2024-11-27 12:35 م

غزة تُحرق وتدمر بالقصف والصمت الرسمي العربي

2018-11-13
نادر الصفدي
لليوم الثاني على التوالي، يتعرض قطاع غزة لأشد وأعنف هجمة عسكرية إسرائيلية منذ حرب 2014، أسفرت حتى اللحظة عن ارتقاء 12 شهيدًا ومئات الإصابات، وتدمير كبير في البنية التحتية التي باتت هدفًا رئيسيًا للطائرات الإسرائيلية.

"قصف هنا، ودمار هناك، طائرات لا تغادر السماء، وصمت مُخيف لا يكسره إلا أصوات سيارات الإسعاف التي تنقل الشهداء والجرحى من كل مكان"، هذه هي الصورة الحية التي يعيشها سكان قطاع غزة خلال 24 ساعة من العدوان الإسرائيلي المتواصل، الذي لم يرحم البشر ولا حتى الحجر.

الأوضاع الميدانية في قطاع غزة تتدحرج ككرة لهب تأكل كل ما يعترض طريقها، فحتى هذه اللحظة لم تنجح أي وساطة عربية ولا أممية ولا حتى دولية بوقف الجرائم البشعة التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق أهل غزة، وكأنهم يدفعون وحدهم ثمن المقاومة والصمود في وجه "إسرائيل".

كل المؤشرات المتوفرة، تدلل على أن الساعات المقبلة في قطاع غزة ستكون حازمة للغاية، ولغة الرصاص والقصف والدمار، ستكون المسيطرة على الأوضاع، في ظل موقف عربي ودولي متخاذل لا يزال يغمض عينيه عن الجرائم الإسرائيلية بحق غزة وسكانها.

كيف تدحرجت الأوضاع؟

ورغم نجاح المقاومة الفلسطينية في تحقيق معادلة جديدة من الردع والقوة بمواجهة الاحتلال، ووصول صواريخها التي تطلقها من غزة لمناطق حساسة داخل العمق الإسرائيلي، أسفرت عن قتل عدد من المستوطنين، إضافة لإغلاق المدارس ونشر الرعب في الشوارع، هناك دعوات إسرائيلية أخرى تستغل الوضع العربي الهزيل، وتسعى لصب الزيت على النار وإشعال حرب رابعة على غزة.

تدحرجت الأحداث في قطاع غزة، إلى ما وصلت عليه الآن من تصعيد عنيف، بدأ ليلة الأحد الماضية، حين تسللت قوة إسرائيلية خاصة إلى شرقي مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، لتنفيذ مهمة استخباراتية كبيرة، لكن كتائب القسام (الجناح المسلح لحركة حماس)، كشفت تلك القوة، واشتبكت معها وأوقعت بها خسائر وقتلت مسؤول الوحدة، إضافة لارتقاء 7 شهداء من كتائب القسام.

بعد العملية، قطع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، زيارته للعاصمة الفرنسية باريس، وعاد إلى الأراضي المحتلة، وأعلن مسؤولو دولة الاحتلال أن هناك حدثًا أمنيًا كبيرًا وقع في مدينة خانيونس، أسفر عن قتل نائب وحدة القوة الخاصة.

ومساء الإثنين، استهدفت المقاومة الفلسطينية حافلةً تقلُّ عددًا من الجنود شمالي قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل جندي وإصابة آخر بجراح خطيرة، ثم انطلقت المئات من الصواريخ على البلدات المحتلة، وتسببت في إصابة 100 إسرائيلي بجراح مختلفة وحالات هلع.

وبعدها بساعات قليلة، قصف جيش الاحتلال بعدها أهدافًا مدنية فلسطينية، بعدد كبير من الغارات، أدت إلى استشهاد 5 فلسطينيين وإصابة 10 بجراح مختلفة، وتركز القصف الإسرائيلي على عدد من المنازل، جنوب قطاع غزة وشماله، وقُصفت فضائية "الأقصى" التابعة لحركة حماس، ومبنى يتبع لوزارة الداخلية، وجمعية خيرية، وغرف للصيادين في ميناء غزة، وأراضٍ زراعية فارغة، وكان جيش الاحتلال يعطي 5 دقائق فقط لسكان المباني السكنية مهلةً لإخلائها قبل قصفها.

المقاومة ردَّت بشكل مكثف على القصف الإسرائيلي، واستهدفت مدينة عسقلان بعشرات الصواريخ، وكذلك نيتفوت، وجميع مستوطنات غلاف غزة، بأكثر من 400 صاروخ، ولا تزال تواصل عمليات القصف.

وأكد أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام، أن مدينة المجدل المحتلة دخلت دائرة النار، ردًا على قصف المباني المدنية في غزة، مهددًا بأن أسدود وبئر السبع ستكونان الهدف التالي إذا تمادى الاحتلال الإسرائيلي في قصف المباني المدنية الآمنة، كما هدد أبو حمزة، الناطق العسكري باسم سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي)، بقصف مدينة "تل أبيب".

وعلى ضوء هذه التطورات، قالت "القناة الثانية العبرية" صباح الثلاثاء، إن "إسرائيل" علقت الجهود الرامية للتوصل إلى تهدئة في قطاع غزة، وذكرت "القناة السابعة العبرية"، أن محادثات التهدئة متوقفة، و"إسرائيل" لا تتجاوب مع جهود الوسطاء الرامية لعودة الهدوء للقطاع، ووفقًا للقناة العبرية، قررت "إسرائيل" تعليق المحادثات مع مختلف الوسطاء بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

إرهاب لن يوقف المقاومة

وردًا على ذلك، قالت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، إن تصعيد القصف الإسرائيلي للمباني السكنية والمدنية بشكل وحشي وهمجي هو إمعان في العدوان واستخدام السلاح الأمريكي للدمار، وأوضحت الحركة أن هذا "الإرهاب" لن يوقف المقاومة، بل سيجعل الخيارات أمامها واسعة للرد على القصف التدميري الذي طال المباني المدنية والتجارية والسكنية، مشددةً أن سرايا القدس وغرفة عمليات المقاومة لديها المقدرة على مواصلة الضرب بقوة أكبر مما كانت عليه ضربات السرايا والمقاومة خلال الساعات الماضية، وأضافت "هذا ما سيراه الاحتلال في عزيمة المقاومة إذا لم يتوقف هذا العدوان بشكل تام".

بدوره، وصف النائب الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، الحكومة الإسرائيلية أنها كالمجرم الذي اعتاد الهروب من العقاب بسبب النفاق الذي يمارسه على الصعيد الدولي والتنكر للقوانين الدولية.

وقال: "الاعتداءات الإجرامية الأخيرة بما في ذلك قصف بيوت المدنيين ومؤسسات إعلامية مدنية كقناة وإذاعة الأقصى، بعد التسلل بقوات خاصة متنكرة بملابس نساء مدنية، يمثل جرائم جديدة لم تكن لتحدث لو قامت محكمة الجنايات الدولية بواجبها في محاسبة "إسرائيل" على جرائم الحرب التي ارتكبت عام 2014، ولو لم تواصل الإدارة الأمريكية تشجيعها ودعمها المطلق للمعتدين، وتنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني".

وأكد البرغوثي أن من حق الشعب الفلسطيني وقواه، مقاومة الاعتداءات الإسرائيلية وصدها بكل الوسائل، فالمقاومة حق مشروع في القانون الدولي لكل الشعوب التي تدافع عن نفسها وعن أرضها، وتكافح لتحقيق حريتها من الاحتلال، مشيرًا إلى أن الحكومة الإسرائيلية تواجه الفشل تلو الآخر وتحاول التغطية على ذلك بهدر دماء الفلسطينيين.

أين العرب؟

ما يجري في غزة من تصعيد إسرائيلي عنيف وممنهج، وعدم صدور أي مواقف عربية تلجم هذا العدوان، أجبر أهل القطاع على التساؤل أين الأمتين العربية والإسلامية من نصرتنا والدفاع عنا؟

وانطلقت نداءات لنشطاء عرب من عدة بلدان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبة بالوقوف مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 12 عامًا.

وعلى الرغم من التفاعل الكبير الذي أبداه العديد من النشطاء على "تويتر" و"فيسبوك"، الذي ندد بشدة بعمليات الاحتلال غير المشروعة، فإن هناك مَن دافع عن "إسرائيل"، وطالب باستهداف حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لتنقسم المواقف بين مؤيد ومناهض.

وكان من اللافت دعوة أحد النشطاء السعوديين للاحتلال قائلًا: "اللهم سدّد رميهم على مواقع حماس الإرهابية"، ليتماشى مع دعاء الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي الذي قال في تغريده له: "اللهم سدّد الرمي يا رب".

وتساءل نشطاء عبر "تويتر"، عن ردود الفعل التي ستصدر من المسؤولين في الدول العربية، وكيف سيتعاملون مع الاحتلال عقب هذه التصعيدات المتلاحقة، وتوقع البعض أن ردود البعض لن تخرج عن دائرة البيانات والشجب والإدانة، وقال آخرون إن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي سيستمرّ وكأن شيئًا لم يكن.