2024-11-24 03:52 م

محاولة تصفية الأونروا... الدوافع والتبعات

2018-12-15
جلال سلمي*
في خطوةٍ كانت مُتوقعة نتيجة تلميح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى عدم نجاعة دعم بلاده لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، أقدمت واشنطن، في 30 آب/أغسطس المنصرم، على تجميد 150 مليون دولار من حجم مساهمتها في تمويل "الأونروا"؛ ما جعل الأمر مثار تساؤل عن جوانب وتبعات هذا القرار الذي يأتي في إطار إعلان الإدارة الأمريكية نيّتها عن إكلال القضية الفلسطينية بحلٍ نهائيٍ يكون في صالح الاحتلال على أقل تقدير، لا سيما بعد اتهام منظمة التحرير الفلسطينية واشنطن بالسعي صوب "تصفية" القضية الفلسطينيين، لا سيما حق العودة.

دوافع القرار:

 تتعدد دوافع الولايات المتحدة في الإقدام على هذه الخطوة، لكن يبدو أن الدوافع الأساسية لذلك:

1ـ كسبب مباشر، رفض الجانب الفلسطيني، ممثلاً بالسلطة الوطنية والفصائل الفلسطينية، قرار الرئيس الأمريكي إعلان القدس عاصمة "لإسرائيل". ومحاولة واشنطن للضغط على السلطة بهدف الانضمام للمفاوضات وفقاً لرؤيتها. ولعل التدرج في تجميد مساهمتها البالغ مجموعها 370 مليون دولار بانصرام عام 2017، يدلل، بصورةٍ واضحةٍ، حول ميول واشنطن لاستخدام مساهمتها كورقة ضغط ضد السلطة.

2ـ ربما تبني الولايات المتحدة، بصورةٍ صارخةٍ، سياسة "انعزالية" "انسحابية" ترفع عن كاهلها مستوى "الديون القومية" التي تعني المساهمة في حماية الحلفاء، وفي تمويل المنظمات الدولية، يلعب دوراً في ذلك.

3ـ لعل توجه الإدارة الأمريكية في إجراء "خضة مؤسسية دولية" في سبيل كشف أوراق ونوايا جميع الأطراف حيال القضايا الفاعلة، يؤدي دوراً في توجه الولايات المتحدة نحو ذلك.

4ـ ربما التوجه الفردي لترامب الذي يظهر بمظهر المُحب لإتمام الصفقات التاريخية، من قبيل صفقة حل أزمة بلاده مع كوريا الشمالية، واليوم محاولته لإتمام صفقة حل للقضية الفلسطينية بالتعاون مع حليفه الإقليمي "دولة الاحتلال"، حيث يبدو أن ترامب يرغب في دخول التاريخ عبر إتمام أكبر قدر ممكن من صفقات الحل لمسائل عجز عن حلها من سبقه، وبالأخص في ظل اقتناع إداراته بأن السلطة الفلسطينية تخصص جزءً من هذه الأموال لمن "يهددون الأمن والاستقرار"؛ أي أهالي الأسرى والشهداء، بحسب ما أشار إليه السفير الأمريكي لدى دولة الاحتلال، ديفيد فريدمان الذي أشار إلى أن الولايات المتحدة ستركّز على دعم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كونها، على النقيض من الأونروا، تسعى لإنهاء حالة "انعدام الجنسية"، وليس نشرها"كسلاح سياسي". وفي ذلك إشار واضحة لمسعى الولايات المتحدة في النظر لتوطين اللاجئين الفلسطينيين.

تبعّات القرار:

1ـ أول ما يخطر للذهن عن تبعات القرار، هو تأزم الوضع التعليمي والصحي والاجتماعي للاجئين الفلسطينيين، حيث أن غياب التمويل سيؤدي لاضطرار الأونروا إغلاق أكثر من 700 مدرسة، وعددٍ من المراكز الصحية، ما يؤثر سلباً في حياة 300 ألف لاجئ في القطاع و900 ألف لاجئ في الضفة الغربية، وغيرهم الكثير في دول الجوار، والذي يصل عددهم الإجمالي إلى 5 ملايين لاجئ. كما أن هناك احتمال غلق الأونروا مركزها الرئيس في غزة، ما يجعل عدد كبير من الموظفين وعائلاتهم أمام وضعٍ إنسانيٍ مزرٍ، لا سيما في ظل حالة التدهور الاقتصادي الصارخ الذي يشهده قطاع غزة على وجه التحديد.

2ـ طمس حق عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين، في إطار محاولة الولايات المتحدة إجراء حل بدون عراقيل وتبعات ديموغرافية قد تنتج عن عودة هذا العدد. ويتضح توجه الولايات المتحدة نحو حل القضية الفلسطينية وفقاً لرؤيتها في الحل، والتي لصالح حماية الأمن القومي للمحتل، سلسلت تحركاتها حيال القضية الفلسطينية بإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ومن ثم إعلان القدس عاصمة "لإسرائيل، وأخيراً محاولتها تقليص عدد اللاجئين، للضغط على السلطة ووضعها أمام سياسة الأمر الواقع، وتذليل العقابات التي تقف أمامها.

مواقف الدول الفاعلة حول القرار:

1ـ دولة الاحتلال:

رحبت بشدة بالقرار متهمة الأونروا "بإطالة أمد" النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، عبر "تكريس وجود عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين يملكون حق العودة إلى القرى والمدن التي اضطروا للهروب منها إبان حرب 1947 ـ 1948.

ولا ريب في أن الموقف "الإسرائيلي" سيكون على هذا النحو، إذ يضمن له هذا القرار تخليصه من مسؤولية لجوء الفلسطينيين، ويؤدي تقليص عدد اللاجئين، وبالتالي يضمن له انعدام حالة التغيّر الديموغرافي على المدى البعيد، في حال تم الاتجاه لإقرار حل فعلي لهم، لا سيما وأن الولايات المتحدة دعت لإسقاط الهوية السياسية عنهم على صعيد استراتيجي. كمل من الرابط أدناه..

لكن على صعيد تكتيكي تقني، أبدى منسق أعمال الحكومة "الإسرائيلية" في المناطق المحتلة، وبعض أجنحة الحكومة، اعتراضاً على القرار، لجهة احتمال أن يؤدي إلى مشاكل أمنية وانهيار المرافق في غزة. وقد دفع هذا الاعتراض رئيس الحكومة إلى إبلاغ الإدارة الأمريكية إجراء تقليص تدريجي للمساعدات المُقدمة للأونروا، مع التأكيد على تأييده الكبير لوقف المساعدات المُقدمة بشكلٍ مباشر للسلطة الفلسطينية.

2ـ منظمة التحرير الفلسطينية:

وصفت منظمة التحرير، على لسان العضو في اللجنة التنفيذية فيها، حنان عشراوي، القرار بأنه "متهور وغير إنساني"، مضيفةً، في بيان باسم اللجنة التنفيذية، أن القرار يُعرض حياة وحقوق أكثر من 5 مليون فلسطيني للخطر. وأوضحت أن المنظمة ستتوجه إلى الأمم المتحدة، لمواجهة القرار.

وباعتبار أن السلطة التي وصفت القرار الأمريكي على أنه جزء من "صفقة القرن"، جهاز حكم محلي منبثق عن منظمة التحرير، فإن موقف السلطة "التقليدي" في التوجه للأمم المتحدة، يُمثل موقف المنظمة التي تُعدّ الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، لكن لا تتحرك وفقاً لما يحقق طموح عدد كبير من المواطنين الفلسطينيين الذين يرغبون باتخاذ إجراءات حاسمة أكثر ضد هذه القرارات، من قبيل وقف التنسيق الأمني وإلغاء الاعتراف بدولة الاحتلال، وغيرها.

3ـ الأمم المتحدة:

عبرت الأمم المتحدة عن أسفها للقرار الأمريكي، مشددةً على أن الاونروا توفر خدمات أساسية للاجئين الفلسطينيين بما يُسهم في استقررار المنطقة.

وفيما حذرت الأمم المتحدة من العواقب السلبية للقرار على جميع الأصعد الاقتصادية والأمنية، أشارت إلى أن المنظمة بحاجةٍ لدعم يوفر بديل للدعم الأمريكي. وبذلك ظهر موقف الأمم المتحدة بشكلٍ يحاول الحفاظ على كيانها عبر توفير بدائل لدعم الولايات المتحدة، بمعزلٍ عن أخذ الموقف الأمريكي تجاه محاولة تقليص حقوق الفلسطينيين، على محمل الجد.

وينطلق موقف الأمم المتحدة من قرارها رقم 194 الذي يؤكد على حق الفلسطينيين في العودة.

4ـ جامعة الدول العربية:

وظهر موقف جامعة الدول العربية للسطح على لسان الأمين العام لها، أحمد أبو الغيط، الذي استنكر القرار، وصرح، عبر بيان خطي، بأنه قرار يفتقر للمسؤولية والحس الإنساني والأخلاقي."

5ـ الاتحاد الأوروبي:

ينطلق موقف الاتحاد الأوروبي من حرصه على عكس هويته المشتركة القائمة على معايير دعم الحقوق الإنسانية، واحترام قواعد القانون الدولي، عبر عدة أساليب أهمها؛ دعم اقتصاد السلام الذي يعني توفير دعم مشاريعي لذوي الحاجة حول العالم، لاستباق انتشار وقائع الأزمة حول العالم. ولا شك في أن احتدام أزمة اللاجئين الفلسطينيين، قد تدفع بعددٍ كبيرٍ منهم للتوجه صوب دول الاتحاد الأوروبي.

وفي ضوء ذلك، حض الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة على إعادة النظر في قرارها الذي وصفه "بالقرار المؤسف"، مشيراً إلى أهمية مواصلة تقديم الدعم الدولي للأونروا. وأكد الاتحاد على أنه يناقش مع شركائه الدوليين آلية لضمان مساعدات مستديمة ومتواصلة وفاعلة للفلسطينيين بما فيها الأونروا.

وبحسبان الدور القيادي الاعتباري لألمانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، فإن إقدامها على رفع مساهمتها في دعم الأونروا قد يدفع بعض دول الاتحاد لحذو حذوها، انطلاقاً من الهدف المشترك للاتحاد في دعم ذوي الحاجة.

6ـ الأردن:

من جانبه، تجلّى الموقف الأردني في إطار عملي، حيث أعلن عن توجهه لتنظيم مؤتمر في 27 أيلول/سبتمبر في نيويورك لاستجداء الدعم الدولي للأونروا التي باتت تعاني من عجزٍ ماليٍ بات يفوق الـ 200 مليون دولار.

ومن الطبيعي ترأس الأردن الذي يحوي أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، 2.1 مليون لاجئ؛ 634 ألف منهم لا يحملون الجنسية الأردنية، بحسب تقديرات الأونروا لعام 2017، مسار دعم الأونروا للإبقاء على مهتمها في الحفاظ على "الهوية السياسية" لهؤلاء اللاجئين، فضلاً عن تخوفه الأمني من الآثار الديموغرافية لهذا العدد الكبير، في حال تم إلغاء صفتهم "اللجوئية"، عوضاً عن تخوفه لتحوّل هذا العدد لورقة ضغط من قبل أطراف دولية تسعى لحل القضية الفلسطينية وفق نماذج حل أبرزها "الكونفدرالية".

7ـ دول الخليج:

ويضطر الأردن اليوم لإجراء تحرك نشط يستجدي الدعم الدولي، في ظل توجه بعض الدول الخليجية صوب أرجحة ميزان القوى في المنطقة لصالحها وضد النفوذ الإيراني عبر التقارب مع الولايات المتحدة والتطبيع مع "إسرائيل" على حساب الحقوق الفلسطينية، فضلاً عن تحمله لمسؤوليات كبيرة للانفاق على اللاجئين المقيمين على أرضه في حال رفعت الأونروا يدها عن مساعدتهم.

وفي السياق ذاته، كشفت القناة "الإسرائيلية" الثانية، النقاب عن أن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أفصحت لمسؤولين "إسرائيليين"، أنها ستسمح لدول الخليج العربي بدعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين حتى نهاية العام الحالي، بشريطة التزام الدول الممولة والداعمة بإعادة تعريف مكانة الاونروا وتعريف اللاجئين الفلسطينيين، بهدف الوصول إلى إغلاق تام لهذه المنظمة. وبذلك، يبدو أن موقف دول الخليج لم يخرج عن إطار "الدور الوظيفي" المُرسوم لها من الدول المركزية.

8ـ لبنان:

يقاسي لبنان من أزمة اللاجئين الفلسطينيين التي كان لها دور، بشكل أو بآخر، في إقحامه في حروبٍ مباشر مع دول الاحتلال، منذ عام 1948، واليوم يعاني من أزمة اللاجئين السوريين الذين بلغ تعدادهم مليون لاجئ. فتقليص الأونروا لمساعدتها يعني احتمال انفجار أزمة اجتماعية كبيرة في المخيمات الفلسطينية، لا تستطيع الحكومة اللبنانية تحلمها في وقتنا الحالي، لا سيما في ظل احتواء لبنان لـ 483 ألف لاجئ بحسب تقديرات الأونروا لعام 2009.

وباعتبار نظام المحاصصة الطائفي القائم عليه، فإن تخوف الجهات "غير المسلمة"، على وجه التحديد، من احتمال ممارسة ضغوط دولية لتوطين الفلسطينيين على المدى البعيد، يُنذر باحتمال اشتعال أزمات سياسية واجتماعية لا تستحملها الحالة اللبنانية في وقتنا الحالي.

9ـ مصر:

على العكس من الموقف الأردني الحساس حيال أزمة اللاجئين، اتسم الموقف المصري بالموقف الخافت، حيث اكتفت الحكومة المصرية بإصدار بيان عبر وزارة الخارجية تُعرب فيه عن "قلقها". ولعل انعدام وجود اللاجئين الفلسطينيين في مصر، يلعب دوراً أساسياً في ذلك.

10ـ تركيا:

انطلاقاً من توجهه الشعبي والحكومي الداعم للقضية الفلسطينية بحساب الموروث التاريخي العثماني الذي تحمله تركيا، بالإضافة إلى سعيها لمنافسة عدد من الدول الإقليمية على "مركزيّة" المنطقة، ومنافسة دول أخرى لإرجاح كفة الميزان في المنطقة لصالحها، عبر القضية الفلسطينية التي توفر "خطاب إعلامي" ناجع لجذب ود الكيان السياسي "الجمهور".

وهذا ما ترجمته تركيا عبر إعلانها الاستعداد للإسهام بـ 10 مليون دولار لميزانية الأونروا.

في الختام، تتزامن خطوة رفع واشنطن مساعدتها عن الأونروا في ظل الحديث عن احتمال توجه لتأسيس "كونفدرالية" تضم الأردن وأجزاء من الضفة الغربية، وبمعزلٍ عن قطاع غزة الذي يُدور الحديث عن احتمال تبعيته لمصر بصورة الحكم الذاتي. وتأتي هذه الخطوات في ضوء سعي واشنطن لإتمام صفقة تاريخية تضمن حل القضية الفلسطينية دون عراقيل يأتي حق العودة على رأسها. وفي طور ما يشهده العالم من توجه لمواجهة التحركات الأمريكية غير المراعية لقواعد القانون الدولي، يبدو أن استراتيجية "محوّرة الأزمة" التي تعني تنويع الراعين للقضية الفلسطينية، بما يشمل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين على وجه الخصوص، مع محاولة إنشاط "المحوّرة الإقليمية" التي تشمل تركيا وقطر، وغيرها من الدول التي يمكن أن تدعم.



*باحث في مجال العلوم السياسية