2024-11-25 10:20 م

عندما يضحي الغرب بشعارات الحرية دفاعا عن إسرائيل

2018-12-22
 كيف تعمل المنظمات الصهيونية على قمع منتقدي ممارسات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية؟

بهية عماوي، أمريكية مسلمة، طردت من عملها لرفضها التعهد بعدم مقاطعة إسرائيل

منظمات مناصرة لإسرائيل تسعى لجعل انتقاد إسرائيل وصمة تلاحق صاحبها

التعريف الأصلي لمعاداة السامية لا يربطها بانتقاد إسرائيل

إسرائيل ومناصروها يسوقون “تعريفا” جديدا يضم بنودا فضفاضة ويجرم انتقاد سياساتها

وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية لم تعترف بالتعريف الجديد لمعاداة السامية

تمكن مناصرو إسرائيل من دفع حزب العمال البريطاني لتبني التعريف الجديد

الكونغرس الأمريكي أقر التعريف عام 2004 في قانون “رصد الممارسات المناهضة للسامية”

المحكمة العليا الفرنسية اعتبرت الدعوة لمقاطعة إسرائيل تشجيعا على العنصرية

موقع “The Intercept” الأمريكي: في تكساس بالإمكان انتقاد واشنطن وأي حكومة في العالم باستثناء إسرائيل”

تلفت قضية طرد مَدرسة في ولاية تكساس الأمريكية مؤخرا، مواطنة مسلمة من عملها لرفضها التعهد بعدم مقاطعة إسرائيل، الأنظار إلى الجهد الذي تبذله المنظمات المناصرة لإسرائيل لقمع كل من ينتقدها حتى على مستوى ممارساتها كقوة قائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينية.

وتقوم هذه المنظمات بالتصدي لمنتقدي إسرائيل من خلال اتهام منتقديها بمناهضة السامية، وهي تهمة قد تصبح وصمة تلاحق الموصوف بها في الولايات المتحدة وأوروبا في حياته المهنية والاجتماعية، وقد تصل إلى حد مقاضاته وتغريمه أو سجنه في بعض الدول الأوروبية.

“بهية عماوي” بحسب ما نشر موقع “The Intercept” الأمريكي الاثنين الماضي، كانت تعمل أخصائية تَخاطُب في إحدى مدارس مدينة أوستن عاصمة ولاية تكساس، وطردت من عملها بسبب رفضها الموافقة على فقرة تتعلق بإسرائيل أضيفت مؤخرا لعقد العمل”.

وأوضح الموقع أن “الفقرة المضافة تنص على التعهد بعدم مقاطعة إسرائيل أو المشاركة في أي عمل من شأنه الإضرار بالاقتصاد الإسرائيلي”.

ورفعت عماوي، الاثنين، دعوى قضائية لدى المحكمة الفيدرالية في تكساس، ضد المَدرسة، تتهمها فيها بانتهاك حق حرية التعبير الذي يكفله الدستور الأمريكي، وفق المصدر ذاته.

وتعود أصول ربط الاتهام بمعاداة السامية، بمناهضة إسرائيل أو مناهضة الصهيونية إلى عقود ماضية، كما يقول البروفيسور نورمان فينكلستاين في كتابه “صناعة الهولوكوست”.

ويقول فينكلستاين إن إسرائيل ومناصروها بدأوا بعد حرب عام 1967 وتعرضها للانتقاد لاحتلال الأراضي العربية (الضفة وغزة وهضبة الجولان وسيناء)، البحث عن الطرق التي تقمع بها من يجرؤ على انتقاد إسرائيل، من خلال إبراز قضية “معاداة السامية”، التي أدت إلى “الهولوكوست”، وربطها بانتقاد إسرائيل حاليا، باعتبارها “دولة اليهود”.

وتُعرف المراجع العلمية مثل معجم “Merriam-Websters” مناهضة السامية الكلاسيكية، بأنها “العدوانية تجاه أو العنصرية ضد اليهود على خلفية دينية أو عرقية”.

ولا تربط المعاجم بين مناهضة السامية وبين انتقاد إسرائيل.

لكن، وفي نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، بدأ يبرز مصطلح جديد يسمى “مناهضة السامية الجديدة”، ويربط بين معاداة السامية، ومناهضة إسرائيل أو مناهضة الصهيونية، لكن لم تتضح معالم محددة لهذا التعريف وبقي ضبابيا في الأدبيات والمقالات.

ومع انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، قمع الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين بشدة، وفي عام 2001 عقد المؤتمر الدولي ضد العنصرية المعروف بـ “مؤتمر ديربان” في جنوب افريقيا، وتعرضت إسرائيل لانتقادات شديدة خلال النقاشات حول “تبعات الاستعمار واستغلال خيرات الشعوب”، وحول “الصهيونية وإسرائيل كمشروع عنصري كولونيالي”.

وفورا، بدأت منظمات صهيونية وغربية بمشاركة محاضرين في جامعات إسرائيلية بالعمل مع “المركز الأوروبي لرصد العنصرية وكراهية الأجانب” (تحوّل إلى وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية) ومقره فيينا بالنمسا، على وضع تعريف جديد لمعاداة السامية.

وفي عام 2004 صدرت ورقة بعنوان “التعريف المبدئي لمعاداة السامية”، كمقترح يفترض أن يتم العمل عليه وتطويره.

لكن المنظمات الصهيونية سارعت إلى تبني هذه الورقة رغم عدم اعتمادها.

وروّجت هذه المنظمات أن الورقة صادرة عن الاتحاد الأوروبي ومتبناة من قبله، وباتت تستخدمها أساسا في اتهام من ينتقد إسرائيل بأنه ينتقدها لأنها “دولة اليهود”، ولأنه يعادي “دولة اليهود” في محاولة واضحة لترهيب منتقدي إسرائيل.

وتتضمن الورقة التعريف الكلاسيكي لمعاداة السامية، لكنها أضافت إليه بنودا أخرى فضفاضة في نصها، تتضمن أشكالا أخرى من معاداة السامية ذات صلة بإسرائيل وانتقادها، وبتشبيه ممارساتها بالممارسات النازية، واعتبار قيامها حدثا عنصريا، واعتبار مطالبة إسرائيل بالقيام بخطوات يتم طلبها من دول أخرى، ممارسة معادية للسامية.

كذلك يشير نص التعريف الجديد إلى أن التركيز على انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان، واستثناء دول أخرى تنتهك حقوق الإنسان أيضا، هو ممارسة “دوافعها مناهضة السامية أيضا”.

وفي عام 2013، حذفت “وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية” التعريف من موقعها، معتبرة أنها ورقة ليست ذات صفة رسمية أو قانونية، نافية تبني الورقة، أو الدعوة إلى تبنيها من قبل دول الاتحاد الأوروبي، ما أثار غضب إسرائيل ومناصريها.

ومؤخرا، تعرض زعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربن لحملة شديدة من قبل إسرائيل ومناصريها، بسبب رفضه تبني الحزب تعريف “مناهضة السامية” المتعارف عليه لدى التحالف الدولي لذكرى “الهولوكوست”، وهو تعريف يقوم بكامله على تعريف “المركز الأوروبي لرصد العنصرية وكراهية الأجانب”.

وفي النهاية تمكن مناصرو إسرائيل من دفع حزب العمال إلى تبني الورقة، مع إضافة فقرة تقول “إن ذلك يضمن عدم تقليله من أهمية حرية التعبير في ما يتعلق بإسرائيل وحقوق الشعب الفلسطيني”.

في سياق متصل، أقر الكونغرس الأمريكي هذا التعريف عام 2004 في قانون “رصد الممارسات المناهضة للسامية”، ما يعني وضعه منتقدي إسرائيل ضمن المناهضين للسامية.

كما تبنى كونغرس ولاية كاليفورنيا عام 2012 هذا التعريف ضمن قرار اعتمده لقمع الحركات الطلابية التي تنظم نشاطات مؤيدة للحقوق الفلسطينية في جامعات الولاية التي تتلقى دعما ماليا حكوميا.

وينص القرار HR-35 على حرمان الجامعات من الدعم المالي الحكومي في حالة مخالفتها نص هذا القانون.

في ذلك الوقت، اعتبر رئيس جامعة كاليفورنيا مارك يودوف الخبير في التعديل الأول في الدستور الأمريكي الذي يكفل حريات التعبير، أن القانون مخالف للدستور الأمريكي ولن يطبقه في جامعته.

ومن أبرز المنظمات الأمريكية ـ الصهيونية التي تنشط في قمع منتقدي إسرائيل “رابطة مكافحة التشهير” (Anti-Defamation League)، التي تقول إنها تعمل على تزويد الأمريكيين بالمعلومات والأدوات الأساسية لمكافحة مناهضة السامية والآراء المسبقة ضد إسرائيل، خاصة في الجامعات الأمريكية”.

كذلك يصرح مركز “سيمون فيزينتال” (Simon Wiesenthal Center) بأن من مهامه الدفاع عن إسرائيل من خلال تركيز نشاطاته ونشراته في حملات مضادة للمنظمات المناهضة لإسرائيل، خاصة “حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات BDS”.

وأصدر المركز عام 2013 نشرة خاصة وصف BDS فيها بأنها “قرص دواء سام مناهض للسامية وللسلام”، علما أن BDS ذاتها تؤكد أنها ترفض مناهضة السامية لكونها شكلا من أشكال العنصري ضد جماعية دينية أو عرقية.

في أوروبا أيضا، يعمل الكثير من المنظمات الصهيونية ضد الناشطين لمقاطعة إسرائيل، ففي قرار صدر عام 2013 عن المحكمة العليا الفرنسية اعتبرت المحكمة الدعوة لمقاطعة إسرائيل وبضائعها جريمة تشجيعا على العنصرية، وحكمت على نشطاء من حركة BDS بغرامة قدرها 14500 دولار.

ووقفت وراء القرار مؤسسة الجالية اليهودية في فرنسا “كريف”، التي رفعت القضية على الناشطين.

للمفارقة الغريبة، موقع “The Intercept” الأمريكي الذي نشر قصة “بهية عماوي” في تعقيبه على قرار طردها من عملها بسبب رفضها توقيع العقد الذي يمنعها من مقاطعة إسرائيل أو الدعوة لمقاطعتها، قال إنه بناء على ما ورد في نص العقد، فإنه مثلا “يمكن لعماوي أن تشارك في أي نشاط سياسي ضد الولايات المتحدة، والمشاركة في أي مقاطعة اقتصادية ضد ولاية تكساس، أو في مدينتها، أو في الولايات المتحدة، أو العمل ضد سياسة أي حكومة في العالم… باستثناء إسرائيل”.

يذكر أن حركة “مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)”، تمكنت خلال السنوات الماضية من تحقيق العديد من الإنجازات، وهو ما أقلق إسرائيل، ودفعها منتصف عام 2017 إلى سن قانون يجيز للحكومة “طرد وفرض عقوبات مالية” على الأفراد والمنظمات، التي تدعم جهود مقاطعتها.

/ الأناضول