا يمكن مقارنة ما تقوم به هذه الدول النامية من توحيد جهودها وقواها من أجل إثبات نفسها على المسرح الدولي، بالجرائم الأمريكية والغربية في كل الدول التي احتلوها على مدى قرون من الزمن، لأنه وفق العقل الغربي الجمعي فإن هدفهم كان ولا يزال خدمة البشرية عن طريق نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات البراقة التي لا تسمع ولا تغني من جوع. فالصراع بين دول الغرب الامبريالية وبقية الدول، الرافضة للمنظومة الفكرية والثقافية والاقتصادية الغربية المعولمة، سيستمر وستتطور أدوات الصراع وفواعله بتطور التكنولوجيا وما يرتبط بها في كافة مناحي وميادين الحياة، ما دام أن البنية الفكرية والعقائدية والثقافية لكلا الطرفين مختلفة، والهوة بينهما آخذة في الاتساع يوما بعد يوم. 
* كاتب جزائري