2024-11-23 02:05 م

مشروع تكتل دول البحر الأحمر خطوة على الطريق

2018-12-15
د. صالح محروس محمد
وضحت في مقال سابق لي في «القدس العربي» عن التواجد الصهيوني في البحر الأحمر وتهديده للأمن القومي العربي. وسعدتُ عندما قرأت في الصحف عن مبادرة (اتحاد يضم دول حوض البحر الأحمر). لكن ما هي المبادرة ومن انضم لها من الدول ؟ وما هي التهديدات؟

تعزيز الأمن

لقد اتفق وزراء خارجية الدول العربية – الإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، على فكرة تأسيس كيان لدول البحر الأحمر وخليج عدن؛ بغرض تعزيز الأمن والاستثمار والتنمية لدول الحوض. جاءت هذه الخطوة تفعيلًا للمبادرة بتحقيق الاستقرار في المنطقة، ومن المنتظر أن يضم الكيان المرتقب كلًا من السعودية ومصر والسودان وجيبوتي واليمن والصومال والأردن.
وقال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير (خلال الاجتماع): «إنشاء كيان في البحر الأحمر والقرن الأفريقي يعزز أوجه التعاون الاقتصادي والبيئي والأمني التي تهم كل دولنا». وتابع: «أعتقد أن هذا الكيان سيساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، كما أنه سيساهم في تعزيز التجارة والاستثمار في المنطقة ويربط اقتصادنا مع بعض».
وأضاف: «هذا الكيان سيساهم في إيجاد تناغم في التنمية بين دولنا في هذه المنطقة الحساسة، وبالتالي يساهم في منع أي قوى خارجية في أن تستطيع أن تلعب دورًا سلبيًا في هذه المنطقة الحساسة». وأكد البيان الختامي للاجتماع، أن وزراء الخارجية، اتفقوا على أهمية إنشاء كيان يضم الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن يستهدف التنسيق والتعاون بينها ودراسة السبل الكفيلة بتحقيق ذلك في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية والأمـنية.

تدخلات إسرائيلية

كما اتفقوا على تعزيز سبل التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية بين الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، والسعي لتحقيق مصالحها المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي. وحسب البيان الختامي، فإنه تم الاتفاق على أن يعقد اجتماع مقبل لكبار المسؤولين في القاهرة لمواصلة بحث كافة التفاصيل ذات الصلة بذلك، تقديراً للأهمية التي يمثلها هذا الممر المائي الهام للدول العربية والأفريقية المشاطئة وللملاحة والتجارة الدولية، وفي إطار المسؤولية التي تقع على عاتق هذه الدول لتوفير الأمن والأمان لهذا الممر الذي كان ولا يزال جسراً للتواصل بين الحضارات الثقافات. وإذا تم ذلك فإن الدول العربية تتجنب المخاطر التى حذرت منها وهو الهيمنة الصهيونية على البحر الأحمر .
فقد ركزت إسرائيل في نظرية أمنها القومي على البحر الأحمر على الرغم من قصر ساحلها عليه والذى يبلغ طوله سبعة أميال. وركزت جهودها باعتباره من مقتضيات أمنها القومي بوصفه يقع ضمن اتجاهها الاستراتيجى الجنوبي ليشمل الدول العربية المشاطئة له ودول القرن الأفريقي المتحكمة في مدخله الجنوبي بالإضافة إلى منطقة البحيرات العظمى ومنابع نهر النيل.
لذلك خططت إسرائيل منذ نشأتها للسيطرة على البحر الأحمر بجميع منافذه وإقامة ما يسمى بإسرائيل الكبرى الممتدة حسب زعمهم من النيل إلى الفرات. وفي إطار المنظور الإسرائيلي فالبحر الأحمر ممر مائي دولي ينبغي أن يظل مفتوحا ًلسفن الدول جميعاً بما فيها إسرائيل وهم يقولون إنه لا حق للعرب في السيطرة أو تقييد حرية الملاحة فيه. توجد مهددات للأمن القومي العربي كونه منطقة الصراع العربي الإسرئيلي وبؤر الصراع الأخرى في المحيط الهندي والخليج العربي.

الملاحة الدولية

وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 حيث عززت الولايات المتحدة الأمريكية بثقلها في منطقة البحر الأحمر بحجة حماية طرق الملاحة الدولية في إطار حملتها الدولية على ما يعرف بالحرب على الإرهاب. ويمكن القول إن إسرائيل هي المستفيد الأول من ذلك حيث ألقت بكل ثقلها في الحرب ضد الإرهاب. وأصبح هناك تمركز إسرائيلي إلى جانب التمركز الأمريكي في أرض الصومال وجيبوتي خصوصاً بعد تفجير الفندق المملوك لإسرائيل في مومباسا في كينيا، مما أعطى لإسرائيل الذريعة في البقاء في البحر الأحمر والقرن الأفريقي. ربما قادت إلى تدويل مسألة أمن البحر الأحمر، خاصة إذا وجدت علاقة بين ظاهرة القرصنة والشبكات الإرهابية، إذ أن ظاهرة القرصنة قبالة السواحل الصومالية وخليج عدن قد أثارت مخاوف دول العالم من تعرض طرق الملاحة العابرة بالبحر الأحمر إلى الخطر.
قال كانستلون قائد البحرية الصهيونية ( نحن نملك أسطولاً بحرياً يعمل في كافة موانئ العالم وسيرتفع عدده مستقبلا، ولهذا فعلينا أن نعد العُدة لمستقبل تستطيع فيه أساطيلنا البحرية والحربية أن تحطم الحصار المفروض علينا وأن نفرض الحصار بدورنا على بعض الدول العربية بشكل أقوى مما فرضوه علينا أي : – بإختصار – مطلوب منا أن تكون لدينا خطة نستطيع عن طريقها أن نحول البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية بالتدريج ) من هنا كانت السيطرة على البحر الأحمر هدفاً للسياسة الصهيونية.

الثورة الإريترية

وبدأت منذ وقت مبكر الإهتمام الصهيوني في أفريقيا خاصة إريتريا فمنذ سنة 1920م خلال فترة الإستعمار الإيطالي حيث أقامت شركة زراعية صهيونية تدعى SIAبرؤوس أموال يهودية في منطقة القاش بما يسمى اليوم مشروع ( على قدر ) غرب إريتريا ثم اخترقت الثورة الإريترية عن طريق شخص أسياسي أفورقي عام 1970م بواسطة القاعدة الأمريكية ( كانيوا ستيشن ) في أسمرا للحيلولة دون انتصار الثورة الإريترية ذات التوجه الإسلامي والمدعومة من بعض الدول العربية، وذلك خوفاً من أن يصبح البحر الأحمر بحيرة عربية وضمان السماح لإسرائيل ببناء القواعد الصهيونية وإبعاد إريتريا عن الإنضمام لجامعة الدول العربية. واحتلت مرفأ إيلات ( أم الرشراش المصرية ) في آذار/مارس 1949م بعد توقيع اتفاقية رودس ليكون مدخلها لخليج العقبة والبحر الأحمر لإقامة العلاقات مع الدول الأفريقية والآسيوية.
ونجحت في استثمار علاقتها مع أثيوبيا(قبل إنفصال إريتريا عنها) في الحصول على جزيرة دهلك في البحر الأحمر عام 1975م لتُقيم عليها أول قاعدة عسكرية وتلا ذلك استئجار جزيرتي حالب وفاطمة ثم سنشيان ودميرا وأكدت مصادر دبلوماسية غربية في أسمرا وأديس أبابا وجود طائرات إسرائيلية مجهزة بمعدات تجسس متطورة في دهلك مما يحقق لها الإشراف على حركة الملاحة في البحر الأحمر ومراقبتها من الجنوب حتى إيلات وتأمين التحرك التجاري الإسرائيلي وضمان إغلاق باب المندب في وجه العرب في أي الوقت. ولعل يخرج مشروع اتحاد دول حول البحر الأحمر إلى النور ولا نكتفي فقط بالدعايا والإعلان ثم ننام.

كاتب وباحث في التاريخ الحديث