في خطوة اعتبرت تاريخية، تحدى مجلس الشيوخ الأمريكي إصرار ترامب على دعم بن سلمان وأقر بمسؤولية الأخير في قضية مقتل خاشقجي، كما صوت لصالح وقف دعم واشنطن للسعودية في حرب اليمن.
فهل ستتغير مواقف ترامب؟
توبيخ نادر، خطوة تاريخية، تصويت رمزي، تحد لترامب... تعددت التوصيفات لنتيجة تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الخميس لصالح إنهاء الدعم العسكري الأمريكي لحرب السعودية في اليمن وتحميل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المسؤولية عن قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
هذه الخطوة تأتي بعدما قال الرئيس الأمريكي إنه يريد من واشنطن الوقوف إلى جانب الحكومة السعودية وولي العهد محمد بن سلمان.
مشروع القانون وإن كان غير ملزم يجد مراقبون أن له دلالات كبيرة.
فما أهمية هذه الخطوة؟ وهل ستشكل ضغطا على ترامب داخل الولايات المتحدة، أم أن التحالف مع بن سلمان سيبقى على رأس الأولويات رغم أي ضغط؟
قضية خاشقجي تبقى في دائرة الضوء
تسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في أكتوبر الماضي في موجة كبيرة من الغضب والتنديد عبر العالم، وسلطت المزيد من الضوء على الانتقادات المتزايدة للسعودية بسبب الحرب التي تخوضها في اليمن حتى أصبح الموضوعان مرتبطين بشكل كبير مؤخرا.
وقد ساهم في نشر القضية بشكل كبير داخل الولايات المتحدة والعالم عموما، اشتغال الصحفي لصالح صحيفة الواشنطن بوست.
لكن ترامب، رغم الضغوط، رفض تحميل بن سلمان مسؤولية قتل خاشقجي رغم أن التقييم النهائي لوكالة الاستخبارات المركزية خلص إلى دور بن سلمان في الجريمة.
الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط يوخن هيبلر يرى كذلك أن التصويت مهم سياسيا، كما صرح في مقابلة لـDW عربية، وذلك "لأنه يُصعب على الرئيس الأمريكي الإستمرار في الوقوف إلى جانب بن سلمان دون شروط، لاسيما أن مجلس الشيوخ لازالت لديه أغلبية جمهورية أي أنه لا يمكن أن يتم تفسير نتيجة التصويت بأنها لأسباب حزبية".
هذا بالإضافة إلى أنه يُبقي قضية خاشقجي في صلب الاهتمام العالمي وعلى أجندة المجتمع الدولي. كما يقول الخبير.
أي تأثير على العائلة الحاكمة السعودية؟
يتوقع الخبير في الشؤون الأمريكية الدكتور إدموند غريب أن يستمر ترامب في تمسكه بابن سلمان، لكن الضغط حول قضية حرب اليمن وخاشقجي سيزداد لأن هناك عموما حالة من الاستقطاب في الولايات المتحدة.
وكل القرارات أو السياسات التي ينتهجها الرئيس يحاول خصومه استغلالها لمهاجمته، وهكذا أصبحت حتى قضايا لم تكن مهمة في الماضي، تحظى بحيز كبير من النقاش داخل البلاد.
وفيما يتعلق بالتأثير المحتمل لهذه الخطوة على العائلة الحاكمة في الرياض، يرى هيبلر أن مشروع القانون قد يعزز حالة القلق وعدم الرضا الموجودة داخل البيت الحاكم بسبب سياسات ولي العهد سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
"لكننا لا نعرف الكثير عن الديناميكات الداخلية في البيت الحاكم ليكون من الدقيق توقع أو صياغة تداعيات ملموسة لخطوة كهذه".
صوت لصالح مشروع القرار 56 عضواً مقابل 41، وهي أغلبية تعتبر كبيرة بالنسبة لهذا النوع من القرارات حسب الخبير في الشؤون الأمريكية الدكتور إدموند غريب.
لكن على الأرض لن يصبح مشروع القانون بأي حال ملزما للرئيس الأمريكي ، إذ يجب أن يتم تمريره في مجلس النواب الذي رفض حتى أن يناقشه.
كما أن الرئيس الأمريكي يملك ممارسة حق الفيتو ضد القرار حتى في حال تم تمريره في مجلس النواب كذلك.
بين القيم والمصالح
لكن غريب يرى أن أحد أبعاد أهمية هذا التصويت هو أنه من المفترض أن يهيمن الديمقراطيون في يناير المقبل على مجلس النواب وربما تعاد مناقشة مشروع القانون أو آخر مشابه له وقد يستطيعون بمساعدة أقلية جمهورية منزعجة من سياسات ترامب تمرير القانون.
لكن في هذه الحالة إذا استعمل الرئيس الفيتو سيبقى أمام الكونغرس اختيار واحد هو التصويت على القرار لرفع الفيتو وهو ما يتم فقط في حال تحقيق أغلبية الثلثين لكنها غير جاهزة حتى الآن في الكونغرس.
لكن كل هذا لن ينقص في اعتقاد المحلل السياسي من أهمية هذا التصويت، فمجرد الاستمرار في محاولات تمريره سيبقيه موضوع نقاش وتفاعل في الشارع الأمريكي وسيزداد الضغط الشعبي على ترامب.
ويقول غريب في حوار لـDW عربية، إنه بالإضافة إلى أنها المرة الأولى التي يؤيد فيها أي من مجلسي الكونغرس خطوة لسحب القوات الأمريكية من مشاركة عسكرية في الخارج بموجب قانون صلاحيات الحرب، منذ حرب الفيتنام، "هذا القرار مهم لأنه قبل أن يضغط على ترامب سيضغط على الرياض كذلك"، فحتى بعض السياسيين الذين ينظرون إلى العلاقات مع الرياض على أنها علاقات استراتيجية مهمة لا يريدون أن يكون ذلك على حساب القيم الأمريكية ويريدون وضع شروط وضغوط على سعوديين للاستمرار في دعمهم"، حسب تعبير الخبير.